من غزة إلى القدس.. صمت وحلم
كتبت: هداية شمعون (*)
وجدت قصصهم وزوايا بيوتهم تحتل رأسي ..
وجدت أنفاسهم وملمس ثيابهم وغصة الوجع قد حملتها..
حقيبتي كانت فارغة حين خرجت من غزة لكن قلبي كان ملىء بالوجع وبالحكايات ..
وفوجئت بقلوب تقفز من مكانها لتحتضن قلب غزاوي شق طريقه بعد الحرب إليهم..
اكتشفت أن كل فلسطيني عاش الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بطريقته..
قلوبهم تبكي دون أن يتكلموا.. أسئلتهم المندفعة على سبيل الاطمئنان كانت تتدفق على رأسي كموسيقى مهدئة أشعر بأيديهم تحتضن كل وجعي فقد رأوا فيَ جزءا من غزة حياة قادمة إليهم من وسط الموت.. لا وصف للقاء كانت القلوب متلهفة ورغم ضاءله الوقت إلا أنهم لم يكفوا عن محاولة أن يشموا رائحة غزة المنتفضة من الموت.. خبرتهم عن البيت الإنسان وتمنت لو احتضوا بعض أحجار كنت قد جمعتها لهم لكني خشيت من أخذها فقد كانت لهفتي للقائهم أكثر من أن أضع عثرات في سبيل ذلك !! حين مررنا بطريق فلسطين كانت القدس قبلتنا الشوارع تعانق حزننا بصمت بعد ان أفرغت من ناسها.. بالكاد نرى المرأة الفلسطينية والشاب والرجل كأنما اخفوهم عن عيوننا ..قليل من الباعة والشوارع تكاد تخلو تماما شعرت أنها تتألم المسجد يكاد يكون فارغا فالجميع ممنوع من المرور بالقدس.. الحواجز تقف حجر عثرة في وجه كل فلسطيني .. ورغم كل الوجع إلا أن القدس احتضنت ألمنا وشعرنا بها أم حانية تمسح على رؤوسنا بحنان كان كلقاء أم بوليدها الذي انتزعوه وعذبوه رغما عنها.. هكذا هي القدس وغزة أم وابنتها ..مسحت بعضا من حزننا وشعرنا بأننا نمشى على غير هدى هكذا لا رغبة سابقة بالحياة.. كانت محاولتنا هي استنهاض حياة أخرى حاولنا أن نحث أنفسنا على الفرح ..لكنه كان كمن ينزع جلدا عن آخر ويبقى قلبه ملئ بالحكايات والقصص والموت والحياة.. كانت حياتنا في ظل الحرب أشبه بالموت وكان موتنا أشبه بالحياة لذا لم نكن ذواتنا حين خرجنا .. هي لحظات وتوصيفات ليست قابلة للتأويل وليست تمجيدا للحزن لكنه رداء لا نقوى على نزعه بعدما رأينا ولمسنا.. يالله يا غزة كم أحبك الآن يا صغيرتي ..!!
كانت نابلس جميلة في الليل باردة بهوائها لكنها أنعشت روحنا وزادها بهاءا صديقتنا الحنونة أمل الأحمد التي استضافتنا في بيتها بأعلى نابلس على جبل جرزيم على ارتفاع 850 متر عن سطح البحر.. عانقنا الجبل المنير واشرأبت أرواحنا مع هوائه البارد لسعته توقظنا كلما جال شبح النعاس أو التعب.. كنا نقاوم لنخزن صورا أخرى من فلسطين كي نعود بها إلى غزة علها تستيقظ من ألمها..
.. القلوب التي التفت حولي كانت قلوب رائعة والخوف والقلق لازال نابضا على غزة وأهلها.. أسئلة كثيرة كثيرة تدور في عقولهم.. كلهم ذات الصوت والقلب .. عشنا حرب غزة طيلة الوقت التلفاز لم ينطفئ وشعرنا برعب حقيقي كيف يمكن لكم أن تبقوا أحياء.. احدى الصديقات ضحكت قائلة. أنا قلت قتلوا كل غزة وأكيد قتلوكم؟!! تعبنا تعبنا من عجزنا وبكائنا.. تعبنا من لهفتنا عليكم وعلى أطفال غزة ..الجرائم التي ارتكبت بحقكم يمكن أن تحدث لنا أيضا هذا احتلال لا يفرق بين أحد.. اللعنة على الاحتلال..
صوتهم النابض بالألم والوجع ولهفتهم ليكونوا بغزة بأي طريقة كانت تجعلهم يهرعون ليسجلوا ويقدموا اوراقهم ليزوروا غزة ولو يوما واحدا .. وهذه دعوتي طيلة الوقت للجميع ان تمكنتم من زيارة غزة لا تترددوا واعلموا أن رؤيتكم لامرأة أو طفلة أو شاب أو رجل دون كلمات فقط ترون بأم أعينكم سيكون كافيا لتدركوا هول ما حدث.. أن تلمسوا حجارة البيوت المتناثرة وأن تشموا طعم الحزن سيكون كافيا لتفهموا لغتنا وصمتنا وربما هروب الشباب إلى البحر إلى موت آخر ..!! لأن الجميع يدرك أن هذه الحرب ليست الأخيرة فمادام الاحتلال جاثما والعالم متفرجا وحقوق الانسان لا تشمل فلسطينيي الجنسية والهوى فإن مستقبلا داميا لازال ينتظر ..!!
..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتبة وإعلامية
الايدي البيضاء
ردحذفالاستاذ : مجدى كامل , مؤلف كتاب الأيدى البيضاء
يتحدث عن دعم السعوديه فى البلاد العربيه , دعم السعودية لمصر ويتحدث عن الدور السعودى فى لبنان
الايدي البيضاء
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف