0



بقلم: هداية شمعون

لا تكاد تزيح الدهشة والانفصام الذي تشعره بين عرس فلسطيني وآخر، فلم يعد في كلمة فلسطيني" هوية ولا روح.. تجد نفسك في مهرجان أحيانا ما بين أغاني مبتذلة بالغالب ليست فلسطينية الهوية بل تسمعها في أفلام وأماكن غريبة، والأهم أن الكل يرقص على أنغامها بغض النظر عن فحواها من كلمات وايحاءات ومعاني سطحية لا توصف بأكثر من ذلك.
 بل وتجد في سهرات الشباب أحيانا من يخرج الخنجر مقلدا ما رآه في أفراح عبر الأفلام ويقلد بحركات أقرب للبهلوانية من الرقص ولا تختلف الإناث كثيرا في بعض الأحيان تشعر أنك مباشرة على احدى القنوات الهندية!! يرتدين الساري الهندي والصالة بأكملها تضج بالأغاني الهندية ورقصة هندية تدربن عليها ربما من عدة أشهر!! هل هذا نوع من التقليد الأعمى أم نوع من التغيير أم نوع من الهروب للخلف وليس للأمام كما يحلو للبعض التوصيف!! ربما هو تعبير مختلف للفرح، وربما هو تفسير لكل ما هو مكبوت للإناث فلا مكان آخر يمكنها أن تظهر ما لديها من مهارات في الرقص حتى لو بالهندي!!!
أحيانا أخرى يفاجئك أهل العرس بتقسيم الصالة إلى قسمين إحداها لأهل العروس والآخر لأهل العروس وكأنما فريقان متناظران، وباعتقادهم أن هذا مهم لتقليل أي مشاكل قد تحدث، وحفاظا على مناصفة الصالة (عربون محبة ربما) لكن في أعراس أخرى تصل لتجد الصالة تعج بأناس لا هم أهل العروس ولا أهل العريس، وربما أن هذا السبب الذي جعل بعض الأعراس تلجأ للاستعانة بالأمن (عناصر الأمن) لا اعرف بما أسميهم ربما حافظات الأمن واللواتي هن غالبا إناث لكنهن لا يفهمن من الأمن سوى لغة العنف والصرامة المطلقة، وهن غالبا ينفذن التوصيات العشر لأهل العرس ممنوع أي ولد صغير يطلع على الكوشة، ممنوع أي واحدة تصل الكوشة بس فلانة وعلانة!!
الأمن وحفظ الأمن في واد ومفهوم الحفاظ على الهدوء في واد آخر، فتغدو القوانين والقواعد التي يفرضها الأمن هي شكلا وليس مضمونا خاصة مع عدم تقبل الكثيرين لتحكم أطراف غريبة عن العائلة فيهم وفي طريقتهم للمشاركة في الفرح.
ونعود للدهشة من فقرات الأعراس فتجد أن هنالك هوسا في تعدد الفقرات التي يود الجميع ابهار المعازيم بها، لكنك للأسف لا تصل لأي انبهار أنت تشارك في الأعراس أساسا لتعلن للجميع أنك تبارك وتشارك فرحتهم، وليس لتنتقد أو تحول كل الفرح وناسه إلى نميمة وقول وفصل واغتياب في كل تفاصيل الحفل، وفي الحقيقة أن البعض يشارك لينتقد وبات هذا جزءا من ثقافتنا للأسف في الأعراس، فالبعض يذهب كي يجد فقط متنفسا للقدح والذم وتوصيف مالا يوصف، بينما يدعي الأغلب ابتسامات مصطنعة هذا ما يحدث لدى البعض ويعاني منه الكثيرون، فلو اشعل أهل العرس أصابعهم العشرة لن يرضوا كل الناس ولن يصلوا لرضاهم، والأصل أن المناسبة بأكملها احتفاءا بعروسين وحياة جديدة ومباركة من القلب وليست استعراضا وهوسا بأغلى صالة وأغلى كارت فرح وأفخم فستان وووو القائمة تطول..!!
السؤال لماذا كل هذا؟! هل هذه فعلا طريقتنا للتعبير عن الفرح؟! بتنا نترحم على الأغاني الشعبية، وهزيج عجائز الحارة والقرية ولغتهن الفلسطينية الأصل الفلاحية والبدوية والمدنية التي تضج بالسعادة والفرح رغم أن بعضها اتحفظ عليه كمضمون-، لكن مع دفء أصواتهن وتصفيقهن ووجوههن التي تنطق بالسعادة والفرح أكثر قربا للقلب من هلوسات -الدي جي- الذي وجد بالأفراح ليصم الآذان، فينتشر الصراخ للحديث بين الجميع، وتعود مرة أخرى لتجد برنامجا يجعلك اسيرا له عليك أن تشاهد وأن تحكم اغلاق المقعد على أطفالك ان كان سمح له بالدخول أصلا، وعليك ألا تتحرك كثيرا كي لا تفتعل المشاكل أو تتسبب بها والأصل أنك تلقي التحية على أهل العرس..
وأعود للفقرات الغريبة العجيبة التي لا تخرج مهما حاول البعض عن تقليديتها في التركيز على بعض الأسماء وصلة القرابة، وغالبا تجد من يعترض ويتذمر، فيصبح العرص وكأنه جملة من الصراعات السطحية الهشة التي سرعان ما تثير الغضب والغيرة لأي طرف كان، وتصبح المناسبة من فرح مطلق إلى محاولات جادة لعدم انهيار كل الاحتفالية، وهذا يعود غالبا للخواء الروحي والافتقاد لجو المحبة والألفة والوصول للسعادة للجميع لأن التركيز يبدو أكثر أولوية على المظهر الاجتماعي والشكل الاجتماعي، وتتبع كل ما هو لدى المجتمعات الأخرى واستقطابه بدءا من رقصة البطريق إلى الرقصات الهندية إلى الرقصات بالجلابيات المصرية، فنسينا جمال ورقي تراثنا الفلسطيني وروعته وبتنا نركض بلا وعي لنقلد دون توقف ودون أي تفكير إلى أين؟!.
الاغتراب والهوية:
 ما نجده في الأفراح الفلسطينية يعاني أزمة الهوية الفلسطينية، ومرتبط ارتباطا وثيقا بالهروب من كل شيء وأي شيء، انه الاغتراب الذي يواجهه المواطن الغزي نساؤه ورجاله ولا يختلف الأمر كثيرا لمناطق أخرى، فالوضع سيان -وان لم ارغب في التعميم- لكن هنالك أزمة حقيقية في التعبير عن الهوية الفلسطينية لأن الروح انسلت منذ فقدت الأرض ثم فقدت أدواتنا النضالية ثم بعد أن فقد الكثيرون معنى الانتماء بتعدد الهويات الأيدولوجية ما بين الفصائل والأحزاب، نعم فقدنا هويتنا حتى في أعراسنا لأن ما نريده مهرا كبيرا من المال للعروس وكأن قيمتها بالمهر العالي، والثياب الفاخرة والتي أصبحت جمعيات تسيير الزواج تقوم بها ويا بلاش!!!
كل شيء بالتقسيط من طقم النوم لتكاليف الصالة للسيارات للورد للبدل للغذاء، فيبدأ الزوجان حياتهما بحفلة وصالة ويبتسمون للمجتمع ليلة الزفاف، ثم يواجهون مصير الديون والبطالة وقلة الحيلة وحدهم، وتبدأ سلسلة العنف الأسري، ولن أفصل أكثر بهذا الشأن لأن الأمر لا يعني سوى مصطلحا واحدا.. النفاق الاجتماعي، أصبحنا نعشق النفاق الاجتماعي وأن ندعي بغير ما نعيش انه مرة أخرى افتقاد الروح والأصالة والوعي بتقدير الذات والبحث والركض خلف المظاهر!!
هذا ما وصلنا إليه!! ولا ألقى باللوم على الناس التي تريد أن تفرح بأي شكل بقدر ما أعيد تأصيل ما وصلنا له اليوم من اغتراب وخواء روحي حتى تغلل في أفراحنا وأتراحنا وقياسا عليه الكثير من المظاهر الاجتماعية التي أفرزتها حالة فقدان البوصلة السياسية والاجتماعية والثقافية.


 

إرسال تعليق Blogger

 
Top