0

قراءة في كتاب

الأنثى

هداية شمعون

1

 

" ليس بينهما شىء مشترك، لكن كل واحد منا يحتاج الآخر" هذا ما تطرحه دوريس ليسنج من خلال روايتها )الأنثى( الصادرة في 2009 عن الدار العربية للعلوم وهي تكشف عن حالة الخصام والصراع بين الذكر والأنثى، فالأنثى تظن أن الرجل لا يهتم بالأطفال، والرجل لا يدري لم كل هذه الجعجعة؟ الرجال قصيرو النظر، وعديمو الاهتمام، بينما النساء يمكنهن توقع وقوع الكوارث والمصائب؟ لكنهن من جهة أخرى لا يستطعن فعل أي شىء سوى الاستلقاء فوق الصخور الساحلية وصيد الأسماك، وهذا ما حاولت إبرازه من خلال الصراع والخصام المتواصل بين هورسا زعيم مجتمع الرجال، ومارونا زعيمة النساء الجديدة، وفي خضم هذه الأحداث تنتقل ليسينج بالقارىء إلى رواية أو قصة موازية هي قصة المؤرخ الروماني وعلاقته بزوجته الشابة، ثم إلى قصة الخصام الأزلي بين الذكر والأنثى وهذا ما أشار له مترجم الرواية الدكتور محمد درويش في مقدمة الرواية بالطبعة العربية.

إذ يؤكد أن هذه الرواية هي جزء من تاريخ ميثولوجي، أسطوري يرويه شيخ عجوز من شيوخ البرلمان الروماني على عهد نيرون، أخذ على عاتقه مهمة شاقة، هي أن يمضي البقية الباقية من عمره الفاني في إعادة جمع وترتيب قصة ظلت محفوظة في غرفة مملوءة بالمدونات الناقصة، والتي تحتاج إلى جهد جبار، وزمن طويل من أجل إعادة صياغتها، وتركيب مقاطعها المتباينة، بل المتناقضة في كثير من الأحيان، وصولا إلى الحقيقة الكبرى، والتغييرات الحتمية التي طرأت على جذور المجتمع البشري ومنذ العصور الغابرة. فتقول ليسنج على لسان الشابة ميري في روايتها:

" فكر سكان الوادي الجدد في ميري، لم تكن لديهم ذكريات عن أول أنثى قتلوها، إلا أنهم تذكروا ميري بشوق، في بعض الأحيان كانوا يتسللون زحفا على امتداد التلال الصخرية المطلة على الشاطىء القديم ليختلسوا نظرة إلى الإناث، إلا أنهم كانوا يخشون أن يكتشفن أمرهم، كانت كل أفكارهم عن الإناث مبهمة ومضطربة، فالإناث يملكن موهبة إنجاب أفراد جدد، أما هم الأهالي الجدد، فلم يكن في وسعهم ذلك. ثم ازداد ارتباكهم أكثر فأكثر بسبب كلامهم. فقد كان كلام الإناث أفضل وأوضح، حاولوا أن يتذكروا كلمات سبق أن استعملتها ميري، وكيف كانت تربطها بعضها ببعض، لكن معرفتهم كانت قاصرة، كانوا لا يعرفون إلا النزر اليسير"

إن ليسنج تلجأ إلى الشيخ الروماني ليكون هو المؤرخ الذي يجتهد بأن يروي روايتها، ويفسر مجمل التاريخ الشفاهي الذي تكشف لنا عنه المدونات بشأن الأقوام التي عاشت على كوكب الأرض قبل ملايين السنين، فتقول هذه المدونات إن المجتمع البشري كان يقتصر على الإناث، وكان يمتد فوق منطقة ساحلية، بلا اسم، تقضي فيه الإناث أوقاتهن بين البحر واليابسة، ونصف أجسادهن في الماء والنصف الآخر على اليابسة، الحياة فيها رتيبة، لا يعكر صفوها أي شىء إلى أن يحدث ما لا يتوقعه أحد، فبدلا من أن تنجب إحدى الإناث أنثى كما هو دارج، تنجب ذكرا، يطلقن عليه صفة مسخ لاختلاف بنيته الجسدية عن بنيتهن الأنثوية.

وعندما يتوالى إنجاب الذكور تسعى الإناث منذ ولادة أول ذكر، إلى التخلص منه بوضعه فوق صخرة يطلقن عليها اسم صخرة الموت، لكن بدلا من أن تلتهمه الوحوش الكاسرة والنسور الجائعة، نجد النسور تحمل الذكور، كلما جىء بأحدهم إلى صخرة الموت، إلى واد غير بعيد عن ساحل الإناث، فينشأ بمرور الزمن مجتمع ذكوري إلى جانب مجتمع الإناث.

وعن تفسير المؤلفة عن كيفية حمل النساء ما دام لا يوجد ذكور في مجتمعهن الأنثوي، تخبرنا المدونات أن أوقاتا معينة من استدارة القمر ومد البحر تساعد في الحمل، فتلد الإناث إناثا لا ذكورا، إلى أن جاء اليوم الذي بدأت الإناث بانجاب الذكور، من دون معرفة السبب.

وهي كما يستشف القارىء رواية من وحي مقال علمي عن أنثوية الإنسان الأول، حيث تطرح ليسنج سؤالاً هو: كيف يمكن للرجال والنساء وهم مخلوقات متشابهة لكنها متميزة أن يعيشوا جنبًا إلى جنب، وفيها تتخيل عالمًا بدائيًّا يسيطر عليه وجود أنثوي، مسكون بكائنات تعيش في لا مبالاة تامة ضمن مجموعات، وبمجرد أن تبدأ هذه الكائنات بوضع "مواليد ذكور" تعمّ الفوضى نظام الحياة في هذا المكان أو الصدع الذي تعيش فيه الكائنات الإناث. فمخلوقات الرواية التي كانت تعيش في هذا الصدع تعتبر المولود الذكر مسخًا وتتركه على الصخور للنسور، ويتزايد عدد المواليد الذكور ولكن النسور تنتشلها وتضعها في الوادي المجاور لتواصل الحياة، وينشأ مجتمعان أحدهما في الصدع والآخر في الوادي، وفي ظل الاحتياج المتبادل يتفاعل المجتمعان ومع توالي الأجيال تتلاحق أحداث الرواية الخالية من الشخصيات، وبالرغم من ذلك تصور باقتدار ذلك التناقض بين الرغبة في التغيير والخوف منه. تقول ليسنج في روايتها:

" تكلمت مارونا مع هورسا كأنه طفل. حسنا، يمكن أن يكون طفلها بسهولة، على كل حال، فالنساء يتكلمن مع الرجال كلاما متعاليا دائما، معنفين، مؤنبين. ففي إحدى المرات عندما جاءت مارونا إلى مخيم الرجال، وكانت في ثورة غضب شديد، لأن بعض الأولاد الصغار لقوا مصرعهم في أثناء القتال، وكان القتال لا يزال مستمرا، فكانت تتحدث بالإنابة عن النساء كلهن، وتقول إن القتل سهل عليهم، الرجال الذين لم يهتموا بالأولاد عندما كانوا صغارا، بل اهتموا بهم عندما توقفوا عن الإلحاح، وكانت النساء قد انجزن كل العمل الشاق المطلوب لتنشئتهم، وإطعامهم، ورعايتهم، وقالت مارونا: إن قتل إنسان لا يتطلب سوى لحظة، وتلك اللحظة تنهي سنوات العمل الشاق المتعب والصعب."

الكاتبة البريطانية " دوريس ليسنج" مولودة في 22 اكتوبر عام 1919 في كرمان شاه لأبوين بريطانيين في إيران، حيث كان والدها يعمل في الجيش البريطاني، وحازت على جائزة نوبل للآداب عام 2007 بعد مسيرة حافلة من العطاء الأدبي والفكري فاق الخمسين كتابا، وفي عام 1995 فازت دوريس ليسنج بدرجة الدكتوراة الفخرية من جامعة هارفارد. وقد وصفتها الأكاديمية البريطانية أنها شاعرة ملحمية للتجربة النسائية، أمعنت النظر في حضارة منقسمة، مستخدمة الشك وقوة الرؤية والتوقد"

هذا وتعد الروائية البريطانية " ليسنج" واحدة من أهم الشخصيات الأدبية بعد الحرب العالمية الثانية التي تميزت بغزارة عطائها الأدبي والروائي، كما تعتبر أعمالها بحسب الناقد" طلعت الشايب" جزءا مهما من التراث الأدبي للقرن العشرين، حيث تؤرخ اعمالها الروائية والقصصية للعصر بما فيها من تنوع يصعب تصنيفه، فكان الهم الرئيسي لديها في كل ما تكتبه البحث عن شىء جديد في مواجهة تكرار التاريخ واجتراره على نحو كابوسي.

وفي عام 1925 انتقلت أسرة ليسنج إلى المستعمرة البريطانية في روديسيا الجنوبية( زيمباوي) أملا في الثروة والجاه من خلال زراعة الذرة الصفراء، حاول والدها خلال تلك الفترة التكيف مع الحياة الجديدة والقاسية في المستوطنة، ولكن باءت هذه المحاولات بالفشل، حيث وجدت ليسنج نفسها قد عاشت أكثر من ثلاثين عامًا وسط مجتمع قائم على العزل العنصري والتعصب وسيادة الأقلية البيضاء، ومن زيمبابوي انتقلا إلى بريطانيا موطن والديها عام 1949.

وكانت "ليسنج" قد تركت مقاعد الدراسة في وقت مبكر منذ أن كانت في سن الرابعة عشرة، ومن ثَم عكفت على دراسة الأدب الأوروبي والأمريكي في القرن التاسع عشر

2

اشتهرت الكاتبة البريطانية خلال مسيرتها الفكرية والأدبية بنضالها ضد المظالم والاستعمار والتمييز العنصري، كما عُرفت بأفكارها المؤيدة لحقوق المرأة وهي مواضيع تناولتها بأسلوب يمزج بين الواقعية الاجتماعية والإبداع الخيالي، ومع صدور روايتها "المفكرة الذهبية" 1962 تحولت ليسنج إلى أيقونة الحركات النسائية على الرغم من أنها لم تنتمِ يومًا من الأيام إلى تلك الحركات، وكانت قد انضمت إلى الحزب الشيوعي البريطاني الذي تركته عام 1956 خلال سحق انتفاضة المجر.

كما تعتبر كاتبة صنعت نفسها وثقافتها بنفسها، حيث كانت تشير دومًا إلى أن "الطفولة الحزينة تبدو كأنها تنتج كتاب الأدب"، فكانت حياتها تحديًا لاعتقادها بأن الناس لا يستطيعون مقاومة التيارات السائدة في مجتمعاتهم، فكانت استثنائية في تاريخ الأدب المعاصر.

في عام 1949 نشرت روايتها الأولى "العشب يغني"، وبدأت مهنتها كاتبةً محترفة تأخذ طريقها إلى الساحة الأدبية، كما بدأت تجهر بأفكارها المعادية للتفرقة العنصرية، وكانت جرأتها هذه سببًا في إعلانها أجنبية محظورة على كل من روديسيا الجنوبية وجنوب إفريقيا.

ومن ثَم كتبت ليسنج مجموعة من الأعمال المميزة بموضوعاتها التلخيصية لأهم الأحداث السياسية والاجتماعية للقرن العشرين مثل: روايات "المفكرة الذهبية"، وسيرتها الذاتية المعنونة "تحت جلدي" والتي فازت بجائزة "جيمس تيت" لأفضل سيرة. من أشهر أعمالها "الإرهابية الطيبة"، "بن يجوب العالم" و" تحت جلدى".

مراجع:

دوريس ليسينج: الأنثى، الدار العربية للعلوم ناشرون، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم،ط1 2009

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite

http://www.moheet.co

الطفولة الحزينة تبدو كأنها تنتج كتاب الأدب"

رواية الأنثى The Cleft تقع في 248 صفحة من القطع المتوسط 2009

تأليف دوريس ليسينج

ترجمة د. محمد درويش

الدار العربية للعلوم ناشرون

إرسال تعليق Blogger

 
Top