الحصار الإسرائيلي ينتهك حقوق النساء الفلسطينيات ويساهم بعزلهن
بقلم: هداية شمعون (*)
من يشعر بالنساء الفلسطينيات اللواتي يقبعن تحت الحصار الإسرائيلي؟ وما الذي تعكسه التقارير والدراسات الدولية والعربية حول الحياة اليومية للنساء الفلسطينيات باستثناء الأرقام والبيانات الكمية؟ بماذا تشعر النساء اللواتي يعايشن حصارا زادت عدد سنواته عن خمسة سنوات متتالية؟ كيف تمكن من الصمود تحت فاقة الفقر والقهر معا؟ وكيف يوصف حالهن بأعباء إضافية تضاف لكونهن إناث ويطويهن الدور الإنجابي والإنتاجي ويجعلهن معزولات عن الحيز العام؟ لقد نال الحصار الإسرائيلي من الحيز الخاص للنساء الفلسطينيات وأقحم أنفه حتى في تفاصيل غسيلهن وطعامهن وقوت يومهن، بل انعكس الحصار على نفسيتهن وفاقم من المشكلات الاجتماعية والأسرية وحرم الكثيرات من فرص السفر للعلاج أو التعليم أو تطوير ذواتهن، وجعل منهن لقمة صائغة تلوكها العقلية الذكورية فعنف الاحتلال الإسرائيلي المتمثل بالحصار والعدوان المستمر على قطاع غزة جعلهن الحلقة الأضعف مجتمعيا، وبتن يتحملن أعباءا اقتصادية وثقافية تحرمهن من تمزيق الشرنقة فأصبحن حبيسات تحسين وضع أسرهن المعيشية وجعلهن كبش فداء للآخرين ونسيت النساء أنفسهن حتى في حديثهن المفتوح إلينا خلال اللقاء والورش وجلسات التفريغ نسين أنفسهن وبتن يتحدثن بلغة الآخر وتحمل مسؤولية الأب والابن والزوج وحين تسألهن عن ذواتهن يصمتن!! لقد نسيت النساء حيزهن الخاص وتجاهلن احتياجاتهن الخاصة ولم يفكرن أن يكن على جدول أعمالهن اليومية وأصبحت حياتهن بمحورها حاجات واهتمامات الآخرين.. ساهم الحصار في وأد النساء الفلسطينيات أحياءا فتمادى في القتل والتشريد والإغلاقات فضاقت سبل العيش والحياة الكريمة وأصبحن يحاربن على جبهات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية وأصبحن ينعزلن رغما عنهن عن السياق العام وبتن دوما حاجز الدفاع والتصدي فاستنزفت قواهن فمن يرى حياتهن خلف كواليس الحصار؟ ومن يشعر بالحرب المفتوحة التي يتصدين فيها لكل السياسات الإسرائيلية الممنهجة بتدمير النفس الفلسطينية رجالا ونساءا!! ومن يمكنه اسماع صوتهن المكبوت فرغم صراخهن إلا أن السياسة العمياء لا ترى غير ما تريد أن تراه وتقدمه..
هي شهادات لنساء التقيتهن خلال العمل البحثي أو الصحفي وأحيانا كن يمثلن أنفسهن وأحيانا أخرى كن يمثلننا.. هن جزء أصيل من الصورة لكن المشهد اجتزأ صورة المرأة الفلسطينية الضحية أو المناضلة والأسطورة، وأسقط المشهد السياسي والإعلامي نضالات النساء لأجل البقاء ولأجل حياة تتصف بالكرامة والقدرة على رعاية أجيال شابة.. في هذا المقال محاولة لكشف مشاهد غابت عنها كاميرات الفضائيات وتجاهلته التقارير الدولية، وعاشته عيون النساء المحدقة في الظلام.
خلفية عن الحصار غير القانوني على قطاع غزة:
إن تأثير الحصار الإسرائيلي الذي يشكل بالأساس انتهاكا لكافة الحقوق والمواثيق الدولية، ولازال قائما منذ ما يزيد عن 5 سنوات متواصلة أصاب خلالها الإنسان الفلسطيني وحصد منه معنى الحياة والمفهوم الحقيقي للأمن والاستقرار، وساهم في ارتفاع وتيرة العنف الداخلي، ما أدى بدوره إلى مزيد من العنف تجاه المرأة الفلسطينية وفي تراجع دورها التنموي والإنساني بعد أن صادر كل مقومات الصمود، فقد دمر البنية التحتية لقطاع غزة، وحرم آلاف السكان من منازلهم بالهدم الكلي والجزئي وأفقد الاستقرار لآلاف من النساء والرجال، وصادر حق الطفولة بحياة آمنة بل انتهك حق الحياة باستمرار عدوانه.
فقد عانى- ولازال- سكان قطاع غزة بنسائه ورجاله من حصار إسرائيلي مجحف، والذي بدأ منذ عام 2006 وتحديدا بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وازدادت حدته بعد اختطاف الجندي جلعاد شاليط، ولكنه ازداد شدة بعد أن سيطرت الحركة على قطاع غزة عام 2007 واستلمت مقاليد الحكم فيه.
كما واجه كافة مواطنو قطاع غزة عقابا جماعيا من الاحتلال الإسرائيلي، حصار طال كافة مناحي الحياة وترك بالغ الأثر على كل مواطني القطاع من نساء ورجال وأطفال، وفي وقت تشتد فيه الأوضاع الإنسانية لتصل ذروتها في بعض الأحيان فيما يتعلق بتوفر الخدمات الإنسانية والاجتماعية الأساسية لمواطني القطاع وفي ظروف اقتصادية قاسية تتصف بارتفاع نسب البطالة وتدني مستوى الدخل وارتفاع نسب الفقر.
لم تتوقف معاناة الشعب الفلسطيني منذ ما يزيد على قرن من الزمان، واشتدت هذه المعاناة بعد عام 48 وما رافق ذلك من تهجير قسري لمئات الآلآف من السكان الفلسطينيين المدنيين، وأحداث النكبة التي تركت آثارها حتى يومنا هذا، لقد ترك الاحتلال الإسرائيلي والحصار آثارا جلية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وساهم في زيادة نسبة الفقر وتدني فرص التعليم والرعاية الصحية والرفاه الاجتماعي، فقد منع الشعب الفلسطيني من التحكم بموارده الطبيعية والبشرية ومن تشكيل كيانه المستقل، ما أدى إلى ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، ما زاد من تدهور الأوضاع الاقتصادية للأسر الفلسطينية وجعل الكثير منها تحت خط الفقر فقد زادت نسبة الأسر التي تعيش في فقر مدقع عن 66%، بينما زادت نسبة الفقر عن 80% بعد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
ووصف جون هولمز، منسق جهود الإغاثة الطارئة للأمم المتحدة، الحصار بأنه "عقاب جماعي" للسكان المدنيين في قطاع غزة. كما أدى الحصار إلى نقص في الغذاء والدواء، والتضييق على حقوق سكان قطاع غزة في التعليم والصحة والمأوى والثقافة والتنمية والعمل.
إن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة أودت بحياة 118 امرأة، وجرح 825 آخرين، اضافة الى ذلك فقد تضررت البنية التحتية لقطاع غزة، فعلى سبيل المثال، 2114 منزل دمر بالكامل، وعلى الرغم من وجود الاحصاءات لا يمكن قياس الاعداد الحقيقية للضحايا فالحصيلة مروعة والحجم الحقيقي للمعاناة يزداد يوما بعد يوم في قطاع غزة.
فقد أصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (2009) 'من خلال عيون النساء 'من أجل تسليط الضوء على تأثير تحديد الجندر في عملية الرصاص المصبوب والإغلاقات الإسرائيلية غير القانونية. ووضع النساء في قطاع غزة، والمعاناة الناجمة عن نتيجة النزاع المسلح والاحتلال الإسرائيلي، حيث عرض هذا التقرير حالات 12 امرأة متأثرة بالاعتداءات الاسرائيلية للتدليل على مدى معاناة المدنيين في قطاع غزة ، واستمرار الصعوبات التي يواجهونها نتيجة للدمار الذي أحدثته القوات الإسرائيلية واستمرار الإغلاق غير القانوني. و من خلال عيون النساء الذي يسلط الضوء على الصعوبات التي تواجهها النساء في قطاع غزة، من فقدان لأطفالهن وأزواجهن وأقاربهن وبيوتهن ومصادر رزقهن، وذلك على مدى 42 عاما من الصراع والاحتلال والإغلاق الإسرائيلي المفروض الذي يتعرض له سكان قطاع غزة.
لقد كانت النساء ضحايا الهجمات الإسرائيلية العديدة، في انتهاك للحماية الممنوحة للنساء الواضحة بموجب القانون الدولي الإنساني. في كثير من الحالات التي وثقها المركز، إذ أن هذه الهجمات تصل إلى مستوى جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف. فمنذ بداية الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000، قتلت 281 من النساء في الهجمات الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، و163 امرأة قد قتلت قبل اندلاع عملية الرصاص المصبوب في 27 ديسمبر 2008 وفي السنوات الأولى من الانتفاضة الثانية كانت غالبية الضحايا من النساء.
و يرى المركز أنه في كثير من الحالات استهدفت القوات الإسرائيلية مباشرة المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك النساء والأطفال. ويرى المركز أن القوات الإسرائيلية فشلت في اتخاذ الاحتياطات اللازمة في خط الهجوم، والتقيد بقواعد القانون الدولي الإنساني. وقد تم توثيق الجرائم والانتهاكات الخطيرة لاتفاقيات جنيف، ان انتهاكات القانون الدولي الإنساني التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية في قطاع غزة تصل إلى وصف جرائم ضد الانسانية، والإغلاق الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة هو شكل من أشكال العقاب الجماعي، في انتهاك للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة. الأمر الذي ساهم بشكل مباشر بتفاقم الأزمة الانسانية في قطاع غزة.
لقد تحملت النساء الفلسطينيات ولازلن يتحملن القسط الاكبر من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتي تأتي بمجملها نتيجة الاوضاع السياسية غير المستقرة على المجتمع الفلسطيني، فقد نبهت دراسة المرأة في قطاع غزة – حصار، إفقار، وفلتان أمني (2007) الصادرة عن مركز شؤون المرأة إلى معاناة المرأة الفلسطينية في قطاع غزة من أشكال مختلفة من العنف وظلم الاحتلال، والظلم الاجتماعي، فقد باتت النساء قلقات من هذا القيد الذي حد من مساحة حركتهن في الحيز العام وزاد من معاناتهن, إذ عانين من آلام الفقدان والصدمة والعزلة الاجتماعية والخوف من المجهول، وبرغم ذلك، كان من المتوقع منهن أن يساهمن بأشكال مختلفة من الدعم للأسرة ماديا ومعنويا، سواء أكان ذلك عن طريق العمل بمهن إضافية هي عادة على أدنى سلم المهن اجتماعيا، أو باستخدام المعونات المقدمة على شكل كوبونات.
وتعاني نساء فلسطين بشكل عام من اضطهاد مزدوج من الاحتلال ومن المجتمع، ورغم ذلك فإن النساء في قطاع غزة هن اللواتي يحافظن على نسيج المجتمع الداخلي ويحفظن أسرهن من التشرد والجوع بطرق تكيف مختلفة ومبدعة.
حيث تعيش النساء في قطاع غزة ازدواجية كبيرة في المعايير: فمن ناحية يأخذن دورا أكبر في توفير لقمة العيش لأسرهن وعائلاتهن ويتوقع منهن أن يذهبن للبحث عن كوبونات الإعاشة أو التموين والعمل في أية مهنة مهما قل شأنها ودخلها من أجل توفير عيش الكفاف لأسرهن. ومن ناحية أخرى: لا يحصلن، في المقابل على أي تقدير مجتمعي لهذا الدور، ولا أي اعتراف بأهميته بل على العكس: عليهن أن يتحملن ضغوطا نفسية مضاعفة, وأحيانا أشكالا مختلفة من العنف من قبل الزوج والأبناء والعائلة الممتدة، بحجة أن هؤلاء يتعرضون لضغوطات كبيرة، وأن من واجبها أن تتحمل ذلك
وفي ذات السياق فقد أشار تقرير العنف الأخير للعام 2011 للجهاز المركزي للإحصاء أن 37% من النساء الفلسطينيات يتعرضن لشكل من أشكال العنف، وفي تقرير سابق لذات الجهاز في (2006) أشار الى أن 62% من النساء قد تعرضن للعنف مرة واحدة على الأقل خلال نفس العام في فلسطين، أما في غزة فإن حوالي نصف النساء اللواتي سبق لهن الزواج 49.7% تعرضن للعنف النفسي خلال العام 2006 وقرابة الربع للعنف الجسدي بنسبة 22.6% والجنسي بنسبة 9.7%
هذا وأظهر مسح استقصائي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني مؤخرا أن الضوائق النفسية والأمراض تعد أهم العواقب الصحية للحصار وعملية الرصاص المصبوب، حيث يؤثران على كافة سكان غزة تقريبا. فلا تخلو 77.8% من الأسر من وجود فرد من أفرادها يعاني من أعراض نفسية نتيجة لعملية الرصاص المصبوب، وتتراوح هذه الأعراض من البكاء المتواصل دون سبب والخوف من الوحدة والظلام والخوف المبالغ فيه من الدم واضطرابات الأكل وفقدان الوزن أو اكتسابه والإحباط والاكتئاب والعصبية وسيطرة هاجس الموت إلى التبول في الفراش وعدم الاعتناء بالذات أو الأطفال.
و تأثر الأطفال- على وجه الخصوص- بشدة من الصدمة النفسية التي تسببت فيها العمليات العسكرية، فقد أجريت دراسة في مارس2009 لتقييم العلاقة بين تجارب الحرب الأليمة الناتجة عن الحرب الإسرائيلية والحزن واضطراب الكرب التالي للصدمة بين أطفال غزة، حيث أظهرت النتائج المتعلقة بالرفاهة النفسية للأطفال الفلسطينيين في أعقاب الحرب الإسرائيلية، باستخدام مؤشر رد الفعل للاضطراب الإجهادي اللاحق للإصابة، حيث أكدت الدراسة أن 61.5% لديهم ردود فعل شديدة إلى شديدة جدا لاضطراب الكرب التالي للصدمة.
وما زالت النساء من جهتها تلعب دورها التقليدي في "امتصاص الصدمات" التي تصيب الأسرة، على الرغم من كونها أقل قوة من الناحية الاجتماعية من الرجال، وغير ممثلة إلى حد بعيد في جميع أشكال صنع القرار. فضغوط الحصار وعواقب الاجتياح تسحق مواردهن الهشة، وتضع مزيدا من الأعباء الهائلة على أكتافهن، كما أن العائلات في غزة غير واقعة في أسر دائرة مفرغة حيث تنسحب الإحباطات الناتجة عن فقدان كرامة رب الأسرة على الزوجات والأطفال، مما يزيد من الأعباء الثقيلة التي يحملنها بالفعل. وثمة شواهد قليلة على وجود عنف بدني شديد داخل الأسر، إلا أن الإساءات اللفظية والضرب آخذان في التزايد.
حيث أكدت دراسة تحديد أولويات قضايا النساء في قطاع غزة مركز شؤون المرأة- غزة (2009) على تأثر النساء الفلسطينيات بدرجة كبيرة سلباً نتيجة عدم استقرار الوضع الفلسطيني الداخلي كما تأثرت الحالة النفسية بسبب الضغوط الخارجية والداخلية.
وحول أثر الحصار الإسرائيلي على الوضع الاقتصادي للأسرة الفلسطينية فقد أدى الحصار إلى فقدان عمل المعيل وأثر على الدخل الرئيسي للأسرة بنسبة 36.8%، وادى لتغيير العمل ونقص الدخل الرئيسي لـ 28.5% من الأسر الفلسطينية في قطاع غزة. كما أثر الحصار على مصروفات الأسرة حيث قل المصروف بنسبة 37.7% وتراكمت الديون لنسبة 43.6%، واضطرت 45.9% من الأسر إلى بيع مقتنياتها وأملاكها بسبب الحصار، كما ساهم الحصار في ارتفاع أسعار عدد من السلع والبضائع الأساسية بنسبة 96.5%، كما تسبب الحصار في نقص توفر عدد من السلع والبضائع الأساسية بنسبة 96.8%.
هذا وأثر الحصار على الوضع الاجتماعي للأسرة الفلسطينية فأدى إلى تزويج إحدى فتياتها زواجا مبكرا بنسبة 28.4%، كما وساهم الحصار في حدوث حالات طلاق داخل الأسرة بنسبة 21%، أما عن مدى تأثير الحصار على الوضع النفسي للأسرة الفلسطينية فقد أكدت الدراسة أن الحصار ساهم في ارتفاع معدل العنف الأسري الموجه ضد المرأة داخل الأسرة بنسبة 60.9%، وساهم في ارتفاع معدل العنف الأسري الموجه ضد الأطفال داخل الأسرة بنسبة 60.2%، وعن مدى تأثير الحصار على ارتفاع مستوى العصبية والتوتر والقلق داخل الأسرة فكان بنسبة 85.2%، وعن أثر الحصار على التعليم داخل الاسرة فإن 56.7% اعتقدن أن الحصار تسبب في ارتفاع نسبة الرسوب بين الأطفال داخل الأسرة، واعتقدت 64.2% أن الحصار تسبب في حصول بعض أفراد الأسرة على معدلات دراسية متدنية.
كما اثر الحصار على عدم قدرة أحد افراد الأسرة على العلاج بالخارج بنسبة 58.7% وتسبب في عدم قدرة الأسرة على توفير تكاليف العلاج لأحد مرضاها بنسبة 57.7%.
كما أشار البنك الدولي إلى أن نسبة الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يعيشون في فقر مدقع ارتفعت من 33.2% في عام 2006 إلى 35% في عام 2007 – أي ما يعادل نصف مليون شخص تقريبا. وتتلقى نسبة عالية من السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة مساعدات غذائية أو نقدية. وفي حال حسم هذا الدخل المتأتي من المعونات, فإن معدلات الفقر ستصعد إلى 79.4% في قطاع غزة و45.7% في الضفة الغربية.
واستنادا إلى مسح للأسر المعيشية أجري وجها لوجه مع 1100 رجل وامرأة بالغين في جميع أنحاء قطاع غزة في الأسبوع الأول من شهر مارس 2009، تم تحديد أهم النتائج التالية فيما يتعلق بتأثير واحتياجات وتصورات كل من الرجال والنساء في أعقاب الـ23 يوما من الهجوم عسكري التي شنته إسرائيل في ديسمبر 2008.
ففي أعقاب الهجوم الاسرائيلي، شهدت الأسر ارتفاعا في نفقاتهم على الأساسيات الغذائية من طعام وماء، و ذلك على حساب الاحتياجات الثانوية مثل التعليم والملبس والرعاية الصحية، وكان الأمر مختلفا بشأن النفقات على الصحة النفسية، والتي شهدت الأسر ارتفاعا كبيرا في نفقاتهم عليها كما الحال في الغذاء والماء، وأعرب حوالي 20٪ من الأسر أن احتياجات الأولاد تعتبر ذات أولوية عند وجود نقص في الغذاء في البيت. أما كبار السن من الرجال والنساء بين أفراد الأسرة فهم الأقل احتمالا من أن يحظوا على أولوية عند وجود نقص في الغذاء، وتظهر الأسر التي تعيش في فقر مدقع أقصى درجة من تقاسم المواد الغذائية الشحيحة وبشكل متساوي بين جميع أفراد الأسرة.
وأما عن أكبر تغيير في الأنشطة اليومية للرجال في أعقاب الحرب، فكانوا يقضون وقتا أطول بكثير من قبل بحثا عن الوقود المحلي. وبالنسبة للنساء، فقد كان أكبر تغيير في أنشطتهن هو انخفاض الوقت المستغرق في الطبخ، وقد يرجع ذلك لعدم وجود وقود الطبخ ،أو قد يكون إشارة لانخفاض في الأمن الغذائي.
في حين أن 60٪ من أفراد العينة ذكرت أنها قد تلقت المساعدات الغذائية في وقت نهاية الحرب، إلا أن نصفهم تقريبا عبر عن استيائهم من المساعدة التي تلقوها. والسبب الرئيسي لعدم الرضا هو كمية المساعدات، ولكن 15٪ من أفراد العينة قالت أن المساعدات لا تتناسب مع احتياجاتها. فالنساء والمشردين وأفراد من العينة في منطقة رفح، والذين هم في الغالب من يمكنهم تقييم المساعدات الغذائية، قالوا عن تلك المساعدات أنها لا تتناسب مع احتياجاتهم.
وحتى قبل الحرب، أعرب 20٪ من النساء و 10٪ من الرجال أن أسرهم اعتمدوا على الجمعيات الخيرية والمساعدات من الأونروا كمصدر أساسي للدخل، حيث يعتمد 40٪ من الرجال والنساء على مساعدات الأونروا والجمعيات الخيرية كمصدر رئيسي للدخل الثانوي قبل وبعد الحرب على حد سواء. وعموما يشير العدد المرتفع لأفراد العينة المعتمدين على مصادر ثانوية للدخل إلى ارتفاع معدل الفقر في الدخل بين الأسر في غزة
كما أظهر أفراد العينة ارتفاعا في مستوى القلق إزاء العنف المنزلي كما يظهر ازاء العنف العسكري الإسرائيلي. وكان أعلى ارتفاع ملحوظ في العنف المنزلي ضد المرأة بين الأسر التي شردوا بسبب الحرب في جنوب قطاع غزة ، حيث يوجد أيضا أعلى ارتفاع ملحوظ في العنف المنزلي ضد الأطفال.
في حين أن العنف المنزلي ذكر على أنه مشكلة أساسية تتعلق بالسلامة تواجه النساء والفتيات في مجتمعاتهم المحلية، فإن العنف العام والسياسي ذكر على أنه المشكلة الأساسية التي تتعلق بالأمن والأمان تواجه الرجال والفتيان. وإلى حد كبير، ذكر أفراد العينة من الذكور أكثر من الإناث بأن عرضة الرجال للعنف العام - بما في ذلك العنف الداخلي - تشير إلى أن ذلك العنف مصدر قلق بالغ بالنسبة لهم.
النساء الفلسطينيات تحت سطوة الضغوط والأعباء النفسية بسبب الحصار:
تتعرض النساء الفلسطينيات القاطنات في قطاع غزة لضغوط نفسية أكثر بعد الحصار على قطاع غزة وتحديدا بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع، فقد أكدت الكثير منهن خلال مجموعات مركزة ولقاءات غير رسمية أنهن يعانين من الأرق وقلة النوم والقلق والخوف، والكبت النفسي، وإحساس عارم بالاختناق ورغبة جامحة بالبكاء، إضافة إلى التشتت وعدم التركيز، كما أنهن أصبحن عصبيات مع أولادهن في البيت
تقول إحدى النساء اللواتي يعشن قرب عبر كارني: "أنا يمكن اكثر وحدة تعرضت لضغط نفسي بعد الحصار وهذا الضغط النفسي سببه اليهود، لانه أنا ساكنة عند معبر كارني عند الحرب والموت والدمار احنا اكثر ناس عانينا من الحصار والحرب وأيام الحرب نشوف الشهداء المرميين على الأرض واحنا مش قادرين نسعفهم لأنه الصواريخ ما كانت ترحم حدا، وكمان في الحرب اليهود ضربوا قذيفتين في داري، وانضربت الدار واحنا جواها وأولادي صغار وعندي 8 أولاد و5 بنات، زوجي كان يشتغل في إسرائيل ولما انفرض الحصار بطل يشتغل واحنا عايشين على سترالله، بحلم بكوابيس بتخنقني وبكوابيس طيارات بتقصفني، ودائما بحلم وبعيط ولما اقوم من النوم بعيط وما بعرف انام علي جنب واحد دايما بتقلب أنا بلجأ لزوجي وهو كويس معي لانه مليش لا ام ولا اب ولا اخ ولا اخت كل أهلي برة البلد"
وتقول إحدى النساء بما يتعلق بالجانب النفسي من منطقة الزيتون: "اتعرضت لضغط نفسي بسبب الخوف و خاصة على أولادي و زاد الخوف بعد الحرب، ما كان وضعنا هيك قبل الحصار لأنه كنا مرتاحين نفسيا بناكل و بنشرب وبنصرف، كنا نجتمع أيام الحرب ونصلي و ندعى، و بالليل بننام بالجلبابات و نسلم أمرنا لله و نقول المكتوب ما عنه مهرب و نتوكل ع الله و ننام، زوجى كان موظف في هيئة البترول و الوضع كان كويس و أولادي كلهم شباب بالجامعات لكن بعد الحصار زوجي بطل عن الشغل و الوضع ساء و الظروف صارت صعبة و صرنا نشتهى الشيكل، و لما اقعد اتذكر ايام العز اللي كنا في احس حالي بدى انجن و مش مصدقة الوضع اللى وصلنالو. كنت دايما ابكى و افضفض لأمي و أخواتي."
واشارت النساء إلى لجوءهن لقراءة القرآن لتهدئتهن ومساعدتهن على النوم، كما أنهن لا يتناولن حبوب مهدئة لرفضهن ذلك وإيمانهن بأن الله خير مفرج للهموم، كما تمحورت اجاباتهن حول ( الأكامول والتروفين والمسكنات)، كما ينتهزن أي فرصة للخروج من المنزل والابتعاد عن المشاكل والطلبات الكثيرة، حيث تشعر غالبيتهن بالراحة عند الخروج من المنزل والالتقاء بالصديقات اللاتي يشكلن دعماً نفسياً لهن، وتجمع النساء أن ما يصبرهن هو أن البلاء على الجميع معزيات ذلك للحصار وانعدام الدخل وهو أمر مستجد و مرهون بالوضع الحالي حيث توقف الزوج عن العمل ولم يعد هناك مصدر ثابت للدخل، ولم تتلقى أي من المبحوثات دعم نفسي من مؤسسات او أطباء نفسيين لكن لجأن للفضفضة للأقارب أو البكاء أو الذهاب لجلسات التفريغ النفسي أو الدورات أو الندوات التي تنفذها المؤسسات القريبة إلى أماكن سكناهن ويسهل وصولهن إليها.
ومن أهم الوسائل التي لجأت لها المبحوثات لتفريغ الضغط النفسي وشعورهن بالتشتت كانت الطرق التالية:
(البكاء، اللجوء للنوم، الجلوس أمام باب البيت، زيارة الأقرباء، الثرثرة والتفريغ لآخرين، مشاهدة التلفاز، والانشغال بأي شيء، الاستماع للأغاني بصوت عالي، ممارسة تمارين استرخاء، العصبية على الأبناء والصراخ، الكتابة، الاستماع للموسيقى).
تأثير الحصار الإسرائيلي على الوضع الصحي للنساء الفلسطينيات:
في دراسة حديثة لمركز شؤون المرأة بغزة أكدت على تدهور الوضع الصحي للنساء الفلسطينيات وخاصة الوضع النفسي وانعكاسه على الصحة البدنية، فقد كان الحصار والإغلاق سببا رئيسا في تفاقم الوضع الصحي وازدياد بعض الأمراض حيث زادت نسبة النساء اللواتي يعانين من الضغط وارتفعت من 28% قبل الحصار إلى 34% بعد الحصار، وارتفعت نسبة الإصابة بمرض السكري من 11% قبل الحصار إلى 16% بعد الحصار، ومرض الصداع- الشقيقة من 4% قبل الحصار إلى 9% بعد الحصار.
كما وحسب مركز الميزان لحقوق الانسان ( 2011) شهدت الفترة من 20/8/2010م حتى 30/6/2011 رفض قوات الاحتلال (234) طلباً للحصول على تصريح، ولم تعطي رداً في (670) طلباً، واستدعت (167) مريضاً للمقابلة الأمنية في معبر بيت حانون (إيرز)، مما يعني مزيدا من الضغوط المعتمدة من الاحتلال الإسرائيلي تجاه المرضى الفلسطينيين واستغلال اوضاعهم الصحية وحاجتهم للعلاج.
تقول نهى خليل صالحة (43) عاماً من مخيم جباليا شمال قطاع غزة: "حالتي الصحية متدهورة وسيئة جداً حيث قدمت ثلاثة مرات لتصاريح لأتمكن من السفر للخارج، ورفضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بدون أي سبب يذكر، وضعي النفسي سيء، فأنا محبطة ويائسة خاصة مع رفض أخر تصريح، شعرت حينها أني محطمة وبكيت كثيراً مع أن البكاء ممنوع لصحة عيني".
وتضيف: " أعاني من مرض الاضطرابات بالعين، وتابعت العلاج في مستشفى النصر للعيون بمدينة غزة، ونتيجة لعدم توافر الإمكانات العلاجية في غزة نصحنى ولكنى الأطباء بضرورة متابعة العلاج خارج غزة"
وتكمل وضعي الاقتصادي سيء جداً، حيث سعيت للحصول على تغطية مالية من دائرة العلاج التخصصي التابعة لوزارة الصحة لنفقات العلاج بتاريخ 23/3/2011 وحصلت على حجز لدى مستشفى مركز مسلم للعيون بموعد دخول للمستشفى في تاريخ 11/4/2011 وتقدمت بطلب لدى مكتب تنسيق الصحة في الشؤون المدنية بغزة بتاريخ 3/4/2011 والذي يختص بالتنسيق مع السلطات الإسرائيلية لعبور مرضى غزة معبر بيت حانون (ايرز) للوصول إلى المستشفيات في الضفة والقدس وفي نفس موعد دخولي للمستشفى أرسلت المخابرات الإسرائيلية ردها بأن طلب ابنى مرفوض ولذلك جددت أوراقي وحصلت على حجز لدى المستشفى في تاريخ 11/5/2011 وجددت التحويلة بتاريخ 2/4/2011، وتم رفض طلب تصريحي للسفر بعد ذلك ثلاث مرات متتالية."
وتقول صالحة" علاقاتي الاجتماعية تقلصت جداً مع أنى كنت أحب الزيارات الاجتماعية، أما الآن مع الأسف أفضل البقاء في البيت، ولا أستطيع استقبال الناس في بعض الأحيان بسبب مرضى لأن عيني تخرج صديد وتفرز مواد ممكن أن لا أنتبه لها في وجود الناس مما يسبب لي الإحراج واتعب لنظرة الإشفاق في عيونهم، حتى أطفالي تأثروا بسبب مرضي، وأصبحت حالتنا النفسية سيئة أكثر من ذي قبل وكل ذلك بسبب حرماني من حقي في العلاج من الاحتلال الإسرائيلي وحواجزه التي يحاصرنا بها".
وأجمعت النساء في المجموعات المركزة على وجود تمديدات الكهرباء في جميع البيوت لكن المشكلة تكمن في انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة خاصة أنها زادت بعد الحرب، مما يضطرهن في هذه الحالة اللجوء لوسائل أخرى (كالمولد، لمبة الكاز، شمعة، شمبر) للإنارة، كما كن يلجأن إلى استخدام النار لإعداد الخبز مما سبب لهن حساسية وضيق نفس وزاد من اعبائهن اليومية، كما وأكدت النساء على انقطاع المياه بكثرة مما يضطرهن إلى شراءها للقيام بأعمالهن
تقول سيدة من خانيونس: "إن المشكلة يعاني منها الجميع في ساعات قطع الكهرباء، وهذا يؤثر على ساعات الراحة نعمل حتى في أوقات متأخرة بالليل وقت توفر الكهرباء لإنجاز أعمال البيت والغسيل"
تقول أم محمد من مخيم النصيرات:
"لما تقطع الكهربا بعرفش أعمل ولا اشى من شغل البيت بيخرب عندي العجين لأنها بطول وهى قاطعة وما بكون عاملة حسابى ،الكهربا ما الها وقت بتقطع فجأة، نفسيتى كتير تعبت صرت عصبية بزيادة كل اشي مطلوب منى الأكل والغسيل ولما تقطع كل شي بقف، بشعر بالذل والإهانة لما بصحى بالليل وكل البيت نايم وبقوم أحضر الأكل لليوم التانى، قطعة الكهربا زادت المعاناة علينا من فقر وحصار، احنا عنا موتور لكن بدو مصروف تانى بدو بنزين وزيت ولما يخرب بدو تصليح واحنا يدوب بندبر مصروف البيت، غير صوت الضجة العالى لما نشغله وريحة الدخان اللى بيعمل أمراض بيأثر على الصغار والكبار، كل انسان منا بيتمنى أولاده يتفوقوا مش ينجحوا بس وانا أولادي نزل معدلهم عن قبل بسبب الكهربا، بنتي بتحط الشمعة قبال الكتاب علشان تدرس للامتحانات ولما اشوفها بحزن عليها وبحكيلها خلص روحي نامي جيبي علامة النجاح وبس،بتمنى ينفك الحصار ونعيش حياة طبيعة زي العالم والناس"
حالة السكن ورضا النساء الفلسطينيات:
كما وعبرت غالبية السيدات عن عدم رضاهن عن السكن الحالي لأسباب عدة خصوصا السكن في الأماكن الحدودية في قطاع غزة ، فهم أكثر عرضة للهدم والقصف والتوغلات الاسرائيلية، فمنهن من تعرضت بيوتهن للهدم بشكل كامل خاصة بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة مما اضطرهن للجوء إلى أماكن أخرى سواء السكن في شقة بالإيجار بتكلفة عالية على الرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية، أو غرفة في بيت أحد الأقارب، ومنهن من تضررت منازلهن بشكل جزئي، مما جعلها غير ملائمة للسكن، كما وأشارت السيدات إلى عدم مناسبة حجم البيوت إلى عدد أفراد الأسرة، كما وتعاني بعض السيدات من مشكلة الصرف الصحي وما يترتب عليه من تبعات، على العكس من ذلك فقد عبرت بعض السيدات عن رضاهن عن السكن خاصة الذين يسكنون في المدن بعيدا عن المناطق الحدودية.
حيث أجمعت النساء أنهن يعشن ظروف صعبة خاصة بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة حيث تعاني من عدم صلاحية البيت للسكن، كما وتقيم عائلة كاملة في حجرة واحدة غير ملائمة، أيضا لا تتوفر لهن غرفة مستقلة بالمعنى المفهوم فهي قد تكون غرفة نوم لها ولأطفالها أيضا ولا توجد خصوصية في البيت خاصة اللواتي يسكن في بيت العائلة، على عكس ذلك أشارت بعض النساء إلى وجود بيت ملائم للسكن وغرف مستقلة حسب وجهة نظرهن.
تقول إحدى النساء: "كنت عند سلفي وحامل وبالليل يجي الطلق، وكل شوية بدي اروح الحمام، كنت اخجل كتير اخدوني على المستشفى، راح الطلق مع الخوف روحت الصبح عند اختي لقيت ابن اختي استشهد والعصر صار معي طلق وولدت"
تقول سيدة من البريج: "لم أجد خصوصيتي في بيتي، ولم يكن لي غرفة " بنام في قاع البيت، والمكان كله مترين في متر غرفتي أعتبرها لبناتي، عشان اخوتهم شباب بناموا في غرفتي وانا في الصاله"
دائرة العنف وانعكاس السياسي على الاجتماعي وتأثيره على النساء:
أكدت العديد من الدراسات السابقة أن دائرة عنف الاحتلال تؤدي إلى زيادة العنف المجتمعي والعنف الأسري على النساء الفلسطينيات ويصبحن هن ضحايا للأوضاع السياسية غير المستقرة ويفقدن الأمن والسلامة في حياتهن اليومية.
فقد أشارت 30% من النساء في قطاع غزة أنه حدثت حالات عنف في محيطهن الأسري بشكل متوسط بسبب ضيق الحال واستمرار الحصار على غزة، و22% حدثت بشكل مرتفع قليلا.
وعبرت النساء المبحوثات عن ارتفاع ملحوظ في التصرفات العنيفة التي يمارسها الزوج بحقها إذ كانت نسبة هذه التصرفات قبل الحصار تصل الى 3.1% ولكنها ارتفعت الى 11.3% بعد الحصار.
وأفادت حوالي ثلث النساء المبحوثات بأنهن سبق وتعرضن للعنف العائلي بنسبة 32% بعد الحصار.
هذا وأكدت 17% من النساء المبحوثات – حسب دراسة مركز شؤون المرأة- بأن العنف زاد بحقهن، ونسبة 40% أكدن أن العنف زاد بحقهن نوعا ما، وفي نقاشهن لأسباب زيادة العنف أجمعت 57.4 % أن السبب المباشر كان عصبية الزوج، بينما أرجعت 36% ذلك إلى قلة الدخل بينما توزعت باقي النسب إلى أسباب مثل التدخلات الخارجية، وأهل الزوج، وزواجه من أخرى واختلاف في العادات وتعاطي المخدرات وعدم الانجاب.
العنف المنزلي زاد بسبب الحصار الإسرائيلي:
واعتبر ما يقارب 39% من الرجال المبحوثين أن العنف زاد بعد الحصار في الأسرة ، وفي رأي من قالوا بازدياد العنف أن السبب الأساسي لهذا هو قلة الدخل بنسبة 75.2% تليها عصبية الزوجة بعد الحصار بنسبة 12.7% يليها الوضع السياسي 3.6% ومن ثم الضغط النفسي بنسبة 2.6% و غلاء المعيشة بنسبة 2.3% وغيرها من التدخلات الخارجية مثل المشاكل العائلية بنسبة محدودة تصل الى 1.3%، وضيق المسكن بنسبة 1.0%.
هذا وعبر 41.2% من المبحوثين عن تسبب الوضع الاقتصادي في زيادة المشاكل والعنف في محيطهم الاجتماعي قبل، ولكن هذه النسبة ارتفعت بشكل كبير لما بعد الحصار اذ وصلت لمن اتفقوا بان الوضع الاقتصادي ساهم في زيادة المشاكل والعنف في محيطهم الاجتماعي بعد الحصار الى ما يقارب 82%.
وعبر ما يقارب 53% من المبحوثين انهم يعتقدون ان العنف النفسي يعتبر من أكثر أنواع العنف التي زادت بسبب الحصار، تلاه 43% من المبحوثين اعتقدوا أن العنف الاقتصادي هو الذي ازداد بشكل كبير بسبب الحصار، وبفارق كبير في المرتبة الثالثة ذكر 3.3% ان العنف الجسدي من أكثر أنواع العنف التي ازدادت بسبب الحصار، .8% منهم ذكروا ان كل انواع العنف المذكورة انفا قد ازدادت بسبب الحصار.
هذا واتفق نصف المبحوثين أن الأطفال هم ضحية زيادة العنف في المنزل، ورأى 23.3% أن زوجاتهم يعتبرن ضحايا للعنف، واعتبر ما يقارب 22% أنفسهم ضحايا للعنف في المنزل، ورأى ما يقارب 4% من المبحوثين انهم يعتقدون ان الجميع في المنزل ضحية للعنف.
وأجمعت غالبية المبحوثات أنهن يتعرضن للعنف بأشكاله المتعددة من عنف لفظي وجسدي وغيره، والذي زاد بعد الحصار بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وقد يلجأ الزوج إلى الشتم والتوبيخ والسب والصراخ على زوجته وأولاده بسبب العصبية
تقول سيدة من بيت لاهيا: "زمان كان منيح كتير زوجي قبل الحصار، كان يشتغل منيح وفجأة قالي امك عايزاكي روحي عندها، وتاني يوم الصبح اتصل على ابويا وقله قابلني في المحكمة بدي اطلق بنتك بسبب الوضع المالي، وحس إنه فقد كرامته لأنه مش قادر يعيشني بمستوى مقبول، و كنت حامل وقتها حامل، لكن اهلي استوعبوه وطولوا بالهم عليه وأقنعوه انه الأرزق بيد الله وما رضيو يطلقوني ووقوفوا معنا."
تقول سعاد من منطقة الزيتون: "تعرضت للضرب من ابويا كان يضربني بالبربيش اما زوجي ما كان يضربني بس كان يشتمني وانا كنت اضل بالبيت ما الجا لحدا كله هاد عشان امشي حياتي وعشان خاطر أولادي، لأنه الظروف هي بالي بتخلي الواحد يعصب ويطلع عن طوره وزوجي تغير بعد الحصار وصار عصبي اكثر واصلا هو صار يشتمني ويغلط علي بعد الحصار لأنه صار طول الوقت قاعد بوجهي"
تقول السيدة فريال: "اتعرضت للضرب من زوجي ودايما بيضرب الأولاد، وأنا أحاول امنعه فكان يحطني فوقهم و يقلي انتى خربتى الأولاد، وكان يضربنى الكف و اغيب عن الوعى، زادت عصبية زوجي بعد الحصار بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، وغصب عني بدي اتحمل لنه اهلي بيقولولي خليكي على الحلوة والمرة مع جوزك!! عيشي زي باقي الناس ماهي عايشة ومش لنه صار فقير وايده قصيرة صرتي ما بدك تتحمليه..!!".
هذا وقد أقر 46.2% من الرجال المبحوثين انهم تغيروا بعد الحصار في اكثر من مجال، وعبر حوالي ثلثي المبحوثين 67% أقروا أنهم يشعرون بأنهم أكثر عصبية وعنفا منذ الحصار.
هذا وأجمعت معظم النساء على تزايد العنف في بيوتهن بشكل ملحوظ خاصة بعد الحصار بسبب الأوضاع الاقتصادية فقد زادت عصبية الزوج، وزاد شجار الأولاد فيما بينهم، وأصبح الزوج يضرب زوجته وأولاده، وهذه بعض الأقوال من النساء في المجموعات المركزة:
بثينة : "بعد الحصار صار عصبي كتير 24 ساعة مشاكل وزعيق، الفاظ سيئة وضرب، العنف اللفظي بيأثر أكثر كمان من الضرب، انا اجاني الضغط من الألفاظ السيئة، وهاي كلها زادت مع الحصار، البطالة وقلة الشغل هي السبب في العنف، لما بيقعد في البيت بنصير زي البنزين والنار"
وتقول سيدة من البريج: "جوزي صار يضربني ويطردني ويحكيلي روحي ولما بروح اهلي بيرجعوني، هو لما بتزيد الوضع المادي صعوبة بتزيد عصبيته ولما الوضع الاقتصادي بتحسن بيصير احسن، هو زاد بشكل كبير بعد الحصار لانه قاعد في البيت وبتفشش فيا انا والاولاد، لكن لما بيطلع بنشغل عنا وبيلاقي اهتمامات وبيحس انه منتج وعايش"
ويتضح من اقوال النساء والعبىء الإضافي والضغط الذي يجبرن على تحمله رغما عنهن ليتحملن عصبية الزوج وتدهور الوضع الاقتصادي يكون غالبا على حسابهن فهنالك من لا تتمكن من شراء ملابس جديدة لها او لأبنائها فترة الأعياد والمناسبات ويعجزن عن توفير ادنى المتطلبات لأبناءهن وبناتهن فتصبح مكرهة على تدبير مصروفات البيت بأن تعمل في مهن لا تتناسب مع كرامتهن كجمع الحصى مثلا في المناطق الخطيرة والعمل في الزراعة كجامعات للثمار خاصة في المناطق الريفية في ظروف عمل قاسية وذلك في سبيل التحايل والتكيف مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة والتي تقطع أواصر الأسر الفلسطينية.
إن الضغوط والأعباء اليومية التي تعانيها المرأة الفلسطينية تجعلها بين فكي الرحي ما بين تقاليد اجتماعية ونظرة دونية وما بين ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وسياساته الهادفة لتدمير الإنسان الفلسطيني ورغم كل ذلك تكافح وتناضل النساء بطرقهن الخاصة بعيدا عن اعين الإعلام وبعيدا عن حساسية التقارير الدولية لدورها المصيري في الحفاظ على نسيج الأسرة الفلسطينية.
المراجع:
(1) اختناق قطاع غزة تحت الحصار الاسرائيلي منظمة العفو الدولية 2010
(2) مركز الميزان - وتستمر الانتهاكات- تقرير إحصائي حول الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بسكان قطاع غزة جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة خلال العام
(3) غزة تقرير ما بعد عام واحد – تقييم احتياجات الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار في غزة –UNDP
(4) من خلال عيون النساء تقرير عن الجندر وأثر عملية الرصاص المصبوب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان PCHR)2009)
(5) مركز شؤون المرأة- غزة: دراسة الحصار والانقسام السياسي، (2008)
(6) مركز الدراسات النسوية– النساء والنزاع المسلح والفقدان– الصحة النفسية للنساء الفلسطينيات في المناطق المحتلة: د.خولة أبو بكر، د.نادرة شلهوب –كيفوركيان، أ. ساما عويضة ، د. الياس ضبيط – تشرين ثاني 2004
(7) تحديد أولويات قضايا النساء في قطاع غزة مركز شؤون المرأة- غزة (2009)
(8) دراسة حول أثر الحصار على الأسرة الفلسطينية في قطاع غزة من وجهة نظر المرأة، جمعية الدراسات النسوية التنموية، تموز – آب / 2008
(9) القابضات على الجمر: دراسة في العنف الأسري ضد المرأة في قطاع غزة من منظور نسوي- مركز شؤون المرأة- غزة (2005)
(10) المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان"أوهام الانسحاب" تقرير حول: انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بمناسبة مرور عام على تنفيذ خطة الفصل 1-أكتوبر-2006
ــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتبة ومنسقة برنامج الأبحاث والمعلومات في مركز شؤون المرأة- غزة
thank you
ردحذفمدير موقع مؤسسة التنظيف الدوليه