1

دور الاعلام الفلسطيني في تناول قضايا ذوي الإعاقة من منظور حقوقي

هداية شمعون (*)
في مناظرة نفذتها مؤسسة فلسطينيات والائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان في غزة، حول مساهمة الاعلام الفلسطيني في تناول قضايا ذوي الإعاقة من منظور حقوقي، فقد أصابت المناظرة كبد الواقع الحقيقي تجسيدا لهذه القضية في مسار المناظرة التي بتصوري سلطت الضوء على قضية حساسة ومهمة، ويهدر شأنها بفعل مزاحمة قضايانا السياسية على سواها، ومن وحي التناظر لغة ومضمونا وتفنيدا فقد لمست العديد من المداخل المهمة لتصويب بوصلة مساهمة الاعلام من خلال تعزيز وعي ومعرفة الاعلاميات والإعلاميين بدورهم من جهة، وأهمية مساندة كافة القضايا المجتمعية كجزء أصيل من دورنا كإعلاميات وليس ترفا يمارس أو ينساق لما هو موجود واقعيا.

لقد كشفت المناظرة فعليا عن حجم الضعف والقصور في تناول الاعلام الفلسطيني بكافة مستوياته وأشكاله لقضايا ذوي الإعاقة فهي تماما كما النظر لرؤية قضايا المرأة وكأنها شأنا نسويا خالصا، وليست قضية مجتمعية يعمل عليها الجميع، ويؤمنون بضرورة التغيير والعمل بشكل جمعي، كذلك فقد أبرز التناظر عن الجهد المتوقع أن يتم بذله من أجل الإيمان بقضايا ذوي الإعاقة بكونه ليس موسميا وليس من باب التنويع بل من باب المسؤولية الأخلاقية والمهنية والإنسانية.
لازلنا بحاجة للعمل بجدية أكبر من أجل تحسين الخطاب الإعلامي الموجه لأجل ذوي الإعاقة، فهنالك افتقاد لحساسية النوع الاجتماعي في طرح القضايا، وهنالك خصوصية لواقعنا الفلسطيني وهنالك عشرات ومئات الشواهد التي عشناها ورأيناها في عملنا الإعلامي والبحثي، والتي تكشف أطراف متعددة تبدأ بالأسرة والأهل والمجتمع والمؤسسات التي تحمل هموم هذه الفئة إلى الاعلام والقانون، كل هذه الدوائر تشارك بشكل أو بآخر بأدوار متفاوتة بعضها ظاهره المساندة ولكن هنالك دور يمارس بذات القسوة والتجزئة والعنف والتهميش تجاه ذوي الاتجاه ويمتد ذلك لقضاياهم.
إن المساواة وعدم التمييز التي ننادي بها إعلاميا تقتضي قبول ذوي الإعاقة في المجتمع، والتأكيد على أنهم جزءا أصيلا من نسيج ومكونات هذا المجتمع، ما ينعكس على تفاعلهم وتفاعل الاعلام في عكس التنوع لقضاياهم، واعتبارها ضمن الأولويات الأهم.
إن الاعلام قادر على تسليط الضوء بعمق على قضايا ذوي الإعاقة، والتأثير على الرأي العام، والسعي للتأثير في خلق رأي عام متوازن، والمسألة لا تتمثل فقط في الحقوق مثل الحق في توفير فرص العمل والتعليم والصحة والحماية الكاملة لحقوقهم، لكن المنشود أكبر من ذلك إذ هنالك إجرام حقيقي في نظرة وتعالي الأهل والمجتمع والاعلام على ذوي الإعاقة، فالأمر ليس شفقة أو احسان بل هو حق وواجب ومسؤولية اجتماعية، إن الاعلام قادر بإيمان الاعلاميات والإعلاميين على توجيه وتصويب النظرة المتعالية لقضايا ذوي الإعاقة وكأنها ليس قضايانا...!
إنه من الضرورة أن نعمل نحن الاعلاميات والإعلاميين أفراد ومؤسسات على تغيير النظرة النمطية تجاه ذوي قضايا الإعاقة باستثمار كافة وسائل الاعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، وكيفية استثمار وسائل التواصل الاجتماعي في ذات الإطار، وهذا بحاجة إلى خلق رؤية ناقدة وإنسانية ومهنية لقضايا ذوي الإعاقة، وكشف المعوقات والتحديات التي يعانوها، بالإضافة إلى شبهات فساد لا حصر لها في اهدار المال العام المخصص لذوي الإعاقة، فقد كشفت العديد من التحقيقات الاستقصائية والإهمال من قبل بعض الأهالي، وضرورة مراعاة كافة الاعاقات المختلفة.
يجب أيضا التنويه أن المدارس النظرية الحديثة بما يتعلق بالإعاقة إذا كان بإمكان ذوي الإعاقة الوصول للعمل وممارسة حياتهم اليومية دون معوقات، والقيام بكافة الالتزامات التي يقوم بها أي انسان فإنه أساسا لا يعد من ذوي الإعاقة، وهنا تتمثل قيم ومفاهيم المجتمعات وتأثيرها على حياة الأفراد بداخل الأطر الاجتماعية والفكرية والثقافية، وهذا يعيدنا إلى فكرة أن المجتمع به الكثير من ذوي الإعاقة الفكرية إن جاز لنا التعبير فالإعاقة ليس نقص قطعة من الجسد بقدر ما هي فقدان جزءا من العقل والحكمة والوعي...!!
هنالك حاجة ماسة لدعم الاعلام لحقوق ذوي الإعاقة وضرورة العمل على تحقيق مواءمة كافة الأماكن والمرافق الحكومية والصحية والتعليمية لتكون في متناول ذوي الإعاقة، وهذا سيسهل وصولهم لتلقي خدمات تخصهم، أو القيام بدورهم في المساءلة والرقابة وتقديم الشكاوى أو السعي لإيصال أصواتهم لصناع القرار.
من الضرورة بأن يكون هنالك بنك للمعلومات موحد خاص بذوي الإعاقة لتسهيل توفير الخدمات لهم، واشراكهم في كافة الأنشطة والفعاليات واعداد ما يتناسب مع احتياجاتهم ومطالبهم، ولابد للإعلام أن يستمر في الكشف عن الإخفاقات التي تحد من مشاركتهم، وربما كشفت المناظرة عن نظرة الاستعلاء من طرف الإعلاميات والإعلاميين وعدم اعترافهم بأن هنالك تقصير بشأن تناول قضايا ذوي الإعاقة من منظور حقوقي، فالقضايا السياسية بالأساس في حالتنا الفلسطينية تتقدم ولها الأولوية وتتراجع لذلك القضايا المجتمعية في كل مراحل النضال، ومن ضمنها قضايا ذوي الإعاقة.

هنالك أيضا دور مهم للإعلام يجب أن يمارسه في الدور المنوط بمؤسسات قطاع العدالة في سبيل تحسين السبل لذوي الإعاقة بطرح قضاياهم وانصافها واحقاق الحق والمساءلة، لكن هنالك حاجة أكبر للمساءلة في هذا الملف، وهذا ما ادعو الاعلاميات والإعلاميين لوضعه ضمن أولوياتهم الإعلامية، وخاصة أن هنالك حاجة كبيرة لمساندة قضايا ذوي الإعاقة في المناصرة والضغط لأجل المطالبة بتطوير السياسات والقوانين والتشريعات كبيئة حاضنة لذوي الإعاقة.
ما يجب ادراكه من قبل الاعلاميات والإعلاميين أن هنالك مئات وآلاف من ذوات وذوي الإعاقة يتألمون وحدهم وترتكب بحقهم جرائم إن لم يساهم الاعلام بشريعة الاستبصار في كشفها وتسليط الضوء عليها بوعي وحكمة سيبقوا وحدهم، وكي لا يكونوا وحيدون لأننا لا نراهم ببساطة يجب أن نبحث بعمق وقوة لإيصال صوتهم الحقيقي وليس صوت غيرهم، فأن تترك احدى ذوات الإعاقة في البيت وحدها وسط القصف فقط كي لا يعرف الجيران أن لديهم ابنة من ذوات الإعاقة من قبل أسرتها، كي لا يؤثر ذلك على فرص زواج أخواتها هو الجريمة بعينها، فأين الاعلاميات والإعلاميين من ثقافة المجتمع والأهل وأخريات أجبرن على إزالة أرحامهن كي لا يتعرضن لاعتداءات جنسية وإن تعرضن-هذا ما يعتقده الأهل- لا تحمل سفاحا.!! هذا غيض من فيض هنالك عشرات ومئات الجرائم التي تحدث بصمت في مجتمعنا ونبدو كالنعام الذي يدفن رأسه في التراب ثم نقول أن الاعلام ساهم كثيرا؟؟!! نعم له دور لكنه أبدا ليس الدور النضالي الحقيقي وليس بالكيفية التي تترك تأثيرا وتغييرا في الرأي العام.
ونعود لدور الاعلام ومدى قدرته للوصول بالاستقصاء والتحقيقات مع مراعاة كافة الجوانب الإنسانية والمهنية والأخلاقية ونتساءل بوعي أكبر.. ما مدى مساهمة الاعلام الفلسطيني في تناول قضايا ذوي الإعاقة من منظور حقوقي انساني مهني؟!! الإجابة ليست أحجية بقدر ما هي الوصول للإيمان حقيقة لا شعارا بقضايا ذوي الإعاقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتبة وإعلامية


إرسال تعليق Blogger

 
Top