الحريات الشخصية للمرأة
مابين سند الحق ومعاول القهر والظلم
كتبت: هداية شمعون
تقول باحثة البادية ( ملك حفني ناصيف): "صخور التقاليد القديمة تدمي أقدامنا الاجتماعية"
.. الثقافة.. الهوية.. الدين.. المجتمع.. البصمة.. الصمت.. الخطاب الجمعي.. كلها أيقونات تتحول إلى لغم في وجه كل النساء في وقت ما في مجتمعاتنا العربية عامة ومجتمعنا الفلسطيني خاصة..
إنه حقل ألغام كما وصفه الكثير من الكتاب والباحثون، فقضية المرأة في مجتمعاتنا العربية هي حدود هذا الحقل الملغم، ففي كل خطوة من خطوات المجتمع يصطدم بالكثير من القيم الاجتماعية من عادات وتقاليد ومقدسات راسخة، وبمجرد التطرق لموضوع المرأة فإنك تجد الجميع قد تحول إلى مفتي أو عالم بأمور النساء أو حكم وقاضي وجلاد، ولا يمكن أن نعفي مبرر التمسك ببعض التقاليد والعادات التي ساهمت في التمييز ضد النساء في المجتمعات العربية والتنشئة الاجتماعية جعلتها دوما مراقبة وتحت وصاية ذكورية.
.. الحلال والحرم، الصح والخطأ، إمرأة رجل!! دائما هنالك طريقان تدفع المرأة دفعا إلى أحدهما دون آخر فكما قيل في تراث الغرب -الخطيئة إمرأة - فإن ما تقوم به المرأة هو حرام وخطأ وذلك لأنها إمرأة، لا يجب أن تفعل كذا ولا كذا.. وعليها علامات تساؤل فالمنظور التقليدي للمرأة هو نظرة عمياء إذ تختزل المرأة بجسدها ومن هنا تبدأ أحكام المجتمع نحوها.
تسلط ذكوري
ففي الأسرة الأبوية تجد الذكور يتسلطون على النساء حتى لو كانوا أصغر منهن! حيث يبدو المجتمع العربي وكأنه إقطاعية رجالية، يقف على رأسها الأب، يليه ذكور العائلة ثم النساء ويتجلى هذا التسلط في فرض لباس معين أو تخصص تعليمي محدد أو الحد من حريتها في الحركة أو التنقل أو حرمانها من العمل أو إجبارها على الزواج أو العكس باجبارها على العمل أو الحرمان من الزواج في حالات الميراث أو حالات مشابهة- فهو قرار الذكور وليس قرارا خاصا بحياتها، فحياة النساء تحت تصرف الذكور ورؤيتهم وقراراهم، وقد يصل الأمر إلى حد استباحة قتل الإناث تحت مبرر شرف العائلة إن رأت ذلك وقرر ذلك رجال العائلة!!
لقد تراجعت السلطة الأبوية بفعل العديد من المتغيرات المجتمعية وخروج المرأة للتعليم والعمل ومشاركتها في الحياة العامة بقدر لم ترضاه النسويات حتى الآن إلا أن هذا التطور والتغيير لا يعني بازالة الحجاب ما بين النساء والمجتمع فهنالك العقلية الذكورية لازالت متجذرة ولازالت التبعية وصناعة القرار بيد السلطة الأبوية، وإن زادت هذه المرونة تجد المجتمع والبيئة المحيطة تجبر أفرادها على تقليص هذه المساحات المتاحة.
الإزدواجية
إن مسألة فرض لباس أو هيئة محددة للنساء هو إصرار على فرض السيطرة والتحكم بحياتها كاملة وكأنها إنسان ناقص وليست لها الأهلية لقيادة أمور حياتها بما لا يتعارض مع الإطار المجتمعي المحافظ بنهاية الأمر، إلا أن هذا الخيار أيضا بات معدوما فحين تقرر إحدى الجامعات المحلية تصدير بيان بهذا الشأن فقد تجاهلت تماما ما لها من العمل على المضمون والمحتوى الجامعي والتربوي والأخلاقي وتركت الأمور الجوهرية والشائكة لتنشغل بأمور شكلية لا علاقة لها به، فالإطار العام في قطاع غزة بالأساس محافظ جدا، فلماذا يتوه أولى الأمر في موضوع المرأة مرة أخرى !! إن قراءة سريعة تشير إلى وجود أزمة فكرية ومعرفية وعجز عن التأثير في المحيط المجتمعي أو السياسي أو التعليمي أو الثقافي، وشلل كامل في القدرة على التغيير أو التحسين أو حتى التدخل فيجد أصحاب هذه النظرية مدخلهم الأساسي بلباس وهيئة المرأة كالشماعة التي تشعر صاحبها أنه يفعل أو يقرر شىء.!.!
والغريب في الأمر أن أحدا لم يفكر لو أن أحدا فرض عليه لباسا غير مقتنع به كيف يمكنه أن يطبق الأمر، وكيف يمكنه أن يتعامل ويكون إنسانا سويا فيما يفعل عكس قناعاته وفكره؟ ومرة أخرى نصر على التأكيد أن الإطار العام هو إطار محافظ وليس تحرري بالمعنى المتداول عربيا أو دوليا، هل سيكون إنسانا سويا، وإن لجأ للتحايل على تنفيذ هذا القرار فإنه كما قالت العديد من النساء اللواتي تعرضن لهذا الضغط – الإزدواجية- ففي الجامعة لباس وفي المحيط الخارجي لباس آخر؟؟ ما يؤدي إلى فقدان الإنسان ثقته بنفسه وبقراراته وقدرته على التحكم في حياته، فقد تم كبت حرية النساء بكل الطرق وبكل الأحوال هو أمر مرفوض تماما.
تقول إحدى الطالبات الجامعيات: " على قناعة بأن لا أرتدي حجابا على رأسي وأسرتي على ذات القناعة إلا أن نظرة المحاضرين والمحاضرات وكذلك العاملين بالجامعة وحتى زميلاتي الطالبات تجعلني أشعر أني معزولة وأفعل أمرا معاديا للثقافة السائدة وحاولت ألا أتأثر بنظراتهم وبكلامهم إلا أن الأمر يعني صراع خفي يومي كلما خرجت للجامعة، ولم أجد بدا أن أرتديه في إطار الجامعة لأتخلص من صراعي مع المحيط."
وفي ذات السياق أستذكر في بداية عملنا الصحفي فقد لجأت إحدى الصحافيات للعمل في إحدى المحطات الفضائية التي اشترطت عليها أن ترفع الحجاب (غطاء الرأس) كشرط للعمل في الفضائية التي وافقت عليها كفتاة كفوءة لكن هذا الشرط هو لا يختلف كثيرا عن فرض هذا الحجاب كما حدث مع إعلامية أخرى وفضائية أخرى اشترطت ارتداء غطاء الرأس، فما كان من كلتاهما في سياق زمني مختلف أن ترفضا وهو ما يجب أن يحدث في كل الأحوال، فالمظهر الخارجي هو حق للإنسان بالهيئة التي يظهر بها وتعبر عن فكره وهويته وكينونته وحريته أيضا وليس من حق أحد أن يمارس الضغط أو الحرمان لهذه الحرية أو المساومة عليها لأن المرأة يجب أن تعامل كإنسان وليس كشىء أو كموضوع بل هي كيان إنساني مستقل- جزء من الكرامة الإنسانية التي شرعتها الكتب السماوية- لا ينتظر وصاية أحد لأنها قادرة على اتخاذ قرارات حياتها المصيرية ومكفول لها حرياتها الشخصية والعامة وهذا ما يجب العمل عليه من الجيل الشاب الذي يتوجب أن ينتبه لهذه القضايا في عمله على جانب الضغط والمناصرة لأن من حق الجميع أن يعيشوا بكرامة وحرية على هذه الأرض.
ــــــــــــ
المرأة العربية بين ثقل الواقع وتطلعات التحرر- مركز دراسات الوحدة العربية
إرسال تعليق Blogger Facebook