0

 

ماذا يفعل العجائز في الحرب؟!!

#غزة_تحت_القصف

كتبت: هداية شمعون(*)

الحرب اقتحمت حياة غزة دون استئذان هكذا هي الحرب دوما قاسية لا تلتفت للصغار والنساء كما انها لا تلقي بالا بالعجائز..!! الحرب تأتي بغتة والمذيع المتأنق تشعر أنه وضع أعصابه في ثلاجة للموتى كي لا يبكي.!! لا عليكم كنت أهتف باسم السلام وباسم الطفولة وباسم النساء لكني الآن أقف في حيرة حين رأيت الحرب وجها لوجه مع العجائز..

قال أبي الثمانيني في زيارة خاطفة قبل عدة ايام .. هذه المرة الأولى التي أشعر أن هذه الحرب مختلفة فهي تنزع قلبي عدة مرات ثم تعيده وترمم ما تكسر فيه .. العجوز القعيد قال بلوعة الأطفال: ماذا سأفعل إن ضربوا البيت أو حوله الكل سيهرب ولكن كيف سأقف كيف سأمشي هل سأبقى حيا تحت الركام؟!!

باغتني سؤاله كما باغتتنا الحرب!!

تخيلت حزنه وخوفه وفقدانه لابنه الشهيد ابنه البكر!! صمتت وعيناي تلفان المكان.. بيت المخيم المتهالك بالكاد يصلب عوده كالعجوز الرقيق!! لا يحتمل صراخ الكثير من الأطفال والنساء ليسقط على ساكنيه!! كيف إذا طالته القذائف أو الطائرات الشرسة.؟ بيت استهدف في بداية العدوان قرب بيته في المخيم بينهما سبعة بيوت فقط فتطايرت حجارة البيت وغباره وبات الشارع بأكمله في غيبوبة من الغبار الأتربة والحجارة المتناثرة..!!

اليوم أيضا استهدفت منطقة المخيم المأهولة بالسكان بصاروخين من طيران حربي غسرائيلي واصيبت طفلة وإمرأة لكن البيوت لأن أغلبها بينها حائط مشترك فقد دمرت وانتهكت وباتت مكشوفة متصدعة متهالكة كوجه رجل عجوز!! لم يحتمل قلبه كل هذا الدمار وتحققت مخاوفه!!

كيف سنحمي أطفالنا وآباءنا من الموت المباغت!! بل كيف سنتحايل على ذاكرتنا بأنا قادرون على حماية أي شيء!!

كيف سيفعل الجد القعيد في القنابل المتفجرة والمعركة الشرسة من احتلال جعله يعاني طيلة حياته فهجرته من بيته في تل الترمس ولاحقته فترة شبابه وفي قوت عائلته ونحت بالصخر حتى ربى صغاره ولم يرحموا أولاده فاعتقلوهم وسجنوهم وصبر صابر وظل بالمخيم وكبر ولم تنتهي قصص الهجرة وبلدته الصغيرة حين كان يزرع ويفلح في الأرض ويعود يباغتني بأسئلته التي لا إجابة لها.. لو خيروك بالرجوع لبلدتنا الصغيرة حيث لا مدراس ولا عمل ولا شيء إلا ارض قاحلة هل ستعودين.. ولكني أذكر أني أجبته في كل مرة بالتأكيد سأعود هل هذا سؤال يا أبي؟!! إلا هذه المرة لم أجبه لأني لست على يقين أننا سنبقى على قيد الحياة لنعود..!!

10492571_10152253394852984_3416611005304902789_n

تنهد ودمعت عيناه ..كومة لحم خلوا الصغار..!! صائم أنا عن الحياة!! هجرونا وذبحونا وغدروا فينا لكن الصغار هدول مالهم رب يخافوه!!

مات الصمت ولم يعد للكلام معنى ولا قرميد السطح والحيطان المهترئة من كثرة الدهان عليها ولا باب الحديد الصدئ أيضا أي معنى.. نرصد كل تفاصيل البيت وتفاصيل الوجه المجعد أمامي أرصده أوثقه في ذاكرتي أحفظ تفاصيله وعيناي تتسمران على يديه المجعدتان.. برز العظم منهما يا أبي وبدوت كطفل صغير جميل ملائكي ..!! أحبك أكثر من هذه الحياة لكني لا أملك إجابات ولم يعد لدي أسئلة لدي قصص صغاري لأقصها عليك وقت الحرب..!! والنكات السخيفة التي نطلقها على الاحتلال الإسرائيلي فأنت تعرفه جيدا.. ابتسم العجوز عائدا إلى بلده وإلى حقول القمح ..عائد وعيناه تلمعان من رائحة البرتقال والزهر ..

26.7.2014

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) كاتبة وإعلامية hedayapress@yahoo.com

إرسال تعليق Blogger

 
Top