0


كونوا أكثر قربا منهن فعلا لا قولا
هداية شمعون

طول الوقت بدهم حصاد، بكل برود بيسألك الصحفي شو هي إنجازات المرأة؟ ويجتزئ كل شيء في سؤال واحد سؤال قاتل يحمل صيغة الاتهام والتهكم والسطحية واللامبالاة؟ سؤال يثير فيك كل الشجون ولا يلتفت من أين تبدأ الإجابة ولا تعنيه الإجابة لأنه يرتب للسؤال الآخر؟؟!!

بات بعض الإعلاميون والاعلاميات مجبورين على تخصيص حوارات أو أخبار أو تغطية ليوم المرأة العالمي أو لمناسبات مثل عيد الأم والحملة العالمية لمناهضة العنف- أخص مقالي بالإعلاميين والإعلاميات- لأنهم يملكون دورا لا يقل أهمية عن دور العاملات في المؤسسات النسوية أو الحقوقية أو المجتمع المدني أو المؤمنات بقضية المرأة. وأوجه سؤالي لهم منذ متى تعتقد أن الأمر بات مهما لك فقط حين طلب رئيس التحرير موضوعا بهذه المناسبة؟!! أم لأن الكل يركض خلف تغطية هذا العنوان لأنه موضوع الساحة؟ أم لأنك تريد أن تظهر برستيجا أو (شو) اعلامي تنال عليه السبق الصحفي. أو ربما تريد أن تجامل بعض الزميلات في المهنة أو تنافسهن؟

سؤال عابر لست بحاجة للإجابة عليه بقدر ما أنت بحاجة لإعادة تقييمك لدورك الإعلامي لماذا تتناول هذا الموضوع الآن هل لأنك مؤمن بقضيتهن أم مجرد تأدية مهنة عمل ثم تأخذ الأمور طابع الترفيه والاستخفاف؟ أتسأل كم مرة أرهقت نفسك بأسئلة حقيقية تنم عما تؤمن به وتراه وتلمسه من خصوصية لواقعنا الفلسطيني المعقد بعيدا عن صورة الإنجازات والاخفاقات، قريبا من واقع نسوي وواقع حقيقي جدير بالطرح.؟ كم تعبت لتفهم وتسأل بالعمق وليس لكي تحرج ضيفتك أو تسطح الموضوع وكأنها الدولة التي تضع الدساتير وكأنها العرف الذي يحكم المجتمع؟ وكأنها القانون؟ وتحملها كل اسقاطات الوطن وتعبه ونزفه اليومي
هل لازلت تبحث عن (شو) اعلامي من السهل أن تطرحه عبر تقرير أو قالبك الصحفي أن هنالك نساء مسؤولات عن نساء أخريات أقل فقرا وحيلة وأكثر قهرا كما تتصور؟ أتفهم أنك تحاول الوصول لحالات ولكنك تطلبها أيضا من النساء؟ ويصور لك خيالك كم مهم أن أضع الضيفة في مأزق وكأنها مسؤولة عن تحسين حياة هؤلاء النساء اللواتي تعمل هي 365 يوما معهن ولأجلهن ليست فقط لأنها موظفة بمؤسسة بل لأنها مؤمنة برحلة النضال ولأنها قاهرت الكثير من الظروف وتجاهلت كل الغباء السياسي، وظلت ترفع راية النساء حتى اللحظة التي قررت أن تجري حوارا سطحيا فتجعلها تفكر ألف مرة ما دورك أنت أيها الإعلامي؟ وما دورك أنت أيها المسؤول هل تعلم لقد قاطعت كل اللقاءات التي تتم تحديدا لأجل الثامن من آذار لأنك لا تتذكر دورهن إلا في هذا اليوم ..!
هل فكرت كيف يمكن لفتاة ذات إعاقة أن يكره أهلها لأجل مجتمع يتملكه بإزالة رحمها خشية على استغلالها من أي أحد؟ هذا هو الحل في ثقافة بعض الأهل؟ هل فكرت في الألقاب التي يوصمها المجتمع للمطلقة والأرملة والصورة التي تحب دائما أن تعيد تكريسها بوصفك في الاعلام..؟ الصمود.. المرأة.. الأرض.. الأم.. لقد أنهكنا بهذه الشعارات حتى بتنا نهرب منها لنستعيد انسانيتنا فنحن نتعب ونقهر وأحيانا كثيرة نشعر أننا عاجزات عن التغيير في مجتمع أنت صاحب السلطة الرابعة تعزل قضية المرأة بالمرأة؟ كم مرة فكرت أن تستضيف المسؤولين لتضعهم عند مسؤولياتهم بما يتعلق بالمرأة؟ كم مرة فكرت أن تقلب الطاولة وتجتهد لتفهم ما يحدث في المحاكم؟.. وما يحدث خلف أبواب البيوت ليس للتشهير بل لتفهم أنها من يدفع الثمن في المجتمع وعليها أن تتحمل كل شيء كل شيء...
كم مرة فكرت أن تساعد زميلتك في العمل الإعلامي وتدعمها- هنالك من يدعم- ودون أن تسخر من إمكاناتها ومن خشيتها الإعلان عن اسمها في بداية طريقها وتوصمها بالجبن وضعف الثقة؟ كم مرة تساءلت: أنتن تردن حقوقا وفي بعض الورش لا تسمع صوتكن؟ وكل ما تعلق به أنهن لا يملكن قدرة على التعبير عن رأيهن خاصة في البدايات؟؟ ولم تسأل نفسك اين العدالة التي قدمتها أنت والمجتمع لكي يحظين بنفس الفرص في التعليم والعمل والحركة، وتضحك ملئ فيك حين ترى احداهن تقود سيارتها وتقول هي اللي معطلة الشارع؟ بكل هدوء بإمكانك أن تشعر بالانفصام بين الواقع والشعارات، هذا فقط ما نحاول أن نجتهد للوصول له.. هنالك طرق كثيرة أكثر تمردا على الشابات أن يقتربن منها ليس تحديا بل لأنك يجب أن تصغي لهن.
إن كم المجاملات بسهولة يمكن أن يفهم مما وراء السطور، وانت عليك ألا تكون إلا ذاتك أن تقترب من العمق، فكر بنفسك أولا وبأختك وزوجتك ولا تدعي في مجال عملك ما لا تؤمن به لكن عليك أيضا أن تحترم جهود الأخريات وألا تكون رقما مكررا فقط، اترك بصمتك وشارك في أن الثامن من آذار ليست إلا مناسبة للتذكير بمهامك تجاه المرأة، وتذكير المسؤولين بمهامهم تجاه المرأة..
فجوة معرفية
ولا يمكن أن نغفل عن بعضهم وتصوره أنه حين يضع صورة لامرأة فقيرة فهو بذلك ينصف المرأة ويعطيها حقها بصورة يضعها بوست لمرة واحدة، وينسى من أي مكان التقطها ولكنه حصد عشرات اللايكات لذلك، وبدأ كإعلامي ناضج ومتخصص ومناصر ومؤمن بقضايا المرأة، بينما هو لا يختلف كثيرا عن  الآخرين سوى أنه حسن وجمل صورته هو، ولم يكن أبدا ناقل مؤمن لقضية الفقيرات، وهو بذات الوقت رفع عنه العبء، وبدلا من أن توجه له أصابع الاتهام بتقصيره الإعلامي على مدار العام بهؤلاء النساء تجده يتحصن بصورة أو قصة أو تقرير لمرة في العام تحميه حتى العام التالي، وتعطيه المبرر في تصوره بأنه الآن يمكنه أن يهاجم ويلقي بالعجز عن تحسن واقع النساء في فلسطين بأكملها على النساء الأخريات اللواتي ينادين بحقوق المرأة، ويبدأ العمل يأخذ منحنى الفجوة المعرفية فهو -أو هي- يأخذ الظاهر وتتأصل الثقافة التقليدية لديه بأن النساء هن من يجب أن تلقى عليهن المسؤولية وكأنهن لا يكفيهن حمل صوت النساء على مدار حياتهن وهن ذاتهن يعشن الصورة بشكل أو بآخر ويتناسى الإعلامي تهميش النساء منذ الولادة ووضعهن في قالب واحد غير قابل للكسر، فهن دوما تابعات..
للأسف الفجوة المعرفية بقضايا النساء وواقعهن الحقيقي هي التباس آخر يمارسه الاعلاميون تحديدا على واقع النساء، فهم من يخلقون فجوة المرأة والمجتمع والأدوار وتقاسمها وتكامليتها، وما يمكن العمل لأجلها، بل ويحملون النساء فقط والمؤسسات الأهلية والنسوية العاملة في المجال عبأهن، وكأنهن صاحبات القرار في الحرب وفي السلم، وكأنهن من يضعن استراتيجيات العمل ومن يضعن الموازنات وكأن قضية المرأة هي قضية مرأة فقط وليست قضية مجتمع بأسره ومسؤولية أخلاقية وإنسانية بالأساس..
يؤسفني كثيرا من الجيل الإعلامي الشاب الذين يتعلقون بسطحية مطلقة بالقضايا ويسهل قيادتهم وغسل أدمغتهم بما لا يقارب الواقع. إن العمل مع النساء ولأجلهن ليس رفاهية وليس مادة للاستهزاء والسخرية، واقتباس التابوهات المجتمعية وتصديرها للمادة الإعلامية سواء كانت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيره كاستخدام كلمة نسوان في التنكيت إنما هي جهل وتجهيل وإعادة تكريس وإفراز العنف بأشكاله المختلفة، وهو قد يبدو سطحيا لكنه إنما يعكس ثقافة متجذرة عميقا ورواسبها تتكشف، فليس الرجل الفقير الذي يعنف فقط وليس الرجل الشعاراتي الذي يعنف فقط بل كل من كان لديه قدرة على الكتابة أو تقديم أفكاره للآخرين عبر الإعلام، وهم الفئة الأكثر حاجة للتوعية والتثقيف لأجل النساء إن كانت النساء على سلم أولوياتهم.
أكثر التقييمات قسوة هي تلك التي تنفي شيء لصالح شيء، وثقافة الادعاء بأن الرأي الخاص هو الصح ومن دونه ليسوا إلا الآخر المخطئ دائما الذي نعلق عليه كل عجزنا وقهرنا وفشلنا في مسيرتنا الفلسطينية الآن، وهي ليست إلا اجترار المجتر ووأد الأمل والفرح، فهناك القائل بأننا يجب أن نعمل كل أيام العام لأجل قضايا المرأة وكأنهم صنعوا أو يصنعون شيئا لها في أيام أخرى؟؟ ولا يدركون أنهم هم مصدر العنف اللفظي والنفسي والاجتماعي والثقافي والإنساني إلا من رحم ربي!!! ومنهم من قال كان يتوجب أن تفعلوا كذا وليس كذا لماذا؟؟ أتسأل بجدية مطلقة لماذا لا نفكر بأن كل هذه الأدوات هي أدوات مهمة ولها جمهورها ولها رسالتها ولها قوتها؟ لماذا لا نعمل بكل الأدوات التي تروق لكم في ذات القضية؟ لماذا أنت الصح والآخر الخطأ دائما؟ لماذا لم نعد نفكر بعقل جمعي؟ لماذا تهدر الطاقات في الانتقاد والنقد بينما العاملات قلائل؟؟ أسهل شيء الانتقاد وأصعب شيء العمل اليومي والمضنى.
شكرا لكم ولأقلامكم ولآرائكم لكنكم طيلة الوقت تثرثرون ولا تفعلون.. اتركوا الساحة لمن يعملن وكفوا عن البكائيات والادعاء بأن بإمكانكم أن تكونوا ناصحين وشمروا عن سواعدكم إن كان هذا فصل المقال علنا نصنع التغيير معا ..
 

إرسال تعليق Blogger

 
Top