0

رفح تتعالى على الجراح

ما بعد القصف والتدمير حياة تبقى وحيدة

كتبت: هداية شمعون(*)

كأنه حلم

كأنه فيلم

كأنها حياة تختلط بالموت

كثيرون الناجون وكثيرة الآلام وكثير الوجع .. من حقهم جميعا أن نسمع صوتهم..

هذه الكتابة السوداء هي من رماد بيوتهم واللون الأحمر الدامي لون دمهم الطاهر الذي لطخ أبواب وحيطان تفتت وأصبحت غبارا استنشقوه وفقدوا وعيهم ..الآن هم جميعا على أسرة المشافى..!!

فاجعة تل السلطان– برفح لازالت بعيدة عن وجوهنا فالمأساة مستمرة..

هنا بعضهم يروي حكايته وحدهه بكلماته وملامحه..

***

حسن يوسف أبو سليمة (10) سنوات

كأنه حلم.. كنت نايم وقمت على صوت أمي بتنادي على أبوي، ظليت واقف كنت حاسس بوجع برجلي كأنه نار تحت رجلى.. " حسن قال بصوت متقطع كأنه لازال يحلم..

حسن ملفوف بالشاش الأبيض والعشرات من الغرز في كلتا يديه وقدمه وركبته ورأسه، عاريا من الثياب حتى تجف حروقه وأوجاعه، يقفز كأرنب صغير فر من الموت وهو يحاول أن يصل لأمه على سريرها، يتألم ولا يصدق أنه حي يرزق، حسن رأي وعاش هول الانفجارات الدامية والتي اخترقت بيته وسريره، يتمنى لو بقي ظنه أنه حلم/كابوس فكان حقيقة صعبة التصديق.

٢٠١٤٠٨٢٣_١٢١٣٤١

***

الأم حنان أبو سليمة (34) عاما

"يوسف..يوسف.." .. كنت أنادي على زوجي ويدي تتحسس بقية جسدي وأبحث عن يدي اليسرى، لم أكن أشعر بها واعتقدت أني مشلولة من الألم، وظنيت أني ميتة لكني لازلت أشعر بألم شديد، بحثت بيدي الثانية عن طفلتي عائشة (3) سنوات كنت أشعر بالتراب الساخن وكأننا في فرن، وأزيح الحجارة الساخنة عن جسد طفلتي، الرمل زي البركان بأسحبه عنها أكوام أكوام، ايدي صارت سخنة زي النار من سخونة الرمال، وظليت أزعق على زوجي وسامعاه هو كمان بيزعق على لكن مش شايفين بعض، هو كان بغرفة النوم لحظة القصف وأنا والأولاد كنا بالصالون بيتنا مقابل بيت عائلة كلاب اللي قصفوها بتل السلطان برفح

"قدرت أطلع عائشة من تحت الردم وحطيتها جنبي، زوجي كان بيدور على ابني صالح عمره 4 شهور كنا نصرخ مع بعض ومرتبكين مش قادرين نلاقي ولادنا في بيتنا بعد ما كل ردم العمارة المقابلة حطم الحيطان علينا وكل حمو الصواريخ فينا.. حسيت قلبي بده يوقف من الرعب على أولادي، طيبين ولة ميتين مش عارفة ومش حاسة بحالي.. كان ايشي فوق الاحتمال.!!

"قدر زوجي يوسف يلاقي الأولاد لأنه حركتي كانت صعبة وأخذ أطفالنا ياسمين وسجى وصالح وعايشة، وأجى حملني ونزل فيَ الدرج وسلمني لمسعف وبعدها فقدت الوعي وما دريت على حالي إلا على سرير المستشفى"

"يدي اليسرى مكسورة جبروها وفيها بلاتين، جنبي الأيسر وظهري كله حروق، وشظايا بكل جسمي، اول ما وصلت وفقت ع حالي استفرغت من كثر ما تشبعت غبار أسود ودخنة وتراب:"

***

هبة أبو سليمة. ربة إحدى العائلات في ذات البناية

"كنت بأرضع في ابني معاذ (10 أشهر) فجأة طار مني والدنيا اسودت..!! شهقت مش فاهمة شو صار كل التراب الأسود والدخنة والغبار بصدري انخنقت وكنت مش حاسة انه جسمي ع الأرض كأنه ايشي حملني ووقعت على وجهي وفوقي حزام باطون وحجارة البيت كلها على رأسي.!!

تبكي بألم ..

تبكي هبة ذات الثلاثة والثلاثين من العمر وتصرخ أسمع أنينها بينما كلماتها تمكنت من الاصغاء لها بجهد فبالكاد كانت قادرة على الحديث..!! هبة تئن من الوجع والألم فقد تكسرت عظامها وتشبع صدرها من الأدخنة وبكت من هول ما حدث لعائلتها وبيتها ونفسها..!!

تقول:" لا أصدق أن ابني على قيد الحياة، ولا أصدق أني لازلت على قيد الحياة رغم كل الألم ورغم دمار بيتي وما واجهنا لكني أحمد الله أن أطفالي بخير، الدمار شديد وكل عائلتنا قد أصيبت، نحن 6 عائلات في بناية واحدة كلنا أصبنا وكان مصابنا كبيرا"

"لهلا ما شفت أولادي كانت حالتي صعبة جدا ولازالوا يحاولوا اخراج الدم الفاسد من صدري، وهذا البربيش لازال مخترقا جانب صدري ليتمكن الأطباء من تنزيل الدم الفاسد في صدري، الألم شديد ولهفتي على الاطمئنان على عائلتي كبير، لكن صعب أولادي يشوفوني بهالحالة فأخذهم عمتهم فترة مكوثي بالمشفى، طول الحرب كنت أدعي إذا بيصير فينا أي شيء تيجي في أنا وما تيجي في اولادي وربنا استجاب وأنا اللي اتضررت وربنا طلعهم بحمدالله جسديا بحالة جيدة لكن نفسيتهم بعد اللي شافوه مش قادرة أوصف..!!! "

***

يوسف أبو سلمية

بيته مدمر وبيت إخوته، أنقذ والده ووالدته بعد أن سقطت عليهم حائط المنزل وأبواب الجيران الخشبية وصلت من شدة الانفجارات في غرفتهم، أخيه محمد أصيب بكسور في يده وبحاجة لعملية لتجبيره في مستشفى النجار في قسم الرجال، وزوجته حنان ترقد في ذات المشفى وقد أصيبت بكسور وحروق، ابنه حسن أصيب بكسور وحروق في كل انحاء جسده، زوجة أخيه أيضا هبة وضعها الصحي صعب بعد أن سقط عليها عمود الباطون، مقطع القلب هو ما بين أهله وعائلته، ابنته عائشة لديها حروق من الدرجة الثانية وهي ترقد الآن في مشفى ناصر بخانيونس.

***

العائلة بأكملها ما بين المشافي وبين بيوت الأقارب..!! لا كلام ولا وصف يمكنه أن يلبي رحلة يوم واحد في حياة أسرة فلسطينية فيما بعد خبر القصف والدمار..!! لا تعابير نلجأ لها في ساعات نهار أحد أفراد أسرة كلها جرحى وخرجت من الموت بأعجوبة، كل شيء تدمر في بيتهم، ملابسهم وأغراضهم وذكرياتهم ما الذي يعينهم على قضاء يوم آخر بلا بيت وبلا حماية وبلا أمان..!! من يعرف أن هنالك عشرات الافراد لأسرة واحدة فقدوا كل شيء كل شيء إلا إيمانهم بالله كيف يكملون ساعات نهارهم وليلهم وكل منهم بعد أن كان لديه بيت يضم صغاره حوله باتوا كل في مكان وفي بيت مختلف..!!

العائلة بأكملها خرجت من براثن الموت إلى الحياة لكنها حياة قاسية باتوا فيها وحيدون بالألم والمعاناة والقلق والترقب لمصير أطفالهم وزوجاتهم ..

وحدهم ما بعد القصف والتدمير..

وحدهم بعد نشرة الأخبار والخبر العاجل..

وحدهم بعد أن نأسف لحالهم ونتعب قليلا ثم نحاول أن ننفض عن أنفسنا عناء الحزن والألم

كأنه حلم

كأنها حكاية بلد أخرى وإنسان آخر..

٢٠١٤٠٨٢١_١٢٢٨٢٠

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(*) كاتبة وإعلامية تقيم في غزة

إرسال تعليق Blogger

 
Top