4


الواقع والشعار خطان لا يلتقيان
كتبت: هداية شمعون
 انتهى شهر النساء هكذا يعرف مارس نفسه، فيوم المرأة العالمي ويوم عيد الأم وأيضا يوم الأرض المتمثل بفلسطين امنا جميعا.. انتهى بعد العديد من الأنشطة والبرامج والفعاليات التي كان لها حضورا مميزا بالتأكيد على أن حقوق المرأة هي جزء لا يجزأ من حقوق الإنسان، لكني ربما أنعطف إلى ما هو على أرض الواقع موجودا في محاولة لقراءة المشهد رغم بؤسه وقسوته وفي بعض الأحيان سطحيته، لكنها وقفة لابد منها وخاصة تلك التي تطل علينا بين الحين والآخر على صفحات الفيس بوك ووسائل التفاعل الاجتماعي، وهي التي تشكل جزءا من الرأي الكامن وحتى إذا اعتبر البعض أنها صفحات شخصية وليست رسمية فهو يتجاهل حقيقة أنها الأقرب لشخصية الكاتب، وليس المصرح به كما تؤكد نظريات الرأي العام.
تريثت كثيرا قبل الكتابة عن الكثير من المنشورات التي ركزت على المرأة، فالكثير منها الحقيقة لا يستحق الوقوف لأنها أضغاث أقوال لا ينبغي التوقف عندها أو اعطاءها الأهمية إلا أن الكرب كان منتشرا بين الكثيرين والكثيرات، ووجب التصويب وربما لأكون أكثر دقة وجب الانتباه إلى الأبعاد الخطيرة التي يحملها التساهل في مرور هذه الكلمات السيئة والمكررة لأنها ستصبح مع الوقت مقبولة وليست منتقدة، بل ستشجع الكثيرات والكثيرين إلى ترديدها بداعي التسلية والضحك وتغيير الجو العام الجاد أو القاسي إلى جو هزلي، إلا أن هذا المبرر أيضا ليس مقبولا لأنه يعني إعادة انتاج التخلف الاجتماعي بفعل يبدو ثقافيا وحضاريا، بينما هو معول هدم لكل المناضلين والمناضلات في سبيل تغيير حقيقي لواقع المجتمع والمرأة بشكل خاص.
لذا أستحضر نموذجا للنقاش وليس وحيدا- من بعض المنشورات على صفحات الفيس بوك، فقد كتب أحدهم:
"هوا يا جماعة شو مفرد كلمة "نسوان" محدش يقلي نسوانة"
والمشكلة حقيقة ليست بالمنشور فحسب، بقدر ماهي في الردود التي توالت بعضها من فتيات وشباب وألخص أبرزها دون تكرار على سبيل التفحص والتحليل وليس الحصر لما ورد في حينه، مع تحفظي لكل ما جاء-مرة أخرى وليست أخيرة- لكن بقدر قسوة الكلمات بقدر ما كان الدافع لكتابة هذا المقال، من هذه الردود على هذا المنشور تحديدا:
نسوانة، حورمة، نسناسة، نسونة، أم الأولاد، ذكرة، فيروس، ولايا، ولية، صرماية، ناسية.. وغير ذلك من كلمات تشبيهية ورموز واستهزاء بالكلمة والمضمون والمدلول..!!  
والأسوأ من ذلك مجموع المعجبات والمعجبين على المنشور والذين منهم كتاب وكاتبات واعلاميين وباختصار من نتوقع منهن ومنهم التغيير الحقيقي لواقع المرأة، وليس الاستهتار بالتأكيد على الاعجاب بالمنشور وكأنه يلقي التحية بدلا من التنويه بالقول للكاتب برفض مثل هذا التداول السطحي والمهين لكلمة ومدلول المرأة.
منشور آخر يهنئ به أحد الإعلاميين النساء بالثامن من آذار بكلمات: كل عام وعيد الولايا لكل النسوان؟!! هل هؤلاء فعلا يملكون حسا إنسانيا يمكنهم من أن يكونوا اهلا ليكونوا قادة في مجتمع يبجل الرجل؟! ولماذا يحلو للرجال والنساء على حد سواء التهكم في مضمون الكلمات والمصطلحات الخاصة بالمرأة وكأنها شيء وليست إنسانا..!!
إن افراغ قضايا المرأة من مضمونها والانشغال بالمعارك الجانبية والوعي المنهار في عقول جوفاء يؤدي بنا إلى الخشية من المستقبل، فليس الفكر والإقصاء فقط هما ما يتوجب أن نجابهه في نضالنا الطويل المعقد بل أيضا الاستخفاف والخواء الفكري في زمن التحول التكنولوجي الذي أصبح فيه كل مواطن كاتب، وكل من يملك جهاز كمبيوتر وخط انترنت قادرا على افراغ كل ما في قريحته وميوله وأفكاره وجنونه ووعيه وسطحيته إلى العالم الالكتروني المتنامي بشكل يسحق أخلاقيات الكتابة وأبجديات الحوار إلى الهاوية، فليس كل ما يكتب ذهبا وليس كل ما يقال صحيحا، لكنها مساحة حوارية واسعة وكبيرة لكنها تفتقد لآليات الحوار الجادة.
وحين يأتي هذا الفراغ ليكون المثل الأكبر ويأخذ في غواية الهروب من الواقع السياسي القاتم والهاوية الاقتصادية والتراجع في المنظومة الأخلاقية للمجتمع بأكمله فإن هذه الغواية تمتد لمبرر التسلية والترفيه، فيجد البعض تسليتهم بإعادة انتهاك ما تتناوله أيديهم وعقولهم، ولا يجدون أسهل من تناول موضوع المرأة لأنه الأكثر تسلية بالنسبة لهم.
لا يتوجب أبدا المرور كراما على الكلمات المهينة والمخزية لأنها ليست إلا مفتاحا لعقول خربة، وما هي إلا مؤشرات على واقع العنف بكل أشكاله الذي تعانيه المرأة بكل مراحل عمرها منذ الولادة إلى الممات، ولا يجب أن يصعق المسؤولون وأولي الأمر حين تتصدر الأخبار مقتل النساء أو قصص العنف اليومية والنزف الدائم للنساء لأن مثل هذه المنشورات وهذه التعليقات ليست إلا مدلولا على عنوان العقول الفارغة، ومرحلة الانهيار التي تنهش بالمجتمع من رأس هرمه إلى قاعدته.
 إن مسيرة النضال طويلة ومريرة وندرك ذلك لكنه ليس تابوها جديدا يضاف، فيكفينا تابوهات مغلفة بالشعارات والكلام الأجوف، وعلينا بالعمل لما هو متجذر في الواقع المجتمعي الحقيقي، فلم نعد نكتفي بآذار إلا تذكيرا بما يتوجب العمل بجهد دون توقف أو ملل.



إرسال تعليق Blogger

 
Top