كشف استطلاع رأي حديث
للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية حول الهجرة أن 50% من بين سكان قطاع
غزة لديهم الرغبة بالهجرة، و25% من بين سكان الضفة لديهم نفس الرغبة، مما يشكل
زيادة واضحة في أعداد الراغبين في الرحيل عن الأراضي الفلسطينية مقارنة بنتائج
استطلاعات سابقة، ويبلغ عدد سكان قطاع غزة 1.76 مليون نسمة فيما يبلغ عدد سكان الضفة
حوالي 2.79 مليون نسمة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وفي محاولة لخطوة جادة لدق ناقوس الخطر
بضرورة الالتفات لنبض الشارع الفلسطيني برجاله ونسائه الذين يمثلون عماد هذا المجتمع
بقوته وصموده، فقد آن الأوان للإصغاء لصوتهم وحاجاتهم، جاء استطلاع جديد لبرنامج
الأبحاث والمعلومات بمركز شؤون المرأة-بغزة- في واقع متأثر بجملة من العوامل
والمتغيرات السياسية الدولية والعربية والمحلية، ويجتهد للتعرف على فحص ملامح
التغيير في رؤية وتوجهات الفتيات والنساء الفلسطينيات في قطاع غزة لموضوع "
الهجرة خارج الوطن"، وهي إشكالية حازت على جزء كبير من تفكير ونبض الشارع ما بين
موافق ومعارض خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة (2014) حيث تلمس
الإشكالية هموم واحتياجات الجمهور الفلسطيني وفقدانه الأمل في القيادة والمنظومة
السياسية بأكملها وتكشف حجم الفجوة بين الجمهور وبين من يسيرون دفة الأمور
السياسية فشتان بينهما.
نتائج استطلاع
تكشف التورط في الهم الذاتي والبحث عن الخلاص:
في ذات الاستطلاع الذي نفذه مركز شؤون المرأة (أغسطس-
سبتمبر 2015) في قطاع غزة حول اتجاهات النساء الفلسطينيات والهجرة كشفت النتائج عن
تغيير واضح في تفكير النساء بما يتعلق بالهجرة فما يقارب 40% يرغبن بالهجرة خارج
فلسطين، تعني الكثير خلف لغة الأرقام والإحصاء الجافة، فأن تتجاوز النساء العباءة
الاجتماعية والترهل السياسي وتكسر تابوهات الصورة النمطية للمرأة كونها غالبا
بالواقع تابع للرجل وتشير نسبة لا يستهان بها بأنها قادرة على اتخاذ قرار الهجرة
بنفسها، وأن تهاجر لتعيش أو تعمل بعيدا عن أسرتها ودون مرافق عائلي ودون موافقة
عائلية، هو رسالة صارخة من النساء ضد القهر الاجتماعي والسياسي المركب.
فالنساء يواجهن عنفا مزدوجا ظاهريا والأكثر بروزا من
قبل الاحتلال الإسرائيلي لكن الأكثر شراسة وقسوة هو الظل الاجتماعي الذي يبدأ معهن
منذ الولادة، وفي ظل واقع اقتصادي منهار فإن منظومة الأخلاقيات تأخذ النساء في
دائرة أكثر ضراوة وشراسة، فالنساء من خلال رغبتهن بالهجرة إنما هن يعلن للملأ أنهن
لم يعدن يتحملن كل هذا الإهمال التاريخي لهن ولدورهن، ، يقلن لا بشكل أو بآخر لكل
القهر الاجتماعي، فتردي وضعهن النفسي إنما هو رفض آخر لكل ما يتحملنه، ويزداد
الأمر تعقيدا كلما استمرت الأوضاع السياسية والاقتصادية في الانهيار واشتد اغلاق
الأفق السياسي، إذن النساء يبحثن عن أمل، عن أفق عن حلم، وصوتهن في غاية القوة
والأهمية لصانعي القرار وإلا فإن تصدعا آخر سوف يتشكل في الهوية الذاتية والوطنية
والمجتمعية إن لم تنتبه لها كل الجهات التي تهتم بالنساء.
هنالك مؤشرات مختلفة تفضي لها هذه النتائج المربكة في
زاوية فدوما كانت المرأة الفلسطينية حاضنة ومتشبثة بالأرض والوطن والهوية، إلا أن
الانقسامات لم تكن سياسية فقط بل أصابت كل انسان فلسطيني، وباتت رغبة النساء في
الهجرة خارج الوطن لأن الوطن بمفهومهن يعني الأمان والاستقرار وحماية عائلاتهن،
لكن في ظل الوضع المأزوم فإنهن كأمهات وزوجات وأخوات يبحثن عن الأمان بمساحات أخرى
حتى لو كانت خارج الوطن.
ومن زاوية أخرى فإن النتائج هي افراز تلقائي وطبيعي
ومنطقي لكل ما يجري حاليا في قطاع غزة بعد ثلاثة حروب استمرت وأخذت معها كل مفاهيم
الأمان والسلام والحماية، وهنالك توقعات أكثر قسوة لأن التقييد لحرية الحركة لازال
قائما وبات أكثر ضراوة، كما أن الفرص للوصول للعدالة بات ضعيفا في ظل عدم توفر
بيئة قانونية حاضنة لاحتياجات النساء وتمس حياتهن الخاصة، إذن ليس لدى النساء ما
يخسرنه لكن الأكثر خطورة بالأمر برأيي هو الشعور بالاغتراب وهو ذاك الشعور الذي
لمسناه في مقابلات المئات من النساء في فترة قصيرة جدا، إن هذا الشعور يكاد يعبر
عن نفسه بكلمات النساء المختلفة ويعطي حيزا مكانيا وزمانيا يمثل حالتهن الشعورية ويأسهن
وقهرهن لما يجري في وطنهن، وينفرد بعد عرض أهم النتائج للاستطلاع رؤية مكثفة لما
وصفته النساء ليعبر عنهن.
النتائج الرئيسية للاستطلاع:
كشف استطلاع الرأي في السؤال الرئيسي حول
رغبة النساء المبحوثات نحو الهجرة خارج فلسطين في الوقت الحالي، ما نسبته 40% أفدن
برغبتهن بالهجرة بالوقت الحالي، 60% لا يرغبن بالهجرة خارج فلسطين في الوقت
الحالي، وحول الأسباب التي حالت دون رغبة المبحوثات في الهجرة، كانت النسبة الأكبر
من مجمل النساء غير الراغبات بالهجرة بسبب
الخوف من الاقدام على شيء مجهول لا يعرفنه، حيث بلغت هذه النسبة 40.4%، وبنسبة
وصلت 20.8% كان بسبب الخوف على الأبناء وعدم القدرة على السيطرة على أمور العائلة
في حالة الهجرة لبلد آخر، واختارت ما نسبته 13.5% عدم الرغبة بالهجرة بسبب حبهم
لتراب الوطن والرغبة بالبقاء فيه رغم قساوة المعيشة على أرضه.
أسباب الرغبة في الهجرة
وفي سؤال النساء الراغبات في الهجرة حول
الأسباب العامة من وراء رغبتهن الملحة للهجرة، كانت النسبة الأكبر 21.7% من مجمل
النساء الراغبات بالهجرة بسبب فقدانهن الشعور بالأمان والاستقرار، وبنفس النسبة
تقريبا كانت بسبب تدهور الوضع الاقتصادي بنسبة 21.6%، والتعرض للعنف السياسي
والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع كان بنسبة 18.1%، وارتباطا به كان
سبب تداعيات الحصار واغلاق المعابر بنسبة 13%، وارتباطا بهذا السبب بشكل رئيسي سبب
الانقسام وتداعيات الحالة الفلسطينية كان سببا بنسبة 10% تقريبا، وبنفس النسبة
تقريبا كان لسبب فقدان الحلم والأمل الفلسطيني بنسبة 9.4%، والتعرض للعنف العالي
أو المجتمعي كان بنسبة 6.4%
تدهور الوضع النفسي
ومن أهم الأسباب الخاصة بتوجه المبحوثات
للتفكير بالهجرة فقد جاء تدهور الوضع النفسي في المرتبة الأولى للمبحوثات بنسبة
35.5%، ورأت 22.5% من النساء أنهن يرغبن بالهجرة لأجل الرغبة في مستقبل أفضل
لأبناءهن بعيدا عن أجواء الحرب الدائمة في قطاع غزة، وما نسبته 13.8% يقلن أنهن لم
يتكيفن مع الثقافة المجتمعية السائدة، وبالتالي هذا يحفزهن للرغبة بالهجرة، في حين
أن 11.8% لديهم أقرباء وأصدقاء هاجروا من قبل ولديهم رغبة بالهجرة مثلهم، وبنسبة
8.9% من الراغبات في الهجرة عللن ذلك بسبب تقليص مساحة الحريات المتاحة للنساء في
المجتمع الغزي، وبسبب فقدان البيت والممتلكات اختارت النساء هذا السبب بنسبة 7.5%
وحسب العادات والتقاليد وكون المرأة في
المجتمع الغزاوي يصعب عليها التنقل دون مرافق، فقد طرحنا سؤال حول امكانية الهجرة
بدون مرافق من العائلة، فحوالي 19.6% لا يمانعن بالهجرة خارج فلسطين دون مرافق إن
لزم الأمر، وما نسبته 4.8% غير متأكدة من ذلك، في حين أن 75.6% لا يفكرن بالإقدام
لمثل هذه الخطوة.
واستكمالا للسؤال السابق وبسؤال المبحوثات
إن كن مصرات على السفر والهجرة في حالة معارضة الأهل، أو معارضة أهل الزوجة لمن هن
متزوجات، فما نسبته 14.2% لديهن إصرار على السفر حتى لو في حالة معارضة الأهل أو
أهل الزوج، و6.5% مازلن لم يحسمن أمرهن وهن غير متأكدات من هذه الخطوة، بينما
79.3% رفضن أن يلجأن للسفر دون موافقة الأهل أو أهل الزوج.
ولمعرفة أهم المعيقات أمام النساء
الراغبات بالهجرة، وجد أن 27.9% منهن ترى أن المعيق الرئيسي هو اغلاق المعابر، وفي
سبب مرتبط بإغلاق المعابر وبنسبة 18.7% رأت أن المعيق هو عدم القدرة على الحصول
على فيزا أو تأشيرة أو تصريح للخروج من غزة، وبنسبة 15.8% ترى أن المعيق وراء
الهجرة هو عدم القدرة على دفع التكاليف، وبنسبة قريبة جدا أيضاً 15.1% ترى أن
المعيق هو العادات والتقاليد المجتمعية، 10.5% من المبحوثات رأين أن الخوف من
الفشل هو أحد المعيقات للهجرة، وبنسبة 6.7% رأين عدم وجود أحد في الخارج يسهل
هجرتهن هو معيق في طريق الهجرة، 4.8% رأين عدم معرفتهن بإجراءات الهجرة هو معيق
آخر يعترضهن.
ولتحديد وجهة الهجرة حسب رغبة المبحوثات،
أجابت نتائج الاستطلاع عن الدول التي ترغب النساء بالهجرة والاستقرار فيها، فمن
أجبن بأنهن يرغبن بالهجرة فإن هنالك 43.5% اخترن دولا عربية، في حين 31.9% اخترن
أوروبا، 14% لا يهمهن إلى أي مكان التوجه المهم خارج غزة، وما نسبته 9% اخترن
الرغبة بالهجرة لأمريكا.
نبض الشارع.. وصوت الميدان.. النساء يتحدثن:
في هذه الجزئية نستعرض أهم استنتاجاتنا (كباحثة ومشرفة
ميدانية) من الوصول إلى 2000 فتاة وامرأة فلسطينية في محافظات قطاع غزة، حيث تم
لقاءهن والإصغاء لأصواتهن المكبوتة، وأتاحت لنا الكثير لنفهمه ونسمعه وندركه، لأن
صوت ونبض الشارع هو الأهم، وهي مساحة لم تتح لهذا العدد من النساء حيث اعتبرت
المقابلة معهن كمساحة خاصة، قلن فيها ما لم يقال، ووثقن بإيصال صوتهن ومعاناتهن
فهن يمثلن صوت الأغلبية الصامتة، ومن رؤية بحثية فهناك مستويين يمكن الانطلاق
منهما ولكل خصوصيته وسماته، يتمثل المستوى الأول بمن هن ضد فكرة الهجرة، والمستوى
الثاني تمثل بمن هن مع فكرة الهجرة.
المستوى الأول: النساء اللواتي رفضن فكرة الهجرة رغم
إقرارهن بصعوبة الواقع المعاش
"يا علته اللي بيطلع من ملته"
كثقافة
مجتمعية يعتقد الكثيرون أن الهجرة خارج بيوتهم ولأماكن غريبة عنهم هي نتيجتها تلقي
الاهانة والمذلة، ولذلك فالكرامة هي ركن أساسي لحياة الناس، من هنا فالبعض ينظر
للهجرة خارج الوطن وكأنها اتجاه نحو الذل والمهانة وغالبا هي رؤية النساء الكبيرات
في السن فوق 50 عاما كما لاحظنا لأنهن تربين على أهمية البيت والأسرة الممتدة،
ومفهوم الحفاظ على العائلة وترسيخ أركانها بالإبقاء على وجودهم معا وتحمل كل
الظروف والمعوقات كأسرة، وبالتأكيد فإن الإرث الثقافي والفكري وأدوار النساء
الإنجابية والمجتمعية لها الدور الأكبر في تعزيز هذا الاتجاه لدى النساء الكبيرات
السن.
هناك أيضا برزت جدلية حب الوطن والانتماء للأرض ومفهوم
التجذر والثبات لأن البقاء يعني الصمود، ويعني البقاء على فلسطين، وهي مفاهيم
أصيلة لكنها باتت مفقودة على مستوى النخب بعد أن تحولت إلى شعاراتية، وأن تبقى
النساء يتشبثن بهذه النظرية هو باعثا على الأمل لأنهن بالفعل من يعانين ويقهرن
يوميا بفعل العنف المركب الذي يواجهنه، وهن لا يعدن الخطاب إلا بفعل الإيمان
والقناعة.
المستوى الثاني: النساء اللواتي فكرن بالهجرة أو يؤيدن
فكرة الهجرة خارج الوطن.
وقبل التطرق لهذه الفئة، ففي مفهوم الهجرة وقفة لابد
منها حيث أن النساء لا يمكنهن احيانا التفريق بين السفر والهجرة، فنظرا لحرمان
النساء والأغلب الفلسطيني في قطاع غزة من السفر واغلاق المعابر لفترة طويلة جدا
حيث أغلق معبر رفح خلال العام 2015 شهور متواصلة، ولا يوجد خيار أفضل حالا فمعبر
بيت حانون تحت سيطرة كاملة من الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم فالشعور بالحصار والسجن
وعدم القدرة على حرية الحركة والتنقل ساهمت في رفع نسبة من يرغبن بالهجرة، وحتى في
حال أزيلت كل هذه القيود والتحديات تواجه النساء وحدهن ودون غيرهن قيود أخرى تتمثل
بالعبء الاجتماعي وهو الأكثر قسوة وضراوة فعليا، فعباءة التقاليد والعادات تقف
سيفا على رقابهن ويجدن أنفسهن دائما تحت جبروت الآخر (الفرد أو المجتمع) فكانت
نسبة من يرغبن بالهجرة هي ذاتها لمن يربن بكسر القيود الاجتماعية، ورغبتهن بالتحرر
من الإرث الاجتماعي المنظم والفوضوي، الرسمي وغير الرسمي، لذلك علينا أن نكون
حذرين بفهم رؤية النساء بشفافية وواقعهن المعاش فالسفر خارج هذا المحيط (عرف
القبيلة الذهني) هو بتقديرهن الهروب من المأزق الاجتماعي، لكن الجديد بتصوري هو
التصريح والإعلان عن هذه الأفكار بكل جدية، وبمثل هذه المساحة التي شعرن فيها
بالثقة.
وعلى الطرف النقيض فهنالك نساء أفنين حياتهن داخل حدود
قطاع غزة لم يعرفن شكل الوطن وخاصة صغيرات السن، ولديهن احساس قاسي بالغربة
والاغتراب داخل قطاع غزة، فهن يحلمن برؤية المجهول سواء داخل أو خارج الوطن، وهو
يزيد من توترهن وتدهور حالتهن النفسية لما يتصورنه مستقبلا، وعلى توصيف إحداهن "
عمرنا ضاع وما عملنا شيء، ولا قادرين نسافر أو نشوف مكان تاني غير هذا المكان"
" طموحي لا يتوقف هنا"
هذا ما أشارت له إحدى الشابات المستطلعة آراءهن فهي تشعر تماما بالمأزق السياسي
والفكري والثقافي الذي تعيشه لذلك ترفض هذا الواقع المأزوم، ولازال لديها الأمل بأن
تحقق طموحها على مستوى آخر غير المستوى المحلي المترهل.
الخريجات الأكثر رغبة بالهجرة لأنهن وجدن أنفسهن خارج
الإطار الجامعي الحاضن وكان هدفهن قد توقف، فلا توجد أي خطوات بكل الجهود التي
يبذلنها لأخذ زمام الأمر والخطو خطوة جديدة فأمامهن الزواج والذي من الواضح أنه لا
يشكل اكتفاءا لديهن فهو مرحلة النهاية بتصورهن، لأنهن سيكن ربات بيوت وهذا الدور
لا تكتفي به هذه الفئة، أو أن هذه المحطة أيضا ليست سهلة بالنسبة لهن، فالاتجاه
الأكبر لدى الراغبين بالزواج هو البحث عمن تشاركهم حياتهم بالعمل أيضا ويساهمن في
تأسيس حياة زوجية، والمساهمة بالجانب الاقتصادي، أو التوجه لصغيرات السن، وهنا
أيضا مأزق آخر تواجهه الفتيات لأنهن بكل الحالات يجدن أنهن لا يملكن الخيار الأدق
في تقرير مصير حياتهن ضمن منظومة عقلية المجتمع الذكوري والزواج التقليدي
والارتهان لتقبل النتائج وليس التخطيط لها.
" تشتتنا من بيوتنا وشفنا الويل بالحرب"
من خرجوا في الحرب ضمن إطار الهجرة الداخلية كن الأكثر تشبثا برفض الهجرة، حيث ذقن
مرارتها وتشبعن بالألم مما واجهنه بالملاجئ الأمر الذي كان له أثر عكسي فعودتهن
لبيوتهن والاستقرار هو أسمى مطالبهن، ولا يشعرن بالراحة مع فكرة تجريب وطن آخر
مجهول كي لا يواجهن مصيرا قاسيا لم يتمكن من التكيف معه بسبب قسوته.
لقد كان العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة،
وتدهور الوضع الاقتصادي سببان رئيسيان في رغبة الفتيات والنساء الفلسطينيات
المستطلعة آراءهن بالهجرة خارج فلسطين، وهي رغبة لم تكن بهذه القوة من قبل رغم
تاريخ النضال الفلسطيني ومعايشتهن للانتفاضات الأولى والثانية، إلا أن جملة من
العوامل والمتغيرات السياسية والاجتماعية جاءت لتساهم في الوصول لدرجة كبيرة من
اليأس والقنوط لكل أفراد الشعب الفلسطيني، بما فيهن النساء، فالحرب والسياسة الفلسطينية
والتقصير الفلسطيني في التعامل مع حاجات المواطنين تركت فراغا كبيرا في الساحة
الفلسطينية بشكل عام.
خلاصة:
إن من أبرز أسباب التفكير لدى النساء في
الهجرة من قطاع غزة هو عدم الشعور بالاستقرار السياسي والاقتصادي في القطاع،
وتزاحم الخريجون وتراكمهم دون توفر أدني متطلبات الحياة الكريمة لهم، وعليه يتطلب
من أصحاب القرار العمل على تسوية الامور الحياتية بما يوفر للشباب فرص عمل، ويساعد
على الاستقرار السياسي والاقتصادي في القطاع.
ومن أهم ما يمكن عمله للتقليل من
التفكير بالهجرة، هو دعم الشباب والشابات أولاً بالوقوف إلى جانبهم وتقديم كل
أنواع المساعدات لتوفير حياة كريمة لهم، وتقديم الحوافز المختلفة وخلق فرص عمل
متنوعة، وعدم الزج بهم في معترك الخلافات السياسية، بل والعمل على تسوية الخلافات
السياسية والخروج من أزمة الانقسام، والعمل الجاد على فك الحصار وتوفير متطلبات
حياة كريمة لكل فئات المجتمع وخاصة النساء.
كما يتضح أن هنالك مؤشرات على ملامح
التغيير التي طرأت بشأن مدى قدرة النساء على التفكير والسيطرة على قرارات تمثل
حياتهن، وتصريحهن بتنفيذ هذه القرارات رغما عن الثقافة المجتمعية والعادات
والتقاليد السائدة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى وقفة لدراسة ومعرفة مدى التغير في
ثقافة المجتمع الفلسطيني، وتأثيرات الفجوة القائمة بين السياسة الفلسطينية
والاحتياجات الأصلية للمجتمع الفلسطيني.
فالخطر الحقيقي يكمن في الفجوة العميقة
بين احتياجات وهموم النساء، وبين صناع القرار وبنية المجتمع الشكلية بالحفاظ على
مصالحهن، بينما في حقيقة الأمر أن النساء مغيبات عن المشهد النخبوي، ورغم أن
أصواتهن لم تصل بعد إلا أنهن بدأن يؤمن بضرورة الإفصاح عن مطالبهن وهمومهن، وهذا
يزيد من تحميل كافة الجهات المعنية بالمسؤولية تجاه المطالب العادلة للنساء ليكن
ضمن دائرة التأثير وصنع القرار.
إن اتاحة المساحات الآمنة للنساء للتعبير
عن آراءهن واحتياجاتهن ورؤيتهن الخاصة يكفل على المدى البعيد وعيا وفهما لأفكارهن
التي لازال البعد السياسي يسلبها جوهرها ويفرغها من محتواها ليبقى على الشكل
الخارجي، وهو ما يتوجب العمل عليه بقوة منذ اللحظة.