0

 

في رفح توهب الحياة رغم الموت

                                                                                     كتبت: هداية شمعون(*)

.. أن تكوني امرأة في الحرب وفي أحشائك جنين وبين ذراعيك طفلتان صغيرتان وشظايا انفجارات القذائف تنهب من لحم بيتك المتواضع، وتتطاير الحجارة في ساحة بيتك فهذا لا يعني إلا أنك امرأة فلسطينية في غزة الآن وتحت القصف تعيشين !!!

أن تكوني امرأة لم يتعد عمرك السابعة والعشرون وتدور بك الدنيا فبيتك لم يعد آمنا، وطفلتاك لا تكفان عن الصراخ والبكاء من صوت الطائرات والبوارج والمدفعيات، وأن تكوني ما بين الموت والحياة في أيام متواصلة فهذا يعني أنك امرأة استثنائية على هذه الأرض..!!

أن تشعري بكل هذا الخوف والرعب وأنك في كل لحظة على وشك الولادة.! لا أم بجانبك ولا أهل ولا صديقات ولا جيران ولا أطباء فهذا يجعلك أكثر رعبا ولا يعني إلا أنك لاجئة داخل بلدك وفي بلد محتل وتمارس بحقكم إبادة جماعية..!

أن تركضي مسافة تزيد عن 3 كيلو متر في العتمة ووسط القذائف المتطايرة والصواريخ الحربية التي تسقط من السماء فتحيل الليل نهارا وأن تستنشقي الغبار الأسود والأتربة وأن تشاهدي في طريقك كل الموت في الشجر والحجر وتبكي من شدة الألم وعدم قدرتك على التحمل فهذا لا يعني إلا أنك امرأة من نور وأن الملائكة هي من تحميلك وعائلتك... وهذا يعني شيئا واحدا أنك امرأة فلسطينية تحت القصف الإسرائيلي تقاومين بطريقتك..

***

ريهام شيخ العيد ذات السابعة والعشرين عاما من المنطقة الشرقية في رفح "زلاطة" عاشت أياما مريرة وهي الحامل في شهرها الأخير فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي وهي تعيش على أعصابها وتشعر بالموت قريب منها، ورغم كل الألم والأوجاع التي ألمت بها نتيجة عدم قدرتها حتى على العناية بجنينها أو الوصول لأي مشفى حيث أن الحركة معدومة بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي، ما منعها من الخروج من منزلها حتى قبل يومين من شدة الانفجارات واقترابها من بيتهم.

تقول ريهام:" وصلت الشظايا لبيتي حيث أن بيتنا سطحه زينكو بالكاد يحمينا، ومن شدة القصف والانفجارات يهتز البيت بأكمله وأشعر في كل لحظة أنه سينهار على رؤوسنا، وحين شعرنا بالرصاصات تكاد تصلنا لم أستطع تحمل أكثر من ذلك وخشيت أن نموت وعائلتي دون أن يتمكن أحد من إنقاذنا أو أن يفاجئني المخاض وليس من أحد يمكنه مساعدتي، فغامرنا وخرجنا بملابسنا التي علينا أنا وزوجي وطفلتاي وجيراننا الملاصقين لنا، وأخذنا نركض دون أن نلتفت خلفنا خوفا من القذائف المدفعية الإسرائيلية، لقد تملكني الخوف حيث كنا نركض بعد صلاة الفجر وظللنا نمشي في العتمة والطيران الإسرائيلي لم يغادر السماء، وكانت مسافة طويلة جدا بكيت وأنا أحمل ابنتي أيضا وزوجي رغم إعاقة قدمه إلا أنه حمل ابنتنا الثانية وهما لم تكفا عن البكاء والصراخ، وتمكنا من الوصول مع ساعات الفجر إلى مركز العودة- مدرسة العودة- حيث لجأنا لها وما أن وصلت حتى تملكني الألم الشديد ولم أستطع التحمل، فهرع زوجي ليبحث عن أي سيارة قرابة السادسة والنصف صباحا وكانت الشوارع خالية بأكملها لولا فاعل خير جازف بإيصالنا للمشفى الإماراتي وولدت بحمد الله ابني محمد"

تصمت ريهام وصوتها المتقطع الواهن بالكاد يمكنها من سرد قصتها: " لقد نجونا بأعجوبة وولدت بخير لكني أعاني من النزيف فقد مكثت بالمشفى يوم واحد وفي اليوم التالي عدت بطفلي إلى مدرسة الإيواء ليس لدي إلا ما يقدمه أهل الخير"

تبكي ريهام بحرقة:" تركنا أموالنا وملابسنا وبيتنا لا نعرف ما حدث له وأعيش هنا واستقبل طفلي في مركز إيواء لا أملك له شيئا أنام على الأرض وهو بجانبي على الأرض أيضا ويشاركنا في الصف المدرسي- الغرفة- عائلات أخرى، طيلة الوقت أرتدي ملابسي التي خرجت بها وليس لدي أي ملابس لطفلي ولكن الحمد لله وفروا حاجة الطفل للبامبرز في مركز الإيواء وحاولوا قدر الاستطاعة مساعدتنا"

أما زوجها أيمن شيخ العيد فيقول: "عانت زوجتي الأمرين فكل الأحداث من جهة وحملها وولادتها في هذا الوقت من جهة هم وحده، طيلة الوقت كانت قلقة وخائفة تفكر كيف يمكنها أن تلد، الحرب مشتعلة وكيف يمكن أن نصل للمستشفى ونحن لا يمكننا الخروج من البيت في النهار ولا في الليل، طيلة الوقت كانت خائفة وأنا لم يكن بإمكاني الإجابة على أي من أسئلتها ولذلك حين وصلتنا الشظايا ضربت سطح المنزل، جازفنا بالخروج في وسط الضرب والانفجارات والحمد لله على هذا الحال رغم أنها أكثر ما تحتاجه بعد الولادة هو الراحة وهي لازالت تعاني من نزيف حاد وليس لديها أي خصوصية في المدرسة فتقف بالدور على الحمامات وتضطر أن تمشي مسافة لتصل إليها وأحيانا تضطر أن تنتظر دورا وهي في حالة صحية ليست جيدة فهي لازالت في فترة النفاس وبالكاد خرجت من المشفى لكني أحاول أن أبقى قربها."

المولود شيخ العيد في مركز الايواء

ويقول معين الهور مدير مركز الإيواء في المدرسة التي تتواجد فيها ريهام:

" في هذه المدرسة 4000 إنسان، وفي الغرفة التي فيها ريهام وعائلتها يوجد 32 فردا وهي أفضل حالا من غرف أخرى تصل أعداد الناس في بعض الغرف إلى 80 شخصا، لدي من الأطفال في المدرسة من هم دون السنتين 700 طفل وهم بحاجة ماسة للاحتياجات الملحة والتي لا يمكن توفيرها مثل الحليب والبامبرز"

ويشيد الهور بدور المجتمع المحلي وأهل الخير إلى جانب دور الأنروا لخدمة النازحين والمشردين فكثرة أعداد اللاجئين تضعف الامكانيات وتجعل من المستحيل على جهة واحدة أن تقوم بذلك.

ويضيف الهور: ولادة الطفل محمد شيخ العيد هو بشرة خير ففي خضم هذا الألم الكبير وهذه المعاناة لأهلنا في غزة وفي كل مناطق القطاع إلا أنه أدخل الفرحة على قلوبنا رغم كل هذا الموت الذي يحيط بنا"

24.7.2014

نشرت المادة الصحفية في صوت النساء- رام الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) كاتبة وإعلامية hedayapress@yahoo.com

إرسال تعليق Blogger

 
Top