0

أطلق الأفكار ولا تطلق الرصاص

بقلم: هداية شمعون

في مناظرات شبابية جمعت أربع فرق من جامعات قطاع غزة ومثلتها الجامعة الاسلامية، جامعة الأزهر، بوليتكنك فلسطين، جامعة الأقصى .. برز شباب وصبايا تألقوا بلغتهم القوية وسماتهم الشخصية.. تميزوا بلغة الحوار المنطقي الواعي والهادف.. وحفروا بقوة حججهم وبراهينهم وعقلانية خطابهم أسماءهم في سماء فلسطين.

لقد أطلق الشباب أفكارهم ولم يطلقوا الرصاص كما فعل غيرهم، تحاجوا في موضوعات متعددة ومتنوعة دافعوا عن حرية الرأي والتعبير وآخرون كانوا في عكس التيار وقدموا دلائلهم، لقد كانت تجربة ثرية غنية في كافة المستويات.

إن من شأن المناظرات الفكرية أن تساهم في خلق عقول مستنيرة منفتحة على الآخر، يمكنها أن تحاور لا أن تجادل فقط، يمكنها أن تدحض الخطأ وتؤكد على السليم، يمكنها أن تجعل الفرد قادرا على التواصل مع الآخر بغض النظر عن أيدولوجياته الفكرية أو العقائدية فهي تزيل الحواجز التي يضعها الإنسان ويغلف نفسه بها لدرجة أن يتشبت بأفكاره حتى لو كانت بالية وغير حكيمة، إن من شأن المناظرات بين الشباب أن تخلق جيلا واعيا بدوره وحقه وقدرته على التعبير فهو أمر ايجابي يشجع على الحوار المفتوح ويطلق الطاقات الكامنة لدى الشباب ويساهم في خلق منبر مستقل يعتمد على البراهين والمنطق للحوار لا على الرصاص أو القنابل!!

 

إننا أحوج كفلسطينيين أن نبدع أساليب حوار لنعود بمفهوم التسامح واللاعنف والأبجديات الحوارية إلى ثقافتنا ولنتمكن من العودة إلى ذواتنا في وقت باتت فيها لغة القوة هي المسيطرة، وهي التي تجذبنا في تيار مخيف أبرزه الشرخ الفلسطيني الذي يحول بيننا وبين تصالحنا مع ذاتنا. إن المناظرات الفكرية الهادفة من شأنها أن تزيل السلبيات والعوائق الوهمية بيننا وبين الآخر، ويمكنها أن تسد الفجوة بيننا وبين عالم السياسية والثقافة والفكر، وتجعل هنالك فضاءا رحبا بالأفكار والعقول وتخلق مساحات للابداع الذي حرمنا منه بفعل ثقافة الاقصاء والسيطرة والتعطش للقسوة.. إن المناظرات من شأنها أن تعزز ضروة تقبل الآخر، وثقافة النقد البناء والابتعاد عن البهرجة والشعاراتية التي باتت تميز الخطاب السياسي الفلسطيني، وتدعم الشباب والمتحاورين في تحليل وتفكيك هذه الخطابات لتساهم في تشكيل رأي عام قادر على التعاطي لما يقدم له، لا أن يتم التسليم بكل ما يقال ويروج له إعلاميا، إن قدرات الشباب تمكنهم في خوض غمار السياسة والاقتصاد وكافة القضايا الاجتماعية، وتساهم في خلق حوار هادف بما يتعلق بقضايا المهمشين ومن شأنها أن تطرح العديد من التساؤلات التي تكشف حقيقة الواقع الفلسطيني بكل تعقيداته، إننا بحاجة لبيئة صحية سليمة تهيىء لجو من الحريات من خلال الفكر الجماعي والتشاركية في التخطيط والتنفيذ ودحض المركبات الخاطئة والعمل على ذلك بدوره يؤهل لجو ديمقراطي في المجتمع .

لن أحمل الشباب أكثر من طاقاتهم لكني شهدت تجربة بناء تستحق الاشادة والفخر لمناظرات استلم فيه الشباب المايك طيلة 6 ساعات قدموا حججهم ورؤيتهم وبراهينهم، وتم استجواب خطابهم وتمكنوا جميعهم من الفوز بقلوبنا وعقولنا، لأنهم أعطونا أملا رائعا في الأجيال الفلسطينية القادمة التي يمكننا جميعا أن نعمل لأجلهم أفرادا ومؤسسات، وتمكنت مؤسسة فلسطينيات من العمل على هذه المناظرات من خلال مساهمة الجامعات الفلسطينية على مدار عام لتستطيع أن تشكل منتخبا فلسطينيا شبابيا يكون قادرا في المرحلة الثانية على تمثيل اسم فلسطين عربيا ودوليا، إنه جهد يستحق الشكر والتقدير وهي دعوة لكل المؤسسات المهتمة بالشباب أن تدعم هؤلاء الشباب وغيرهم وتعزز قدراتهم ومهاراتهم من خلال الإطار الطلابي، إن أبناءنا يستحقون التعب والجهد لنأمل أن نحقق معا خطابا آخر يختلف عن الخطاب التقليدي الذي بات يكبلنا ويمنعنا من التقدم. إن المناظرات كونها التجربة الأولى أعطت كافة الأطراف المشاركة دروسا مستفادة، وساهمت في التعلم والمعرفة التي من المفترض أن تؤخذ بعين الاعتبار لتحسينها في جلسات حوارية أخرى وأبرزها ضرورة تحديد الموضوعات المطروحة كقضايا للنقاش بدقة وموضوعية، إضافة إلى أهمية ملامسة الهم الفلسطيني وقضاياه المصيرية، وبالتأكيد هنالك أيضا أهمية خاصة لقضايا التمييز ضد المرأة الفلسطينية، لقد ارتد في بعض الأحيان بعض المتناظرين إلى ثقافتنا الفلسطينية واستخدموا في مقامات لغة العنف والقسوة ، ورغم نجاح أغلب المتناظرين في تقديم الحجج والبراهين والارتكاز لدراسات بحثية كمصدر موثق للمعلومات إلا أن البعض لم يفلح في استثمارها كما يجب في سياق حواره وتفنيده لحجج الآخر، غير أن الجو الديمقراطي الذي ساد، وقدرات المتناظرين اللغوية والفكرية غلبت على المناظرات، وجذبت جمهورا غفيرا كان قادرا على الإصغاء والاهتمام والاستمتاع بالحوارات الدائرة. إنني أوجه تقديرا لفريق الأزهر الذين فازوا في الجولة الأولى، وأشد على يد كل الفرق الاسلامية والبوليتكنك والأقصى الذي أثبتوا جدارتهم في المناظرات التي كانت تتسم بالتنافسية العالية بينها، وأثبت كل طالب وطالبة أنهم يستحقون وسام الشجاعة لخوضهم هذه التجربة نحييهم ونشكرهم وندعو الجميع لدعمهم واحتضانهم.فريق الأزهر الفائزالمناظرات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Hedayapress@yahoo.com

إرسال تعليق Blogger

 
Top