بقلم: هداية شمعون (*)
في المادة الأولى وحتى الثالثة من اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة التي اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فإنها تؤكد على حق التصويت للنساء في جميع الانتخابات، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز، كما أن لهن الأهلية في أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، ولهن حق تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال ودون أي تمييز.(1)
ففي ظل الاتفاقات والقرارات الدولية التي تؤكد حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والثقافية والتنموية فإننا نجد أنفسنا في الوجه الآخر النقيض لهذه الحقوق، ونجد تأويلات الواقع هي الأكثر قدرة على صوغ وتشخيص واقع المرأة الفلسطينية، فهي تتعرض بدون شك - للعنف السياسي ومصادرة حرياتها وحقها في التعبير عن آراؤها أو ممارسة كافة حقوقها السياسية كما تنص عليه كافة المواثيق الدولية وهذا يجعلنا نتحدث عن مستويين، الأول: الاحتلال الإسرائيلي وممارساته المستمرة في انتهاكاته في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمستوى الثاني: تقييد الحريات ومصادرة الحق في التعبير داخليا من قبل الحكومتان.
المستوى الأول:
الاحتلال الإسرائيلي وممارساته المستمرة في انتهاكاته في الضفة الغربية وقطاع غزة:
تتعرض المرأة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية وكافة فلسطين المحتلة لأبشع الانتهاكات والاستهانة بأبسط حقوق الكرامة ففي غزة تتعرض المرأة الفلسطينية لاعتداءات اسرائيلية جوا وبرا وبحرا، ورغم انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلا أن
آثارها لازالت مستمرة إلى يومنا هذا منها الآثار المباشرة وغير المباشرة والتي لم تترك مجالا اجتماعيا أو نفسيا او اقتصاديا إلا وساهمت في تدهوره ومضاعفة الأعباء الملقاة على المرأة الفلسطينية، فأفقدت النساء والأسرة الفلسطينية الشعور بالأمان والاستقرار ومفهوم السلام والحماية، وعززت حالة القلق والتوتر والخوف، حيث تشير العشرات من الدراسات المحلية والدولية لارتفاع معدلات القلق والإحباط والشعور بالخوف والتوتر إلى معدلات عالية للأسرة الفلسطينية، مما يترك آثارا سلبية كثيرة على مستقبلهم ونشاطاتهم وقدرتهم على التغيير.
إن النساء يحاولن أن يتجاهلن واقع الحال السياسي كي يحافظن على أطفالهن ويحمين أسرهن، وهذا ما لا يسجل في دائرة الانتهاكات، والعنف السياسي الممارس من حيث فقدان الأمن والأمان والحماية أيضا يتم تجاهله رغم أنه في الحياة اليومية للمرأة الفلسطينية، ويحول حياتها إلى جحيم دونما أي اهتمام حقوقي أو دولي، فالأغلب يضع اهتمامه وأولوياته في عدد القتيلات والجريحات والمفقودات والمشردات، ويتجاهل الحالة النفسية والجسدية للنساء نتيجة فقدان الاستقرار والعنف السياسي ونتائجه على الأيام.. إن النساء العزل اللواتي يعشن تحت القصف الإسرائيلي في أي لحظة هو جرس يجب أن يقرع من أجل تحقيق الحريات والحماية الدولية لهن وتحقيقا للقرارات الدولية والتي أهمها القرار 1325، إذ شكل هذا القرار " النساء والسلام والأمن" الذي تبناه مجلس الأمن في قرار رقم 1325 (2000) والذي يدعو ضمن أمور أخرى إلى تبني مراعاة النوع الاجتماعي، في مفاوضات وتطبيقات اتفاقات السلام.
ولا يختلف الحال في الضفة الغربية حيث تنتهك حقوق النساء الفلسطينيات ويعنفهن بسبب السياسة الإسرائيلية كنساء، فمن تفتيش مهين على الحواجز غير مراع لأبجديات الحفاظ على خصوصية النساء ومساحتهن الخاصة، إلى الاعتقال والضرب والعنف الجسدي المباشر والعنف النفسي بالإضافة للعنف السياسي والمتمثل في انتهاكات الحق بالحياة والسلامة الشخصية، الاعتقال والاحتجاز والمنع من السفر أو المنع من الحصول على تصاريح بسبب الانتماء السياسي أو لأسباب أخرى.
وليس بعيدا احتجاز نحو مئة امرأة في الضفة الغربية للحصول على بصماتهن وعينات من الحمض النووي في إطار التحقيق في مقتل أسرة يهودية في آذار مارس 2011 في مستوطنة ايتامار القريبة من قرية عورتا الفلسطينية. إذ انتهك الجنود الإسرائيليون حقوق عشرات النساء واقتحام منازلهن عنوة، وتحت تهديد السلاح واقتادوا النساء في شاحنات مدرعة إلى مراكز الاحتجاز، وهذا من أبشع أشكال ممارسة العنف السياسي العمدية تجاه النساء الفلسطينيات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وهنالك مئات الشواهد والحالات التي تندرج في ذات الإطار.
إن الحرب الإسرائيلية التي بلغ فيها العنف السياسي العسكري تجاه السكان العزل في قطاع غزة، والحصار الذي لازال ويقارب على 5 أعوام متواصلة على قطاع غزة، وحرمان المرأة الفلسطينية من مواردها وقدرتها على المشاركة بفعالية في المؤتمرات والعمل الذي يعتبر ضربا لكافة المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وانتهاكا صارخا وتحديا لأبسط المعايير الإنسانية، وينتهك أبجديات حقوق النساء هو بحد ذاته أدى بشكل أو بآخر في ممارسة السلطتان في غزة والضفة المزيد من القمع وتقييد الحريات على الرجال والنساء على السواء.
المستوى الثاني: تقييد الحريات ومصادرة الحق في التعبير داخليا
ففي دراسة لمركز شؤون المرأة أكدت أن العنف السياسي وعنف الاحتلال يؤدي إلى مزيد من العنف المجتمعي والأسري، ويرفع من وتيرة الانتهاكات ضد النساء خاصة حيث أنهن يصبحن الجهة الأكثر ضعفا لتفريغ المكبوت، وأشارت أيضا الكثير من الدراسات العربية والمحلية إلى أهمية تقوية النساء ودعمهن وتعزيز صمودهن من أجلهن أولا ولأجل الحفاظ على النسيج الأسري الذي أفلحت المرأة الفلسطينية لدرجة كبيرة في الحفاظ عليه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي إلا أنهن لم ينجحن - باعتقادي- بالتصدي للتهتك العميق نتيجة الانقسام السياسي، الأمر الذي أفقد المرأة الفلسطينية بوصلتها فوجدت نفسها ما بين صمود نفسي ومجتمعي وتنموي وما بين شرخ كبير تعززه السلطات الحاكمة ( غزة ضفة) فهن لم يعدن يفلحن في رأب الصدع لأنهن أول من يواجه الإعصار الحزبي بين غرف بيوتهن المغلقة فمن شجارات وتوتر ونفور وتجاذبات عائلية بشأن الوضع السياسي والأفكار السياسية، تجد نفسها تحاول أن تعزز رؤية واحدة لكنها لا تجد حول لها ولا قوة بالعكس أصبح شرخ الانقسام في كل بيت فلسطيني.
وأصبح هنالك قطع لأواصر العائلة الواحدة، فحرمان من الزيارات وزيادة في درجات العنف العائلي، والضحية دوما المرأة سواء كانت أما أو اختا أو بنتا، بل واندفعت المرأة في ظل هذه الحالة القاتمة من تاريخ الشعب الفلسطيني فأصبحت هي من يمارس دور تعزيز الانتقام بدلا أن تساهم في تعزيز ثقافة التسامح وتنزع الكراهية بين أفراد عائلتها، إذ أجبرها اللجوء لقوة السلاح، وغياب المنطق للشعور بالعجز والقهر وتجرع آلام الفقدان وأصبح شعور الاغتراب يطغي في نفسها، فأصبحت تعيد انتاج هذه المنظومة من الألم واللامنطق، والحزبية، وضيق الأفق مرة أخرى للأجيال الشابة الصغيرة، وباتت هي من ينادي بالثأر.
وبعض النساء زادهن العنف السياسي انعزالا وعزوفا عن كافة مظاهر الحياة فانعزلن في بيوتهن، وقطعن كل علاقاتهن بصديقات أو جارات أو أقارب، ولم يعد في قاموسهن إلا الصمت والكبت ومواجهة الأمراض النفسية والتي تنعكس جسديا ما يعني تحطم روحهن النفسية وقدرتهن على مواصلة الحياة، فاستسلمن لأحزانهن وساهمن في تشتيت أسرهن وتعزيز الفاجعة التي واجهنها وظللن يعشن حالة ما بعد الصدمة.
نساء أخريات انعكس عليهن العنف السياسي سلبا فتحولت أحزانهن وأملهن بفقدان أعزاء أو خطفهم وتعذيبهم تحولت هذه الآلام إلى طاقة سلبية فأصبحن يحقدن أكثر ويعززن ثقافة القتل والثأر والكراهية في نفوس أبناءهن، بل في فترة من الفترات رفضت الكثير منهن فتح بيوت عزاء لأبنائهن حتى ينتقم من قاتليهم، وهذا الملف الأكثر سخونة من ملفات المصالحة فالمصالحة المجتمعية لم تأخذ بعدها النفسي والاجتماعي ولم يتم التفكير بها بمنظور جندري حتى اللحظة، وكل ما يتم التفكير به التعويضات والزيارات الميدانية والسماح لأفراد من الأحزاب المختلفة زيارتهم وكأن الآثار الوخيمة التي استمرت ما يزيد عن أربع سنوات تحل بتعويض مالي فقط.
إن العنف السياسي كأشكال وامتدادات يتخذ أشكالا مختلفة ومتنوعة ولا يقف عند لون واحد بل هو أشبه بكرة الثلج.. مزيدا من مصادرة الحريات مزيدا من تدهور الحالة الحقوقية للشعب عامة وللنساء خاصة حيث أنهن الجهة الأكثر تضررا والأقل رؤية واهتماما.
الحريات العامة والخاصة.. تدهور متواصل
لقد حدث الانقسام الفلسطيني وبات شرخا عميقا في النسيج الفلسطيني، وباتت هنالك سلطتان مستقلتان عن بعضهما البعض وتمارسان أعمالهما وكأنها دولة قائمة بذاتها، سلطتان لشعب واحد والأدهى هي السعي الحثيث لتجزئة الشعب إلى شعبين أيضا بفعل عوامل يساعد فيها الاحتلال بفصل تام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن ثم باتت كل سلطة ترى في نفسها السلطة الحقيقية وبالتالي أصبح الإعلام أداة طيعة في يدها وباتت تمارس ما تستدعيه السلطة للحفاظ عليها وليس على الشعب فظهرت ممارسات كلا الطرفين بالانتهاكات للحريات العامة والخاصة على السواء.
ومن مظاهر هذه الانتهاكات والتي لازال بعضها مستمرا إلى الآن رغم البدء ببحث ملف المصالحة:
" الاعتقال السياسي، وحرمان قطاع غزة من اصدار جوازات السفر، وإغلاق المُؤسسات والجمعيات لأسباب سياسية، ومنع السفر والحرمان من حرية التنقل بسبب الانتماء السياسي، والحرمان من حرية العمل السياسي، الاعتداء على الحريات وحرية التجمع السلمي والاعتداء على حرية الصحافيين والصحافيات، التعذيب أثناء التوقيف، والمعاملة القاسية والمهينة للمعتقلين على خلفية سياسية."
إن مفاهيم الحرية تتعدد مداخلها اللغوية والقانونية والفلسفية والسياسية والاجتماعية، وإذا كان من الصعب الفصل التام بين هذه المداخل، فإنه من الصعب أيضا البحث في مفهوم الحرية بمعزل عن السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي، وللحريات تقسيمات مختلفة فمنها الحريات الشخصية: كحرية العقيدة والديانة وحرية الأمن والسلامة البدنية أو الذهنية، وحرية السكن، وحرية الإقامة والتنقل، وهنالك أيضا الحريات العامة ومنها حرية الرأي والتعبير، وحرية البحث العلمي، وحرية الصحافة، وحرية الاجتماع، وحرية تكوين الأحزاب، والنقابات والجمعيات. (2)
لقد تعرضت بعض النساء الفلسطينيات للحجر والحجز في بيوتهن بأمر السلطة (غزة- ضفة) أو ما يسمى بالإقامة الجبرية في بيوتهن فهي ممنوعة من الخروج من البيت ومن المشاركة بأي نشاطات ولا يحق لها أن تدلي بآرائها للخارج، والأمر الأكثر صعوبة حين تجد النساء أنفسهن مرة أخرى في دائرة الخوف والعودة لكونهن إناث بفعل تفكير المجتمع والخشية على سمعتهن أو النيل منهن بالطريقة الأقصر مما يجعلهن يحجمن عن المشاركة بأي نشاطات لها طابع سياسي تحسبا من التعرض لمثل هذه الأقاويل التي هي الأهم مجتمعيا، كما أن النساء لا يجدن جهات داعمة تقويهن وتشكل دافعة وجدار حماية لهن، فالعائلة التي هي مصدرا للحماية تتحول لمصدر للعنف السياسي أيضا حين تجبرها على التصويت لجهة معينة بل يصل الأمر ببعض الأزواج بتهديدهن بالطلاق، وحين يجبر الآباء بناتهن على عدم المشاركة في الانتخابات أو الترشيح فإنه يتعامل معها كونها تابع له وكذلك الحال بالنسبة للأزواج، أو تتعرض بعضهن للعنف السياسي من عائلاتهن حين يتم الاستخفاف بهن وبآرائهن بالعنف اللفظي أو النفسي والنيل منها بكلمات استخفاف وتحقير لرأيها مما يجعلهن ينعزلن ويصمتن ولا يحاولن التدخل بأمور لا يفهمنها ولسن على قدرها كما يتم تعزيز تنشئتهن المجتمعية بها، فالرأي للذكور في العائلة وليس للإناث.
ورغم ارتفاع معدلات التعليم والوعي والمعرفة لدي الأجيال الشابة إلا هنالك قطاع كبير من النساء يعيدن إنتاج القيم المجتمعية الدونية لبناتهن والأجيال الجديدة ويحجمن عن تحفيز الإناث على أي أعراف تخالف المجتمع اعتقادا منهن أنهن يقمن بمصلحة الإناث فهن يؤهلهن للزواج وخدمة الآخرين ويبتعدن عما هو دون ذلك حتى لو بلغن منزلة أعلى بالتعليم والوعي ويرجعن القضية لذكر قوي وأنثى تابعة، ومن هنا فالتنشئة الاجتماعية هي العامل الأول في وأد التربية السياسية وتحديد مسار النساء قبل أن يبدأن حياتهن العملية لو وجدت.
وهنالك جهات أخرى مثل الجمعيات والمؤسسات التي تفضل وجود الذكور فيها لاعتقادهم أنهم الأقدر على القيادة والدفع بالمؤسسات مما يشكل حرمانا آخر لمشاركة النساء في العمل النقابي ويحرمهن فرص التعلم والممارسة الفعلية لحقوقهن السياسية، وحتى إن وجدت هؤلاء النساء تجد كفاءتهن أقل من الرجال نتيجة العزلة الطويلة وتحجيم إمكاناتهن وقدراتهن، وإن تمكنت النساء من تجاوز كافة المشكلات والتحديات المجتمعية فإن عليهن أن يواجهن المنافسة مع الزملاء والنظرة الدونية التي يتعاملون بها كما حدث في عدة تجارب في الانتخابات التشريعية والبلدية وانتقاء مواعيد لا تناسب النساء كاختيار هذه المواعيد ليلا لتعجيزهن عن المواصلة والمتابعة مع زملائهن فيتعاملون معهن كتحصيل حاصل، ولسن صانعات قرار ويعتبر هذا عنفا سياسيا آخر ينضم لقائمة أشكال العنف السياسي ضد النساء والجهات التي تقوم بهذا العنف.
وهنالك كما تحدثنا سابقا العنف السياسي من السلطة الحاكمة والتي تتمثل في الحرمان والتضييق على الحريات العامة والشخصية من حيث قدرتهن على المشاركة في التجمعات السلمية أو تكوين جمعيات أو ممارسة حرية الرأي والتعبير وغير ذلك ..
إن المرأة الفلسطينية ليست بمنأى عن هذه الانتهاكات فقد طالها في كلا السلطتين الاعتقال السياسي والتعرض للاعتداء والضرب والإهانة، وتمت مصادرة أدواتها الإعلامية أو تحطيمها عمدا، كما تم تهديد العديد من الشابات الفلسطينيات وإرهابهن بل وصل الأمر لحد قذفهن بالشتائم والعنف اللفظي والتعرض بالكلام البذيء فقط لتواجدهن محاولات التعبير عن رفضهن للانقسام الفلسطيني في مسيرة وتجمع سلمي عام، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل في بعض الحالات تم حرمان بعضهن من السفر عدة مرات بسبب الانتماء السياسي، وهو الأمر الذي يعد مصادرة لحقوقهن في التعبير عن آراءهن ومنعهن من المشاركة الفاعلية كناشطات سياسيات أو نسويات.
العنف السياسي للمرأة.. مقصودا
فحين تنظر السلطة الحاكمة في أي مكان للمرأة على أنها أنثى وتتعامل معها فقط كجسد، كعورة من هذه الرؤية تتم ممارسة العنف السياسي والثقافي والاجتماعي ضد المرأة وبإجراءات صادرة من الجهات الحاكمة فكما حدث في مرات سابقة من فرض اللباس الشرعي على الفتيات في المدارس بغزة، ومن ثم الادعاء أنه ليس أمرا مباشرا وفرض اللباس الشرعي على المحاميات أيضا، والنظر للمرأة دوما من خلال جسدها، بالإضافة إلى العنف الموجه ضد النساء للمظهر الخارجي فلباس لون معين يفهم أنه لفصيل حزبي محدد يحدد مستوى الاعتداء أو الأذى الذي يمكن أن يلحق بامرأة أو رجل على السواء، وقد تتعرض المرأة لانتهاكات سياسية ليس مباشرة من السلطة الحاكمة أو أحد عناصرها كأفراد شرطة بل قد تتعرض لذلك المستوى من العنف من امرأة مثلها لكنها تحمل فكرا سياسيا مختلفا، وتقوم من حيث لا تدري بممارسة عنف سياسي لحجر آراء من يخالفها كما حدث في 15 آذار وعلى مرأى من عيني لمحاولة استلاب هوية الآخر السياسية، حيث عكست الألوان والشعارات وجهة كل حزب من خلال النساء، لكن أن يصبحن في مرمى ممارسة القمع الفكري والسياسي لبعضهن البعض فإن في ذلك مؤشرات مخيفة وعميقة.
وأحيانا يأخذ العنف السياسي بعدا آخر كما حدث في نهاية العام 2011حين قام أفراد من جهاز الامن الداخلي والشرطة باقتحام قاعة مؤتمرات عامة لإحدى المؤسسات النسوية في غزة حيث قام أفراد الشرطة بإغلاق أجهزة الصوت وقطع التيار الكهربائي عن المشاركين/ات بحجة عدم الحصول على تصريح، وربما لسنا هنا بصدد تتبع الممارسات والانتهاكات التي تمارس من قبل سلطة غزة وسلطة الضفة الغربية لأن المراكز الحقوقية تعمل على توثيق هذه الانتهاكات يوما بيوم لكنا نحاول أن نحذر من خطورة هذه الممارسات على النيل من حرية وحقوق النساء بالتعبير عن آرائهن والمبالغة في اتخاذ ردود فعل عنيفة تجاه الرأي الرأي الآخر، فالمطلوب هو اتاحة أجواء من التسامح والديمقراطية وفن الإصغاء من قبل كافة الأطراف للخروج من عنق الزجاجة الفلسطيني الفلسطيني.
ورغم ذلك فالصورة ليست سوداوية بالمطلق فهنالك نساء أخريات يحملن الرؤية الوطنية الوحدوية ويعملن بصمت وربما يكن نساء عاديات يعملن على تعزيز روح التسامح والديمقراطية والتعددية في أبناءهن، وربما يكن في موقع نقابي أو أكاديمي أو إبداعي يساعدنهن على تحقيق أفكارهن في حرية الرأي والتعبير والحشد أيضا، لذلك فعيوننا معلقة بالأجيال الشابة الجديدة التي تعيش معتركا حقيقيا لتحقيق الذات وللتعبير عن وجودهن خاصة مع توافر الأدوات الإعلامية المتعددة من أدوات التفاعل الاجتماعي والتي تضمن لهن مزيدا من الحرية في التغريد، وتبعد عنهن مقص الرقيب وتجعلهن رئيسات تحرير صفحاتهن دونما رقابة من أحد.
زمام المبادرة
إن مصادرة الحريات العامة والتعدي أيضا على الحريات الشخصية هي إفراز طبيعي لحالة الانقسام والفوضى المنظمة التي نعيشها في الوضع القائم والمستمر، وهي تأتي كرد فعل فكل طرف في السلطتان يراقب ما تقوم به السلطة الثانية، وبالتالي تأتي خطوة مصادرته للحريات العامة أو الشخصية كنكاية ورد فعل عما يقوم به الطرف الآخر، وهكذا تتسع الدائرة وتكبر وتتمخض عن دائرة كبيرة من العنف وردود الفعل فتتعقد الأمور أكثر فأكثر مع تداخل جهات داعمة لهذا العنف وتجد مصلحتها في أن تتوه البوصلة، وكلما حاول الطرفان الجلوس لطاولة التصالح يصبح الحديث عقيما لأن ممارسات الانتهاكات لازالت مستمرة على أرض الواقع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل النساء حاليا قادرات على تولي زمام المبادرة والدفع بالعجلة السياسية وتعزيز أجواء المصالحة والمشاركة السياسية على صعيد اتخاذ القرارت والضغط الشعبي؟ هل بإمكان النساء أن يتوحدن ويفكرن بجسد امرأة واحدة وفكرها وعمق رؤيتها لكي يقلن كلمتهن ليس فقط في الثامن من آذار أو في الحملة العالمية لمناهضة العنف فقط.. بل أن يقلن كلمتهن جميعا؟ هنالك العديد من الأسئلة التي تحتاج لإجابات لكنه المهم الكيفية التي يمكن أن نجيب فيها على الاسئلة وليس فقط بطريقة طرحها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتبة ومنسقة برنامج الأبحاث والمعلومات في مركز شؤون المرأة- غزة
(1) اتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 640 (د-7) المؤرخ في 20 كانون الأول/ديسمبر1952، تاريخ بدء النفاذ: 7 تموز/يوليه 1954، وفقا لأحكام المادة 6
(2) تشريعات الإعلام في إطار تكنولوجيا الاتصال والمعلومات 2010
إرسال تعليق Blogger Facebook