عشرون عاما حتى أصبح لي بيتا.. عشرون ثانية حتى غدا غبارا!!
بقلم: هداية صالح شمعون (*)
اتصلوا.. نعم اتصلوا بنا قالوا أخلوا بيوتكم واخرجوا الآن.. هل نستجيب.؟ّ!
لا نعرف هنالك بيوت قصفوها دون أي وجه حق ماذا نفعل؟؟
حيرة مربكة.. الحياة على المحك.. انها مقصلة القرن الواحد والعشرين كيف أضع رأسي وأغمض عيني وأتقبل قطع رقبتي هكذا دون جريمة!!
اتصل صوت بارد ينطق العربية بركاكة واضحة يحذرنا من البقاء في بيوتنا!! ولكن أين نذهب؟! لا مكان آمن في غزة من شمالها إلى جنوبها فأين نرحل؟! ولماذا نرحل؟!
هذا البيت هو حياتنا هو كل ما نملك!! عشرن سنة حتى تمكنا من جمع أمواله كي يصبح لنا بيتا مستقلا، عشرون عاما حتى تمكنا من الاستقلال بشقتنا الصغيرة وبيتنا الصغير بعد أن كبرت العائلة ولم تعد غرفة في بيت العائلة كافية!! عشرون عاما ونحن نبنيه بعرقنا وجعنا وقهرنا وحرماننا من كل الأشياء المحرمة.. تلك التي تسمى كماليات!!
عشرون عاما حتى شاب شعرنا ولم نكمله بعد لم ندهنه ولم نضع فيه أي ديكورات، فقط أربعة جدران وأبواب خشبية وحيطان غير لامعة ولا بيضاء لكنها مريحة لقلوبنا ففيها نرى وجوهنا كمرآة، هي جزء منا فقد شربت عرقنا وحمتنا في شتاء قاسي مر سريعا حين احتضنتنا هاذي الدار.. في ساحة البيت حاولنا أن نرفع بلاطة من الدار كي تخرج نبتة خضراء سقيناها من مائنا، وباتت أحد أبنائنا..
عشرون عاما حتى أصبح لنا مطبخ يحوي أشياءنا الصغيرة ومأكولاتنا الشعبية لتوفر لنا قوت يومنا.. عشرون عاما لأتمكن أن يكون لي غرفتي الخاصة ولأطفالي غرفتهم الخاصة رغم أنهم كبروا لكن الحال يشعرنا بالرضا..
هل تعرفون أن الشيب اشتعل برأسي دفعة واحدة حين رفعت سماعة الهاتف.. اتركوا بيتكم حالا.. البيت سيتم قصفه!!!
صرخت: لماذا؟؟!! كيف تجرؤون على قتل أحلامنا؟! حياتنا!! مستقبلنا؟؟ من أنتم؟ ما هذا العالم الغبي الذي يتبعكم!!
من أنا بدون بيتي؟؟ في غزة من يمتلك بيتا فهو ملك ومن لازال يعيش بالإيجار فهو مسكين نشفق عليه وحياته تدور في فلك حلم أبدي...!!
جلست وزرعت قدماي بالأرض أغمضت عيناي وتحولت إلى شجرة خرجت جذورها لتتشبت بالأرض ونبتت أفرعي وأوراقي لتعانق سقف البيت وتحتضنه.. قالوا إنهم استماتوا ليقتلعوني من البيت كي ينقذوا حياتي لكني لم أكن أصغي لهم وقد غدوت شجرة كما قالوا..
هرع الجيران وحملوا بعض أوراقي لكن جذوري لازالت ضاربة في الأرض.. الأرض ابنتي وأنا أم هذا البيت.. لازلت أسأل بقوة من أنتم؟ من تكونوا لتدمروا حياتي وبيتي!!
صوت الانفجار يهزني يوقظني لقد تحولت إلى غصن مبتور تساقطت عليه حجارة البيت وغبار أسود كثيف حملني إلى اللاوعي..
عشرون عاما حتى أصبح لي بيتا.. عشرون ثانية حتى غدا غبارا!!!
عشرون عاما أصبحت بيتا.. يدي غرفة الضيافة، عيني بلكونة الدار، قلبي غرفة أولادي، قدماي بيت الدرج.. أنا امرأة غدوت بيتا كيف تطرد الأم أطفالها من قلبها؟!!
كيف أخبركم عن قصة المحتل الإسرائيلي ونساء غزة.. عفوا بيوت غزة!! قتلت بيوت غزة في عام 2008 و2009 وعام 2012 و2014 والآن في العام 2021 .. وتتكرر مشاهد قتل بيوت غزة ونسائها وأطفالها، وقلب العالم لم يستيقظ بعد...!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتبة وإعلامية فلسطينية تعيش في قطاع غزة
إرسال تعليق Blogger Facebook