0

الإعلاميات يتصدرن المشهد

عن ثقافة الخوف وضريبة الحريات

بقلم: هداية شمعون (*)

..أن تصاغ الأقوال والأنغام والسجع في الحريات الفكرية أمر مشرعة أبوابه وتزداد المساحات المتفائلة والمشجعة له، أن تكتب حتى تفرغ قريحتك من الكلمات في المعجم المحيط فلك ذلك.. أن تغرد عبر تدوينتك أو تبرق الصور عبر الفيس بوك أو تكتب مقالات في مدونتك أو أو... فافعل ذلك دون ضجيج، أما أن تمارس حقك في الحريات الفكرية وحرية الرأي والتعبير وحرية الدفاع عن نفسك فهذا أمر آخر يختلف فيه معك أقرب المقربين..!

أن تسحق مساحتك الضيقة أساسا فهذا مقبول، أن تجبر على الصمت وأنت منتهك حقك فهذا أمر مشرع، أن تمس بشعارات الحرية والكلمات المنمقة التي تكبر يوما بعد يوم في يافطات المؤتمرات وفي السبوتات التليفزيونية فهذا يعني أنك أصبحت تغرد وحيدا خارج السرب ويكثر طاعنوك، فأنت بتفصيلة مجتمعية مدنية سياسية ثوب بات مرقعا فلتبقه مرتقا كما أنت لا يجوز لك أن تفصل شيئا على مقاس حريتك لأن حريتك هي امتداد مصالح الآخرين أفراد وجماعات.. نحن جميعنا بتنا عراة في مجتمع تكثر أقمشته وعباءاته، فقد بتنا نطبل ونزمر ونعبد أسماءا وكراسي بوعي وبدون وعي..!!

إن ثقافة الخوف التي باتت جزءا من مشهد موجع يعج بالانتهاكات الخاصة والعامة باتت أغلالا تكبلنا وتذوينا، إن الإشكالية ليست في ظلم وافتراء مسؤولينا ولا في دونية نظرتهم لنا، إن المشكلة الحقيقية تكمن في خوفنا من الدفاع عن حقنا، نحن نخشى دفع ضريبة الحرية بكل ألوانها وأشكالها.. فالحرية لا تجزأ، وليست في خزينة السلطان ليوزعها علينا كيف يشاء.. لقد أصبحنا نتنفس انتهاكا ونصبح ونمسي ونتكلم ونعمل في دائرة متشابكة ومعقدة من الانتهاكات بحقنا ثم ببساطة يطلب منا أن نتكلم بأمان؟!!..

إن مبدأ الحريات ليس عقدا اجتماعيا فحسب فهذا العقد قد انحل بمجرد تخلي المسؤول عن مسؤوليته وواجبه وبدلا من أن يكون جهة دعم وقوة بات مصدرا للانتهاك والقهر، عن أي حريات نتكلم وقد بتنا محاطين بعقلية بوليسية.!! وتجدنا نقول لن نفعل كذا لأنه سيفهم كذا ولن نقول كذا لأنهم سيعتقدون كذا وووو ..

ماذا فعلنا لأجل أن ننال حرياتنا وبماذا فكرنا ونفكر ونحن ننحني صمتا لكل من يكمم أفواهنا؟ لماذا لا ينجح الجهد الجماعي ولا يوجد عقل أو ضمير جمعي في أي قضية كانت سياسية أو اجتماعية لأنا شكليا محسوبين على جماعات وجهات قد تنتهك حقنا ببساطة وتحت ذريعة الانضباط؟! أين هي المساحات التي يجب أن نخلقها كنساء لهذا العالم الجاف وأين هي مساحات التفكير والابداع التي تتوفر لنا لنقول كلمتنا ومن هم وهن اللواتي سيقفن إلى جانبنا.. ولماذا يجب أن يقف أحدا معنا أو ضدنا ولم نعد نؤمن أن بإمكاننا التغيير!! إن التغيير الحقيقي يكمن فينا لقد آن أوان أن تكتشف ذاتك وأن تعرف ماتريد وبئسا لكل من ينظر ويتفلسف بشعارات جوفاء يعمل عكسها.

.. لقد شاهدت التقرير المصور للإعلامية ربى النجار حول موضوع التسول وقد كتبت بعد مشاهدتي للفيديو على صفحة الفيس بوك: " تقرير رائع لربى النجار وجهد نحييها عليه والطاقم بأحرية الرأي والتعبيركمله ولكن كان مهما جدا استكماله فهنالك خيوط وأطراف متعددة تكشف مدى منهجية التسول والضحية بالنهاية نساء بعضهن خرجن تحت ضغط الظروف الاقتصادية، لم أشعر بأنسة البشر وليس كافيا وعود المحافظة أو المسؤولين ! التعامل مع القضية وكأنه وباء يجب القضاء عليه مشكلة حقيقية فالأهم هو اجتماعي ثقافي فكري فمن الممكن القضاء على الظاهرة بالشوارع لكن الأصعب هو كيفية توفير بيئة ملائمة لحماية أخريات وآخرين من هذا الواقع المرير الذي صنعوه بأنفسهم أو رغما عنهم"

ثم بعد عدة أيام ظهر فيديو عبر اليوتيوب يحمل تهديدا سافرا للإعلامية ربى النجار بناءا على التقرير ورغم أن كثيرون رأوا أن التهديد ينم عن جبن الجهة التي تختفي خلفه وكان تصريح الإعلامية قاطعا بأن طريقها واضحة ولن يخيفها أحد، لكن أذكر الواقعة لأن أطراف الحماية من قانون وسيادته ومن أجهزة أمنية وإعلامية أقصى ما لديها بيان صحفي تضامني أما مفهوم الحماية والأمن فهو أمر لا يملكه أحد في بلادنا فمن قادر على حماية نفسه؟!! وهذا يفجر سؤالا مستقبليا من ستخاطر أو يخاطر بالغوص في قضايا الفساد وهو يعرف أن أحدا لن يحميه كما أشارت الزميلة الإعلامية ربى مهداوي في نقاشنا حول الموضوع.. وأنقل السؤال بدوري لكل الجهات الحقوقية والقانونية والإعلامية من سيحمي الإعلاميين والإعلاميات في مجتمعنا الفلسطيني؟ وإذا كان أصحاب الدعم في بعض الأحيان قد تحولوا لمعاول عنف وهدم فعن ماذا نتحدث ؟؟ وهذا ما حدث تماما وفي وقت سبق تهديد ربى النجار وما تعرضت له الإعلامية ومديرة مؤسسة فلسطينيات وفاء عبد الرحمن ومن رأس هرم نقابة الصحافيين الفلسطينيين؟!! فقد عبرت عن رأيها بمقالة رأي موضوعية فيما حدث في اليوم العالمي لحرية الصحافة وتفاجأت بتهديد وقذف وتشويه هكذا دون مقدمات؟!! وإن اعتبرنا أن الإنسان قد يتلفظ في وقت الغضب بكلمات لا يجب أن يحاسب عليها فالأمر مختلف تماما هنا لصفة المنتهك وموقعه وللتهم الموجهة التي لا يمكن القبول أبدا بها أو بالاستخفاف في إطلاقها وكأنه حديث عادي!!

فهل بتنا نقدس الأشخاص أم الكراسي؟ ولماذا نعتبر أن من هو ليس معنا ضدنا؟ وكيف تساق التهم جزافا هكذا للأشخاص ولا نكترث بمدلولات كلماتنا، فهنالك دلالات للعبارات، ودلالات للإشارات ودلالات للنص وبالمجمل هنالك دلالة المفهوم، وهو أننا نعيش ونشرب ونرضع ونعلم ونقول عنفا وتمييزا وقمعا لكل ما هو بشري من حولنا. !! من المضحك أن نتعامل مع نصوص الحريات وكأنها كلمات مقدسة حطت علينا من السماء، ونسوقها في عملنا الإعلامي، ولا نستشف لغة العنف التي نؤطرها فيها كما نريد نحن..!! وليس ما هو واقعي ودقيق ومحدد.. ومن المضحك أن نعتبر كل حوار معركة فيها خاسر ورابح وأننا يجب ألا ننهزم أبدا بهذا المفهوم!! أو أن ننتصر دائما حتى لو سحقنا في طريقنا كل حرية أو فكر أو رأي..!

إن أدوات التفاعل الاجتماعي في حالتنا الفلسطينية هي تعزيز للانقسام والتفسخ والتعصب للرأي الواحد فأن تكون مساحات للرضى والراحة والابداع والتميز بات أمرا مشكوكا فيه!!

فإحدى الإعلاميات تعلن موقفها من حادثة ما عبر الفيس بوك وكأن الجمهور الفيسبوكي هو حكم فيما لم تسوقه من حقائق مبتورة فكانت بعين واحدة وهكذا رأت وقررت وحكمت وحشدت من يوافقها ويطبطب عليها مما لحقها من أذى!! بينما نصف الحقيقة غائبة، حادثة أخرى لإعلامية واجهت حربا شرسة عليها من قبل أحد الأطراف في رأيها الذي عبرت فيه عن زيارة لأحد الشخصيات لقطاع غزة وهي إنما عبرت عن رأيها كما المئات بطريقتها عبر الفيس بوك، وفوجئت بشكوى ضدها في مكان عملها وتحشيد ضدها ورغم أني لا أقدم حكما قاطعا إلا أني أسوق ما يثيره الفعل ورد الفعل لما ينشر ويكتب وكيفية تفكيرنا وسلوكنا تجاهه!!

إن الساحة الثقافية الفلسطينية تعج بالوجع والقهر من ممارسات الاحتلال ولكنها تعج أكثر بانتهاكات حرية الرأي والتعبير والحريات الفكرية وقدرة الجمهور على التفريق بين التعبير عن الرأي وتحويله إلى عراك وسجال وما بين حق كل إنسان الطبيعي بقول ما يريد دون المساس باحترام الآخرين أو التشويه والتعدي على حرياتهم.!. إن هذا الواقع المعاش هو تداعي طبيعي لما نراه ونلمسه ونعانيه اليوم من حجر على كل من يخالفنا الرأي.

هي دعوة لفتح مزيدا من النوافذ واقتراح أكثر لمساحات رأي وتبادله بمهنية وليس بشخصنتها إننا نعيش كأسرة واحدة وأمامنا الكثير لنعطيه للأجيال القادمة فلا تجعلوا الخوف والتخوين والقهر والاقصاء هو ما ستتركونه لهم فقط !!!

وكما قال الفيلسوف بلاتو.. غير أفكارك تغير حياتك فأي فكرة تضعها في ذهنك ستتحول إلى التركيز ثم الأحاسيس ثم السلوك ثم النتائج من نفس النوع وسوف تستمر في الحصول على نفس النتائج، ولن يحدث التغيير إلا لو قررت قرارا قاطعا بتغيير الجذور التي بدأتها وهي الأفكار."

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) http://hedaya.blogspot.com

إرسال تعليق Blogger

 
Top