0
شهادة أدبية للقاصة هداية شمعون
شهادة ووقفة:
كغفوة وحيدة في ركن مهمل، يشتعل قلما حزينا تارة، هادئا،عاصفا تارة أخرى، هائما/ مناضلا، مختلطا برحيق لحن سماوي. هكذا تتراىء الصور وتحلق الكلمات لتبصر أوجاعهن، ابتساماتهن، أحلامهن، وذلك الصغير بينهن لازال زاحفا يكبر في عالم زئبقي يفقده توازنه، لكنه يبقى إنسان، الإنسان هو الوجع هو الحب هو الحياة هو الموت، الإنسان /كلنا، يأتي للحياة/نأتي به، الإنسان يعيش بيننا/نعيش بينه، الإنسان ينزوي عنا/ نعترف بهلعنا منه، الإنسان/كلنا نحيا نموت ندفن بعضنا/ أحياء أو، الإنسان يرشقنا بنظرات العابرين/نرشقه، يولد من جديد/نموت نحن، نبقى معا رغم الموت والحياة نشعر وننزف لنكتب، لتكتب ليكتب هو ليس أدبا وحدويا، هو ليس جنس لأجل الكتابة أو كتابة بفعل كون الإنسان ذكرا أو أنثى إنها الروح.
الكتابة روح نحاول أن نحبها في إطار قصة كانت أم شىء آخر، إنها الصورة التي نلتقطها للحياة الدامعة فيما بيننا، هي سر لا يعرفه الكثيرون رغم أنها لم تكن سرا وهي تحيا في قلب النص، الكتابة روح ومشاعر هكذا أراها ألمسها أعشقها، إنها أبجدية الولادة واحتضار الموت، هي تختصر الكون بحروف لنعيد الحياة تارة وتارة أخرى، حين تصحو تلك الصفحات البيضاء ذات ليلة وتعود لتغفو وتصحو مع خيوط الشمس لتقبل نصا غزلته كاتبة/ب ذات مساء تهتز أوتار الحب
وقفة: لي شهادة ووقفة: أما الشهادة فهي ختم بنا وبه ولدنا ، نرى الشواخص بعيون ونحس بها بعيون أخرى عيون مزروعة بالقلب، تدق خطوات الروح في القلب ليعلو صوت الخوف، الحب، العشق، الموت، الحياة باختصار، ونهذي ونعي ما نهذي لنكتب وأكتب- مادامت شهادتي- عن معتقلة في الأسر، وعن أم مهاجرة مرغمة، وعن عامل فلسطيني يئن، وعن الفقر في غزة، وعن الحب الجميل يوم كان جميلا، وعن العشق الذي لم يصرح به، وعن زينة تلك التي أحببتها في النص ولازلت أقابلها سرا بعيدا عن العيون الجاحظة، وعن مريم التي فقدت مأوى كان كل شىء، وعن فاطمة حبيبتي، وعن ذلك الرجل، وأقف طويلا عند باب الصمت علي أصغي لأنينه..
كتبت عنها وعنه وعنهم وعنا وكنت أراهم ولازلت أسمع صوتهم يخترقني، حاولت في النص أن أخترقهم كما اخترقوني لأخترق القراء بدوري. أما هذه فكانت شهادة.
وأعود للوقفة: فعشر سنوات ويزيد بعمر الزمن كافية لأعلن غضبي للامبالاة بملكات قصصي، وأعترف أن لي حق مشروع بان أقول لهم لقد خذلتموني/ خذلتموهن لكني بقيت وعشت وأحييت زينة ومن أحببتهم في بيت يضمهم/ن، والأصل ليس كتابا يحتفي بهم/ن بل حياة تضمهم/ن جميعا، فهم يحلمون معا، وأنا/منكم أحلم معهم فلما الابتعاد عن هموم الكاتبات/الكتاب ولما تبتعدون عمدا وإهمالا عن أحلامنا الصغيرة/الكبيرة

البدايات:
بعيدا عن اللغات وعن الواجهات كانت بدايتي التي أقرنها ببداية النشر في الصحف وقت انضمامي لقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية حيث كنت أراسل صحيفة النهار من خلال مكتب النهار للتوثيق والإعلام، فنشرت أول قصة لي حين أشار على زميل صحفي بأنه يمكن نشرها مادمت قد كتبتها بقالب قصصي وبالفعل في عام 1994 نشرت في صحيفة النهار أول قصة وكان هذا دافعا رائعا لي حيث كنت أكتب وقلما يرى كتاباتي الآخرون، فقد كنت مهتمة بالنثر وكتابة الخواطر في البداية. ومن هنا بدأت أنشر في صحف ومجلات أخرى.
ثم بدأت أهتم بعرض كتابتي على المختصين حيث أتيح لي من خلال الجمعية الأدبية بالجامعة الإسلامية أن أعرض كتابتي على الأساتذة القائمين فيها .
و كانت أول مشاركاتي من خلال النادي الصحفي التابع للشبيبة في طرحه لمسابقة في القصة القصيرة بالتعاون مع اتحاد الكتاب في 1996 حيث حصلت على المرتبة الأولى من بين القصص المقدمة ما شكل لي دافعا وقتها بالاستمرارية، تلتها مشاركتي في مسابقة جماعة الإبداع الأدبي والتي كان لها الأثر الأكبر في تعزيز ثقتي بكتاباتي ودفعني للاستمرار والمزيد من المتابعة والمطالعة حيث حصلت على المرتبة الأولى للقصة القصيرة للعام 2000، وفي 2001 حصلت على المرتبة الثالثة لمسابقة القصة القصيرة لوزارة الشباب والرياضة، وكانت آخر مشاركاتي في المسابقات هي حصولي على المرتبة السابعة على مستوى الوطن العربي في القصة القصيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال مسابقة طرحتها مجلة الصدى.
أصبح لدي عدة مجموعات قصصية المجموعة الأولى بعنوان عطر الجراح والتي تمثل قضايا الأم فلسطين وتجسد معاناة الإنسان الفلسطيني، والمجموعة الثانية التي تمثل الجانب العاطفي والإنساني والتي تجسد المشاعر الإنسانية وتختلط بها صورة الرجل والمرأة ويمتزج صوتيهما، أما المجموعة الثالثة التي لازلت أنسجها فهي تمثل نساء فلسطينيات لهن مشاعرهن الخاصة حيال حكاية ما من حكايا الانتفاضة وحكايا الحربمنهن الشهيدة ومنهن الحالمة ومنهن الطفلة و……… يمتزج بها الخيال بالواقع فتقترب منهن لتجدهن السراب بعينه وتقترب أكثر لترى فيهن أمك وحبيبتك وأختك..
ومن خلال عملي في مركز شؤون المرأة كباحثة ومنسقة لبرنامج الأبحاث والتوثيق فقد تمكنت من إصدار كتاب بعنوان "مبدعات" ويضم عدة لقاءات مع نساء فلسطينيات مبدعات في مجال الأدب والفن والصحافة وغير ذلك.. بعضهن في الداخل وأخريات لازلن في الغربة بعيدا عن حضن الوطن.

لأجل الكتابة:
كما وقمت بإصدار كتاب قصصي بعنوان" أنامل الروح تسبقني" في فبراير 2007 والمفارقة أن مؤسسة أوغاريت- مشكورة بالطبع قد أعلموني بموافقتهم على طباعة كتابي (المجموعة القصصية الأولى) إلا أنه كان لزاما إبلاغهم أن كتابي كان في المطبعة بالفعل، فلهم جزيل الشكر لأنهم الجهة الثقافية الوحيدة التي تجاوبت ولم تهمل محاولاتي.
والمرحلة التي أعيشها الآن هي الكتابة لأجل الكتابة وليس لأجل النشر أوغيره فهذه التراجيديا باتت أمرا واقعا وما أكثر المبررات، لكني لازلت أكتب لأني أريد أن أكتب وأن أتنفس فالكتابة هي ذاتي، وهي الروح التي تجمل الحياة وهي صوت الحقيقة الصارخ في زمن كثرت فيه الشعارات.
كما ولدي الآن مجموعة قصصية جديدة أسلوبا وموضوعا تتكون من 13 قصة قصيرة، كما ولدي مشروع رواية بعنوان أقمار تدور حول المرأة والانتفاضة وتجربة الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية.
معوقات:
الواقع أن المعيقات – من وجهة نظري الخاصة والتي طرحتها من قبل- فيمن يتلقي في بداية حياة الكاتب/ة فقد كانت معلمتي في المدرسة الابتدائية أول معيق واجهني ووقف في وجهي فلم أحفل منها سوى بشبح ابتسامة حين قرأت قصتي قائلة: لا نريد الكتابة بموضوعات تتعلق بالسياسة أو فلسطين هنا فقط مكان دراسي يجب أن تكتبي قصة أخرى…
.. المعيق هو الكلمات الأولى التي نتلقاها منذ نعومة أظافرنا فالثالوث المقدس يرهب الكبار فيحاولون إرهابنا ورغم صغر سني وقتها فقد كانت ملاحظتها كفيلة باستفزازي تجاه نتاجي الأول والذي كنت أتوقع عليه الثناء بعدما عرضته على إخوتي وأخواتي وغيرهم، إلا أنها كان من الممكن أن تتحول لمعيق فبدلا أن أحظى بملاحظاتها ورؤيتها للقصة التي كانت رمزية وتمثل الوطن أجبرت على تغييرها لتتلاءم وما يتنامى في مخيلة المعلمة -تقليدية الفكر. والمعلمة قد تكون لدى آخرين المعلم أو الأب أو رئيس المؤسسة أو آخرون يمنحهم المكان والمنصب هالة تخفي دواخلهم وجهلهم.
كما أن المؤسسات الثقافية غائبة عنا نحن الكاتبات والكتاب، وإذا وجدت فهي مهلهلة لا تخطيط ولا استراتيجية عمل ولا استمرارية فهي أشبه بالمشروع التجاري الذي لا يحقق ربحا فيذوي كأنه لم يكن، إنها المؤسسات التي من المفترض أن تأخذ بيد الكتاب والكاتبات في بداية طريقهم تصقل موهبتهم وتنمي قدراتهم والأجدر أن يكون القائمين عليها أيضا أهلا لمنح خبراتهم وتجاربهم للكتاب الناشئين.
والمؤسسات الأهلية والنسوية- ليست أحسن حالا- تجدها تهتم لفترة ما بالكتاب والكاتبات ثم يزول اهتمامها، فهي قد تعقد دورات أو ورش عمل أو تنشر بعضا من الإبداعات لكن الاهتمام بشريحة المبدعات والمبدعين هو اهتمام من وجهة نظري شكلي ووقتي مرتبط بتمويل لمشروع أو سلسلة ورش وليس هدفا من أهداف المؤسسة. كما أن هنالك الإحباط الذي يصيب المبدعين والمبدعات من استخفاف الآخرين بالكتابة بشكل عام واعتبارها ترفا وليس أمرا جوهريا أو رسالة، فإذا لم يتذرع المبدع بقوة الإرادة والعزيمة لتوقف حتما.
وللأسف يعتبر الكثيرون أن المؤسسة الزواجية تحكم على الإبداع وخاصة للكاتبات بالعدم والتلاشي وهذا اعتبره إجحافا بحق الكاتبات وأؤكد أن هذه المقولة ليست جوهرية وليست أساسية ولا يمكن تعميمها على الكاتبات عموما فلابد من معرفة الأسباب الحقيقة الكامنة وراء ابتعادهن عن الساحة الأدبية وليس التخفي خلف المبررات الجاهزة.
ولا نغفل عن تعقيدات المجتمع وتحكم الثقافة الذكورية فيه لا تساعد المبدعات بل تشكل معيقا إضافيا في محاولتهن للاستمرارية، والدور التقليدي المنوط بالمرأة.
كلمة أخيرة:
حاولت وكتبت وسأكتب وسأبقى أكتب، وسأموت كتابة لأحيا.

إرسال تعليق Blogger

 
Top