0

كلنا محمود السرسك وأكرم الرخاوي

نوران أنا يا أبي

الكاتبة: هداية شمعون

...

في مفارقة الواقع والخيال.. داخل وخارج السجن.. مشاعر مختلطة تعصف بالأسير وابنته.. نوران تنظر في عيني.. فأراها وأرى حلمها.. ما بين أب مرض مكبل بالسلاسل .. وأحلام طفلته الشقية.. ألم لا يضاهيه ألم وحزن مكبوت وقلق واشتياق.. أين نحن من أوجاعها/أوجاعه..

حبا في حلم طفلة بأن ترى أبيها سالما.. وطمعا في دعم أسير مناضل يواجه الموت ويحتضر بصمت المسؤولون والإعلام.. وكي لا نوصم بالعار.. رغم أنا جميعا بتنا عراة أمام ذواتنا.. الحرية للأسير أكرم الرخاوي المضرب عن الطعام منذ 73 يوما متواصلا وهو يعاني من الربو وضيق النفس، وشهدت حالته تدهورا كبيرا حسب تقارير حقوق الإنسان..!!

*****

أنا نوران يا أبي.. اشتقت لك كثيرا.. ورغم أني أحيانا كثيرة حين أذهب للخيمة أكون سعيدة لأن حولي كل أفراد العائلة ووجدت أصدقاء كثيرون أصبحت أراهم كل يوم يأتون ليتضامنوا معك.. لكني كل يوم أشتاق لك أكثر.. أبي تعبت ووضعت عصبة سوداء على عيني وكبلت يداي وجلست على الرمل في خيمة الاعتصام برفح أمس، كنت أظن أنه من الجميل أن أمثل مثل باقي اخوتي وأخواتي وأطفال آخرين وضحكت قليلا.. لكني حين جلست على الأرض ولم أرى إلا العتمة وبدأت يداي تأكلاني ألما من الجنزير الملفوف على يدي بدأت أبكي ... لأني حينها شعرت أني أعانقك وأنك تحتضنني ..أنت تتألم منذ 8 سنوات.. طيلة الوقت وأنت تتألم وأنت مريض بالربو .. تعذبت كثيرا يا أبي وأنا أيضا وأمي وكل أخواتي وإخوتي نفتقدك كثيرا وكل فجر يوم أرفع يدي للسماء علني أراك بيننا سالما.. أعدك وأعاهدك أبي أن أظل كل يوم آتي هنا لأصرخ وأصرخ لأجلك، حتى لو تعامت عني كل العيون ولم تسمع صوتي لأنك بعيد الآن لكني سأبقى أناضل لأجلك وأناديك أناديك.. أبي أحبك كثيرا فاصمد وارجع لنا بالسلامة.. ابنتك نوران

*******

هؤلاء الصغار تركوا ألعاب الطفولة وجاءوا للخيمة يحملون صورتي..!! انهم يعصبون عيونهم وأيديهم مكبلة ورغم ذلك يحملون صورتي.. انهم كبار وليسوا صغارا.. بعد أن تخلى الكبار عني؟.. لا اعرف ما يمكن أن أقوله لكم يا صغاري.. أنتم في القلب شفيتم عليلا تنتزع منه الحياة بين جدران السجون الإسرائيلية.. لقد تخلى عني المسؤولون ورغم كلماتهم المعسولة لأهلي ولابنتي إلا أنهم تركوني أواجه مصيري وحدي وأنا غير نادم.. فقد أرسلت العديد من الرسائل إما حياة كريمة حرة وإما الموت.. لن يعاقبني الله فهو يرى

 

noran rekawi

ويعرف ما أعانيه.. ثمانية سنوات قضيتها في السجن مكبلا في المشافي، أموت كل يوم وأذبح.. لي عشرة أطفال كبروا وأنا مغيب بالسجون..!! أعيش على ذكرياتي معهم.. إنهم صغارا ربما إن رأيتهم لن أعرفهم الآن.. قلبي يؤلمني كلما تذكرت وجه زوجتي الباكية.. إنهم وحيدون مثلي!! يا صغاري أموت الآن وأذوي لكني بصوتكم وصرختكم التي اخترقت جدران الصمت أحيتني من جديد.. وعزائي أني إن مت فسأكون رافعا رأسي بكم.. استمروا يا صغاري وناصروني وأحيوني رغم الموت الطويل... عيوني الآن تغرق بألم ودمع لكني أبتلعه كي لا يظن سجاني أني أتهاوى.. سأبقى صامدا وإما أكون بينكم كمحمود السرسك البطل.. وإما ..!! لكن التاريخ حينها لن يغفر للصامتين ولمن تركوني وحيدا ...

*********

أنا نوران يا أبي.. سميتي وكأنك تعرف أنك ربما لن تراني أكبر أمام عينيك.. أو كأنك تريدني فعلا حاضرا في عتمة نهارك الآن.. لم أعد صغيرة يا أبي.. أعرف أنك مريض جدا الآن فقلبك نبضاته ضعيفة.. وتشعر بتوعك كبير وإعياء وإجهاد حتى أنك بالكاد ترد على من يكلمك.. أعرف أنك أيضا يغمى عليك منذ عدة أيام ولم تعد قادرا على الحراك.. ورغم ذلك فأنت ترفض أخذ الدواء .!! أبي قلبي يتقطع وأنا أتخيل أني أكلمك الآن فأنا حالمة وخيالي كبير.. حيث أظن وأنا أكلمك أني أراك الآن أمامي.. أعرف أنهم اقتحموا غرفة المشفى وصادروا جهاز الراديو والتليفزيون عزاءك الوحيد للتواصل مع عالمنا بالخارج.. فأصبحت حزينا جدا لأن الدقائق والساعات تمر ثقيلة وأنت وحيد .. وحيد إلا من ألمك ومرضك وذكرياتك..!! أبي لماذا لا تكن صغيرا مثلي وتتخيل أنك تراني وتسمعني ربما يمكن أن تصمد أكثر!! .. أنا لم أعد أعرف الواقع من الخيال فكل يوم قبل أن أنام أقول لك تصبح على خير يا أبي.. وطيلة الليل أنام وأصحو وأنت نائم إلى قرب فرشتي على الأرض فلم تتمكن أمي أن تشتري لي سريرا لأن البيت لا يتسع، ولأن اخوتي وأخواتي كثر فبتنا ننام على الأرض.. لكن بالتأكيد لك متسع كبير حين تأتي!!.. أبي .. أبي أنا نوران هل تذكرني.. هل تعرفني.. هل تعرف أن شعري أصبح طويلا جدا وأني أعقصه خلف ظهري، هل تعرف أني أصبحت طويلة بعض الشيء!! وهل تعرف أن بنطالي الأسود الذي اشتريته العيد الماضي قد تمزق ولكن أحدا لا يلحظ ذلك لأني أرتديه كل يوم حين أذهب للخيمة.. الناس لا تلحظ كثيرا إن كان البنطال ممزقا أو لا..! وأيضا لا يقولون لي أنه قديم .. هذا يشعرني بالراحة...!! هل تعرف أني نجحت بتفوق!! وأني فرحت كثيرا حين أحضرت شهادتي لأني اعتقدت أنك تنتظرني بالمدرسة.. ثم اعتقدت أنك تنتظرني بالبيت.!! لم يحضر لي أحد هدية؟؟ لقد حزنت كثيرا أن أحد لم يلحظ تفوقي.. كانت أمي تقول طيلة الوقت أن أبيكم يريدكم متفوقين كما عهدكم.. واعتقدت أنك ستجلب هدية لي.!! لكن كيف يمكنك أن تشتري هدية وأنت مريض ومعتقل بالسجن!! أبي هل تعرف أني نجحت!!.. وأني ..وأني.. يا ويلي هناك سنوات كثيرة أريد أن أحدثك عنها.. وهناك قصص كثيرة أخبئها في صدري وأنتظرك..

أبي أخبرني ماذا أفعل لتكون بيننا؟ ماذا أفعل أنا مشتاقة لك أكثر مما تصورت!! أريد أن تحتضنني وتقبلني كما يفعل الآباء في كل العالم مع بناتهم.. هل يمكنك أن تحقق لي حلمي..!! نوران أنا.. يا أبي..

******

يا ابنتي يعلم الله كيف أواجه الحياة/الموت.. لا تقسي علىّ يا ابنتي.. أريد أن أعيش وأريد أن أكون بينكم ولكن كريما لا ذليلا.. أريد أن أتحرر من الهوان ومن الألم.. الألم شديد والحزن أشد والوحدة تقتلني .. كل ما أريده يدك الصغيرة الحانية تربت على رأسي فأعيش بروحي بينكم ومعكم ولأجلكم.. لا تقسي علىّ يا ابنتي فوالدك يحبك ويحب إخوتك وأخواتك العشرة وأمك وكل الناس.. واحتمالي هذا الموت البطيء ستدركينه يوما ما.. ادعي لي يا ابنتي ووصيتي لك .. اهتمي بأمك واهتمي أن ترفعي دائما رأسك شامخا بأبيك.. ولا تنسي أبدا كل القصص التي قصصتها حين كنت طفلة وحين كانت أخواتك صغيرات.. أحبك يا نوران... هذا أنا أبيك ..

(أكرم الرخاوي الأب لعشرة أطفال، المريض بالربو وحاليا يعيش في وضع صحي خطير وحالته تتدهور يوما بعد يوم، بلغ إضرابه اليوم الـ 73 يوما متتاليا، قضى من محكوميته 8 سنوات بين مستشفيات السجون بسبب مرضه، وبقيت سنة واحدة طالب المحكمة الإسرائيلية ولازال بالإفراج عنه لقضائه أكثر من ثلثي حكمه، مطلبه الإفراج عنه ليكون بين أسرته ويتلقى علاجا كأدنى معايير حقوق الإنسان)

إرسال تعليق Blogger

 
Top