تجربة القاصة هداية شمعون ومجموعتها القصصية "أنامل الروح تسبقني"بقلم:فتحية إبراهيم صرصور
تاريخ النشر : 2009-12-10
بسم الله الرحمن الرحيم
فتحية إبراهيم صرصور
غزة - فلسطين
عند الرابعة من بعد عصر الثلاثاء الموافق 8 ديسمبر وفي قاعة اجتماعات المركز القومي للدراسات والتوثيق اجتمع رواد صالون نون الأدبي في ضيافة مبدعة من مبدعات الوطن، بُدء اللقاء بكلمة من الأستاذة فتحية صرصور قالت فيها: الحضور الكريم أهلا وسهلا بكم، أحييكم وأحيي وفاءكم لصالون نون دعما وتشجيعا، كان موعدنا معكم قبل هذا اليوم، تأجل لقاؤنا بكم أسبوعا كاملا بسبب إجازة عيد الأضحى المبارك، لكننا أبينا إلا أن يكون لنا لقاء ولو كان في غير موعده فـ" كل عام وأنتم بخير، كل عام وأنتم للثقافة عنوان".
ثم قالت الأستاذة فتحية: ديسمبر خاتمة الشهور، حمل لشعبنا ذكريات أليمة، به كانت حرب الرصاص المسكوب، وبه كانت نهاية حياة شاعرة فلسطين الأولى، فالثالث عشر من ديسمبر يصادف الذكرى السادسة على رحيل ابنة جرزيم وعيبال، شاعرة المرأة والوطن، الرائعة فدوى طوقان، فلابد من كلمات الرحمة والدعاء لها بحياة هانئة في جنان النعيم، وأن يغفر لها بقدر ما رفعت اسم فلسطين في المحافل العربية والعالمية.
أما بعد: دوما نحتفي ونحتفل بالمبدعات، ودوما نكرمهن، ولنا في خنساء فلسطين والعرب قدوة وأنموذج.
نلتقي وإياكم لنعلن عن كتاب جديد أضيف للمكتبة العربية، وكاتبة مبدعة؛ بقلبها الراجف وانكسارها عطرت جراحها، وكتبت في لحظة كلماتها القمرية لفاطمة ومريم وقبل الجميع إلى ربنا.
مبدعتنا لهذا اليوم هي الصحفية القاصة هداية شمعون: هداية باحثة وإعلامية من مواليد وسكان رفح.
حاصلة على درجة الماجستير بالإعلام في موضوع (الواقع المهني للإعلاميات الفلسطينيات في قطاع غزة) من معهد الدراسات والبحوث العربية- جامعة الدول العربية- القاهرة
إضافة لدبلوم تأهيل وإعداد مهني للمنشطين في البرامج والمؤسسات والهيئات الاجتماعية التربوية والثقافية / الدفعة الأولى / معهد كنعان التربوي 99/2000.
- وبرنامج تدريب باحثات فلسطينيات لمدة 3 شهور في القاهرة من خلال الخدمات الجامعية البريطانية. 17/8/2002 – 14/11/2002
تعمل منسقة برنامج الأبحاث والتوثيق – مركز شؤون المرأة- غزة
لديها خبرة في الإعلام وصياغة الأخبار والتقارير الإعلامية.
كاتبة قصصية وحائزة على عدة جوائز في فلسطين في وزارة الثقافة / فلسطين ودولة الإمارات العربية المتحدة.
لها العديد من الدراسات المنشورة من خلال مركز شؤون المرأة -غزة
نسقت وتابعت العمل البحثي في عدة دراسات، وهي باحثة ميدانية في كثير من الدراسات
وشاركت في العديد من الدورات – وورش العمل- والمؤتمرات
حازت على عضوية عدد من المؤسسات والمنتديات.
وأضافت الأستاذة فتحية عشر سنوات ظلت بها مجموعتها القصصية في الأدراج إلى أن آن لها أن تخرج للنور فكان الاحتفاء بها اليوم، "أنامل الروح تسبقني" للقاصة هداية هي الإصدار الذي نحن بصدده اليوم، ويضم مجموعتين:
المجموعة الأولى بعنوان عطر الجراح وضمت عددا من القصص القصيرة هي:
عطر الجراح – موت مذبوح – قلوب راجفة – أنفاس الموت – يا فاطمة – انكسار – الحصار – الطائرة- بلا قلوب – ذلك الرجل – اعتذار.
والمجموعة الثانية: على باب الصمت: من أجلك وضمت عددا آخر من القصص القصيرة وهي: زينة – الروح تغادرني الآن – ثلاثة دقائق – سأرحل غدا – لا شيء آخر – وجوه – حين أطفأها في دمي – في لحظة – كلمات قمرية – رماد – كانت أشبه بالهزيمة – رجفات – أتراني عرفت لون عينيك- ولا تراني – ربنا- مريم.
ثم قرأت الأستاذة فتحية نماذج من قصة لا شيء آخر: "كحلم تمثل أمامها.. بعد عشرات السنين.. كوردة بيضاء ملأى بالتجاعيد تلامست يداهما.. وطفل مدلل يعبث بشعرها.. التقطت بصورته وجه صغيرها.. صرخت متى تأتي لنكمل حلمنا.. صغيرها يتراجع.. لم يعد صغيرا بات وجه الأب الغائب.. هدأت ثورتها حين حدقت بباقة الورد التي جلبها.. وقالت: منذ عشرات السنين انتظرتها.. لكني لم أعد أجدها.. ليته كان هنا..
ومن قصة رجفات قرأت: تطل الحيرة من أنهار عشقك الممطر بالفرح.. فأنكمش كنقطة ضوءعلى ساعديك.. ولا تراني إلا بسمة في وجه لوحة معلقة على حيطان غرفتي.. وتغازل اللوحة بخاطرك.. تضم أزهار الربيع وتهرول خلف نقطة ضوء شاردة فأتوقف عن المغيب.. وتشرق شمسي بين شطآن نبعك الفياض ولا تقترب..
قالت الأستاذة فتحية أترك الساحة لضيفتنا وضيفتكم تتحدث عن:
تجربتها، لتخبرنا عن بداياتها، المعوقات التي واجهتها بدءا من معلمتها التي أحبطت إبداعها وهي بالمرحلة الابتدائية.
بالمقابل من هم أصحاب الفضل على هداية، من شجعها وأخذ بيدها؟
وعن الكتابة في حياة هداية
وعن الزواج وتأثيره على الكتابة إيجابا أو سلبا
بعد أن رحبت بالحضور بدأت هداية حديثها: فقالت أعترف أنني كنت بحاجة لهذه الجلسة الأدبية لأن ضغوط العمل تأخذ الإنسان من نفسه وورقته.
وقالت سأقدم تجربتي من خلال شهادة أدبية ووقفة:
كغفوة وحيدة في ركن مهمل، يشتعل قلما حزينا تارة، هادئا،عاصفا تارة أخرى، هائما/ مناضلا، مختلطا برحيق لحن سماوي. هكذا تتراءى الصور وتحلق الكلمات لتبصر أوجاعهن، ابتساماتهن، أحلامهن، وذلك الصغير بينهن لازال زاحفا يكبر في عالم زئبقي يفقده توازنه، لكنه يبقى إنسان، الإنسان هو الوجع هو الحب هو الحياة هو الموت، الإنسان /كلنا، يأتي للحياة/نأتي به، الإنسان يعيش بيننا/نعيش بينه، الإنسان ينزوي عنا/ نعترف بهلعنا منه، الإنسان/كلنا نحيا نموت ندفن بعضنا/ أحياء أو، الإنسان يرشقنا بنظرات العابرين/نرشقه، يولد من جديد/نموت نحن، نبقى معا رغم الموت والحياة نشعر وننزف لنكتب، لتكتب ليكتب هو ليس أدبا وحدويا، هو ليس جنس لأجل الكتابة أو كتابة بفعل كون الإنسان ذكرا أو أنثى إنها الروح.
الكتابة روح نحاول أن نحبها في إطار قصة كانت أم شيء آخر، إنها الصورة التي نلتقطها للحياة الدامعة فيما بيننا، هي سر لا يعرفه الكثيرون رغم أنها لم تكن سرا وهي تحيى في قلب النص، الكتابة روح ومشاعر هكذا أراها ألمسها أعشقها، إنها أبجدية الولادة واحتضار الموت، هي تختصر الكون بحروف لنعيد الحياة تارة وتارة أخرى، حين تصحو تلك الصفحات البيضاء ذات ليلة وتعود لتغفو وتصحو مع خيوط الشمس لتقبل نصا غزلته كاتبة/ب ذات مساء تهتز أوتار الحب
وقفة: لي شهادة ووقفة: أما الشهادة فهي ختم بنا وبه ولدنا ، نرى الشواخص بعيون ونحس بها بعيون أخرى عيون مزروعة بالقلب، تدق خطوات الروح في القلب ليعلو صوت الخوف، الحب، العشق، الموت، الحياة باختصار، ونهذي ونعي ما نهذي لنكتب وأكتب- مادامت شهادتي- عن معتقلة في الأسر، وعن أم مهاجرة مرغمة، وعن عامل فلسطيني يئن، وعن الفقر في غزة، وعن الحب الجميل يوم كان جميلا، وعن العشق الذي لم يصرح به، وعن زينة تلك التي أحببتها في النص ولازلت أقابلها سرا بعيدا عن العيون الجاحظة، وعن مريم التي فقدت مأوى كان كل شيء، وعن فاطمة حبيبتي، وعن ذلك الرجل، وأقف طويلا عند باب الصمت علي أصغي لأنينه..
كتبت عنها وعنه وعنهم وعنا وكنت أراهم ولازلت أسمع صوتهم يخترقني، حاولت في النص أن أخترقهم كما اخترقوني لأخترق القراء بدوري. أما هذه فكانت شهادة.
وأعود للوقفة: فعشر سنوات ويزيد بعمر الزمن كافية لأعلن غضبي للامبالاة بكتابتي وأعترف أن لي حق مشروع بان أقول لهم لقد خذلتموني لكني بقيت وعشت وأحييت زينة ومن أحببتهم في بيت يضمهم، والأصل ليس كتابا يحتفي بهم بل حياة تضمهم جميعا، فهم يحلمون معا، وأنا/منكم أحلم معهم فلما الابتعاد عن هموم الكاتبات/الكتاب ولما تبتعدون عمدا وإهمالا عن أحلامنا الصغيرة/الكبيرة
البدايات:
بعيدا عن اللغات وعن الواجهات كانت بدايتي التي أقرنها ببداية النشر في الصحف وقت انضمامي لقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية حيث كنت أراسل صحيفة النهار من خلال مكتب النهار للتوثيق والإعلام، فنشرت أول قصة لي حين أشار على زميل صحفي بأنه يمكن نشرها مادمت قد كتبتها بقالب قصصي وبالفعل في عام 1994 نشرت في صحيفة النهار أول قصة وكان هذا دافعا رائعا لي حيث كنت أكتب وقلما يرى كتاباتي الآخرون، فقد كنت مهتمة بالنثر وكتابة الخواطر في البداية. ومن هنا بدأت أنشر في صحف ومجلات أخرى.
ثم بدأت أهتم بعرض كتابتي على المختصين حيث أتيح لي من خلال الجمعية الأدبية بالجامعة الإسلامية أن أعرض كتابتي على الأساتذة القائمين فيها .
و كانت أول مشاركاتي من خلال النادي الصحفي التابع للشبيبة في طرحه لمسابقة في القصة القصيرة بالتعاون مع اتحاد الكتاب في 1996 حيث حصلت على المرتبة الأولى من بين القصص المقدمة ما شكل لي دافعا وقتها بالاستمرارية، تلتها مشاركتي في مسابقة جماعة الإبداع الأدبي والتي كان لها الأثر الأكبر في تعزيز ثقتي بكتاباتي ودفعني للاستمرار والمزيد من المتابعة والمطالعة حيث حصلت على المرتبة الأولى للقصة القصيرة للعام 2000، وفي 2001 حصلت على المرتبة الثالثة لمسابقة القصة القصيرة لوزارة الشباب والرياضة، وكانت آخر مشاركاتي في المسابقات هي حصولي على المرتبة السابعة على مستوى الوطن العربي في القصة القصيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال مسابقة طرحتها مجلة الصدى.
أصبح لدي عدة مجموعات قصصية المجموعة الأولى بعنوان عطر الجراح والتي تمثل قضايا الأم فلسطين وتجسد معاناة الإنسان الفلسطيني، والمجموعة الثانية التي تمثل الجانب العاطفي والإنساني والتي تجسد المشاعر الإنسانية وتختلط بها صورة الرجل والمرأة ويمتزج صوتيهما، أما المجموعة الثالثة التي لازلت أنسجها فهي تمثل نساء فلسطينيات لهن مشاعرهن الخاصة حيال حكاية ما من حكايا الانتفاضة منهن الشهيدة ومنهن الحالمة ومنهن الطفلة و……… يمتزج بها الخيال بالواقع فتقترب منهن لتجدهن السراب بعينه وتقترب أكثر لترى فيهن أمك وحبيبتك وأختك..
ومن خلال عملي في مركز شؤون المرأة كباحثة ومنسقة لبرنامج الأبحاث والتوثيق فقد تمكنت من إصدار كتاب بعنوان "مبدعات" ويضم عدة لقاءات مع نساء فلسطينيات مبدعات في مجال الأدب والفن والصحافة وغير ذلك.. بعضهن في الداخل وأخريات لازلن في الغربة بعيدا عن حضن الوطن.
لأجل الكتابة:
كما وقمت بإصدار كتاب قصصي بعنوان" أنامل الروح تسبقني" في فبراير 2007 والمفارقة أن مؤسسة أوغاريت- مشكورة بالطبع قد أعلموني بموافقتهم على طباعة كتابي (المجموعة القصصية الأولى) إلا أنه كان لازما إبلاغهم أن كتابي كان في المطبعة بالفعل، فلهم جزيل الشكر لأنهم الجهة الثقافية الوحيدة التي تجاوبت ولم تهمل محاولاتي.
والمرحلة التي أعيشها الآن هي الكتابة لأجل الكتابة وليس لأجل النشر أو غيره فهذه التراجيديات باتت أمرا واقعا وما أكثر المبررات، لكني لازلت أكتب لأني أريد أن أكتب وأن أتنفس فالكتابة هي ذاتي، وهي الروح التي تجمل الحياة وهي صوت الحقيقة الصارخ في زمن كثرت فيه الشعارات.
كما ولدي الآن مجموعة قصصية جديدة أسلوبا وموضوعا تتكون من ثلاث عشرة قصة قصيرة، كما ولدي مشروع رواية بعنوان أقمار تدور حول المرأة والانتفاضة وتجربة الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية.
معوقات:
الواقع أن المعيقات – من وجهة نظري الخاصة والتي طرحتها من قبل- فيمن يتلقي في بداية حياة الكاتب/ة فقد كانت معلمتي في المدرسة الابتدائية أول معيق واجهني ووقف في وجهي فلم أحفل منها سوى بشبح ابتسامة حين قرأت قصتي قائلة: لا نريد الكتابة بموضوعات تتعلق بالسياسة أو فلسطين هنا فقط مكان دراسي يجب أن تكتبي قصة أخرى…
.. المعيق هو الكلمات الأولى التي نتلقاها منذ نعومة أظافرنا فالثالوث المقدس يرهب الكبار فيحاولون إرهابنا ورغم صغر سني وقتها فقد كانت ملاحظتها كفيلة باستفزازي تجاه نتاجي الأول والذي كنت أتوقع عليه الثناء بعدما عرضته على إخوتي وأخواتي وغيرهم، إلا أنها كان من الممكن أن تتحول لمعيق فبدلا أن أحظى بملاحظاتها ورؤيتها للقصة التي كانت رمزية وتمثل الوطن أجبرت على تغييرها لتتلاءم وما يتنامى في مخيلة المعلمة -تقليدية الفكر. والمعلمة قد تكون لدى آخرين المعلم أو الأب أو رئيس المؤسسة أو آخرون يمنحهم المكان والمنصب هالة تخفي دواخلهم وجهلهم.
كما أن المؤسسات الثقافية غائبة عنا نحن الكاتبات والكتاب، وإذا وجدت فهي مهلهلة لا تخطيط ولا استراتيجية عمل ولا استمرارية فهي أشبه بالمشروع التجاري الذي لا يحقق ربحا فيذوي كأنه لم يكن، إنها المؤسسات التي من المفترض أن تأخذ بيد الكتاب والكاتبات في بداية طريقهم تصقل موهبتهم وتنمي قدراتهم والأجدر أن يكون القائمين عليها أيضا أهلا لمنح خبراتهم وتجاربهم للكتاب الناشئين.
والمؤسسات الأهلية والنسوية- ليست أحسن حالا- تجدها تهتم لفترة ما بالكتاب والكاتبات ثم يزول اهتمامها، فهي قد تعقد دورات أو ورش عمل أو تنشر بعضا من الإبداعات لكن الاهتمام بشريحة المبدعات والمبدعين هو اهتمام من وجهة نظري شكلي ووقتي مرتبط بتمويل لمشروع أو سلسلة ورش وليس هدفا من أهداف المؤسسة. كما أن هنالك الإحباط الذي يصيب المبدعين والمبدعات من استخفاف الآخرين بالكتابة بشكل عام واعتبارها ترفا وليس أمرا جوهريا أو رسالة، فإذا لم يتذرع المبدع بقوة الإرادة والعزيمة لتوقف حتما.
وللأسف يعتبر الكثيرون أن المؤسسة الزواجية تحكم على الإبداع وخاصة للكاتبات بالعدم والتلاشي وهذا اعتبره إجحافا بحق الكاتبات وأؤكد أن هذه المقولة ليست جوهرية وليست أساسية ولا يمكن تعميمها على الكاتبات عموما فلابد من معرفة الأسباب الحقيقة الكامنة وراء ابتعادهن عن الساحة الأدبية وليس التخفي خلف المبررات الجاهزة.
ولا نغفل عن تعقيدات المجتمع وتحكم الثقافة الذكورية فيه لا تساعد المبدعات بل تشكل معيقا إضافيا في محاولتهن للاستمرارية، والدور التقليدي المنوط بالمرأة.
كلمة أخيرة:
حاولت وكتبت وسأكتب وسأبقى أكتب، وسأموت كتابة لأحيا.
بعد أن قدّمت شمعون للتجربة والبدايات قالت الأستاذة فتحية: حقا فالإنسان القوي هو الذي يحول العوائق لإنجازات، لذا نود أن نستمع لقصة من قصص هداية بصوتها.
قرأت قصة من مجموعتها الثالثة التي لم تنشر بعد وكانت بعنوان "صحن الدار".
ثم فتح باب الحوار لمن يضيف أو يقول لهداية شيئا .
كان الأديب غريب عسقلاني أول المتحدثين، وبدأ بتصحيح موضوعة قصور وزارة الثقافة في نشر مجموعة هداية فقال: أنا وقبلي الدكتور عاطف المسئولان عن النشر والمطبوعات في الوزارة، ولم تأت الأخت هداية لأي منا فيبدو أنها كانت تذهب للعنوان الخطأ لذا لم ينشر لها، ثم قال: منذ بداياتها المبكرة تميزت القاصة هداية شمعون, بحساسية التقاط ميزتها, فهي تنفذ من الواقعي اليومي المعاش, إلى مسام المعنوي والوجداني, تحركها همومها كامرأة تعيش في مجتمع مستلب, وذكوري ضاغط يأخذ فيه الرجل مقاليد الحياة بيده.. وهذا ما زال يلوح في قصصها القصيرة,
وفي كتابها الذي ضم مجموعتيها القصصيتين وبعض نصوصها اللاحقة ويظهر بوضوح من خلال مضامينها وتقنياتها الفنية, تبدو إمكاناتها الثرية في تطويع الأفكار والأدوات بتناغم بين التقرير والتداعي والاستبطان والمنولوج الداخلي, عند بطلات قصصها من النساء المنصهرات في أتون المكابدة والمعاناة, حيث نراها المضطهدة سياسيا واقتصاديا مع الرجل, وهي المستلبة من الرجل الذي يرصد عليها حتى لهاثها..
كيف تقبض كاتبتنا الشابة على هذا التشظي والمتناثر من التجارب والمشاعر وردود الأفعال, وكيف تمسك بتلابيب الرفض والقبول الحب والوجد والعشق والوله والأمومة الفطرية.. وهل تسعفها البيئة التقليدية التي تحاصرها أيضا..
هنا تدخل هداية شمعون رهان إعادة إنتاج تجارب كل النساء اللواتي هي في كل الحالات والاحتمالات, وهنا تصبح الكتابة التزام ورسالة على مستوى الخطاب, ودخول مارثون ترك البصمة الخاصة الفني على مستوى الخلق, وذلك من خلال تفاعلات تعيد إنتاج الحياة, إلى حياة تحوز على مصادقة المتلقي فيكون الفوز, ويكون الاختبار.. فنراها تبوح كما الحقيقة عارية من كل رتوش, وتشف على لغة شعرية تفيض على جوانب الكلام.. وتستدعي سيال الوعي تهاجس غير المعلن, وترفض المسكوت عنه.. تحار بلغة العقل فتكون الجزالة, وتتنهد وتتأوه بلغة الدارج المشونة فتكون الفلسفة في بسيط الكلام.. فهل يكفي ذلك لتقديم نص حداثي ومتجاوز
اعتقد أن فيما قدمت ما يرهص بذلك وباقتدار..
الدكتور محمد أيوب قال: بالنسبة للثقافة فكل الأنظمة العربية - ومن ضمنهم مسئولينا – تضع الثقافة في آخر أولوياتها، وقال إن الطباعة والنشر يتبع الفصيل والحزب، ونوه إلى المناهج الفلسطينية وعدم موضوعيتها إذ أهملت ذكر كبار الكتاب وأعمدة الإبداع وذكرت من هم أقل مستوى وعطاء.
لذا أقول لهداية ولكل كاتب لابدّ أن يسعوا بجهدهم، ويساهموا بنشر أعمالهم ولا ينتظروا المبادرة من الغير.
أما عن نقد أعمال هداية فقال: هي كاتبة متميزة وقاصة تشد الإنسان رغما عنه للاندماج مع القصة، في قصتها التي استمعنا لها تركز على الغربة فصحن البيت غريب عن أهله والأهل في غربة عن صحن بيتهم، كما لاحظت أنها دمجت التضحية لأجل الوطن فكشفت الغشاوة عن العيون فتعرفت الأم على صحن الدار، موضحة أن الوطن لا يعود إلا بالتضحيات.
وقال: النقد على السماع لا يكون مجديا لذا أحتاج لأكثر من قراءة كي أنقد أدبيا ولا يكون النقد انطباعيا، سأكتب دراسة لأعمال هداية أحلل فيها أعمالها، فالمجال هنا لا يتسع للحديث عن إبداعها.
الشابة منى العصار قالت: أود الحديث في نقطتين الأولى: أقول لأي كاتب: أكتب ما شئت ولا تفكر في معوقات النشر، أطلق لقلمك العنان ولا تتوقف.
الأخرى: سؤال للأخت هداية: هل لاحظت في كتاباتك أنك تخلطين بين الخاطرة والقصة؟ وكيف تطورت كتابتك؟
الأديب حبيب هنا قال: أعتقد جازما أني تابعت هداية من بداياتها الأولى في كتابتها للقصة، وكانت متميزة من بين الكثيرين، تابعت كتاباتها على مستوى إتحاد الكتاب وبعد هذه السنوات أشعر أن لديها ما يُقال، وهي قادرة على إضافة جديد وتختزن الكثير الذي سيثري الكتابة لديها، ولديها تجربة غنية، وعلى مستوى الأسلوب فأسلوبها يمتلك رمزية عالية، أقول لها لا تقفي، لابد من الاستمرار، اكسري كل الحواجز، فإبداعاتك حاليا نشطت الحالة الثقافية.
سألت الدكتورة مي الأستاذ حبيب هنا: ما دمت واكبت هداية من بداياتها.. فهل ترى أن بالإمكان أن تكتب رواية.
فأجاب الأستاذ غريب: نعم بذور الرواية موجودة عند هداية وبقوة، لقد عرضت عليّ جزء من رواية تكتبها وهي بمستوى جيد.
أما الدكتور عاطف أبو حمادة قال: هداية تكتب نصا مميزا، هذا النص يتضح تميزه في مجموعة من الاتجاهات، لكن الخطر الذي يُحدق بهذه الكاتبة كامن في أنها تقع تحت تأثير أو استهواء القصيدة، فتكتب بعض المقاطع الشعرية دون ربط، فهذه خواطر جميلة تصلح أن تنشر على حدة وليس بالنص.
ثم كان يجدر بالنص أن ينتهي عند نقطة تسجية الشهيد في صحن الدار، ثم إن الأخطاء اللغوية تعكر صفو أو جمال النص، لابد أن تتنبه لها، وأخيرا أنصحها ألا تتسرع بالولوج لعالم الرواية.
الأديب شجاع الصفدي قال: أعجبت بقدرة هداية على إدماج العامية بالنص بشكل ناجح جدا، مما جعلني كقارئ ومتذوق أجدها متناغمة.
أما عن القصة فقد أطالت السرد فكان أكبر من مضمون القصة القصيرة، القصة غنية بالأحداث والتعبير اللغوي الجميل، فلو اختزلت الأحداث الدائرة في القصة لكانت أقوى.
وأضاف أسأل الأخت هداية: هل تكتبين القصة القصيرة جدا؟
شكرت هداية مجموع المداخلين وقالت جزيل الشكر لكل كلمة قيلت، وأنا أعتبرها فائدة سآخذها بعين الاعتبار وأعمل بها.
ثم أجملت ردها في:
أول التحديات أنني جئت من رفح وتركت أبنائي بالبيت، أما المعوقات فأهمها أنه لم تكن لدينا سابقا أي فعاليات أدبية أو ثقافية في جنوب القطاع، وإن كانت الآن بدأت تنشط.
بعض الملاحظات أدركها وأعيها وكنت على وعي بأنهم سيشيروا لها، وبالنسبة للقصة فأنا قرأت الثلاث عشرة قصة لأختار واحدة منها فوقع الاختيار على قصة "صحن الدار" رغم أنها لم تنقح بعد.
قصص المجموعة الثالثة كتبت قبل وأثناء وبعد الحرب.
ثم قالت أشار الدكتور عاطف لأمر أنا أدركه، فأنا موزعة ما بين صحافة وأبحاث ميدانية، خاصة في عملي بشئون المرأة، هذا الأمر أحجمني عن العديد من الجلسات الأدبية التي تثري الكاتب وتفيده.
القصص الجديدة في معظمها عن المرأة وهذا راجع لعملي مع نساء من فئات مختلفة تماما عمّا ترونه، فعملي الميداني أطلعني على قصص مخيفة جدا، من الصعب أن يصدّق البعض أنها موجودة على أرض الواقع، لذا أعتبر أنها رسالة، وإن كانت مسئولية جسيمة لكن لابد أن أرصد هذه المعاناة.
لكن مع المرأة للرجل في كتاباتي وجود كأب وابن وزوج وأخ
أما عن كتابة الخواطر فكانت كتاباتي ما قبل النشر في معظمها خواطر، وبعدها وجدت نفسي في قالب القصة القصيرة.
طموحي أن أكتب الرواية وقد بدأت لكني متوقفة قليلا، لدي خمسين قصة قصيرة ثنتان وأربعون منها منشورة في الصحف والمجلات.
بعد أن أنهت هداية ردودها اختتمت الأستاذة فتحية اللقاء بقولها شكرا لكم وقد أتيتم في هذا الجو العاصف والوباء المخيف، دمتم للثقافة والأدب.
جميع الحقوق محفوظة لدنيا الرأي © 2003 - 2011
إرسال تعليق Blogger Facebook