ظلال نساء خارج الصورة
بقلم: هداية شمعون
جاءتني في المرة الأولى بالكاد تسمع صوتها شابة سمراء ترتدي الجلباب والمنديل على رأسها تحدثنا قليلا لم أدرك تماما وجعها للوهلة الأولى، تناقشنا في موضوعها البحثي الذي ستتناوله في قسم الإعلام بإحدى الجامعات، لم يستمر اللقاء سوى نصف ساعة وغادرت، ومر أسبوعان أو أكثر، وجاءت مرة أخرى هذه المرة كانت حزينة للغاية ورغم خفوت صوتها وحيرتها التي تنطق بها ملامحها قالت الكثير وكلما سألتها أكثر اعتذرت لإقحامي في حياتها الخاصة لكني شعرت بالوجع لأجلها، كانت من أوائل مدرستها في المراحل الثانوية وحين دخلت الجامعة كانت متزوجة ولديها طفلة هكذا انتزعها أبيها من طفولتها ليقحمها في عالم آخر، ورغم اختطافها لهذا العالم إلا أنها ثابرت وواصلت ونجحت بقوة رغم أن زوجها لا يبالي بهذا النجاح بل يجبرها على كافة الأعمال المنزلية لعائلته، من عجين وخبيز وغسيل ورعاية للصغار والكبار، وكلما سرقت دقائق للخلوة مع كتابها جاءتها الطلبات بشكل مقصود وغير مقصود وذابت في أتون محرقة المنزل والهموم الكثيرة، تصحو من الخامسة صباحا لتنجز كافة أعمال التنظيف والأعمال الأخرى كي يتسنى لها الذهاب للجامعة، بالكاد يراها مدرسوها، بالكاد تعرفها زميلاتها بنفس الدفعة، فهي الصامتة دوما إلا أنها تفاجئهن في نهاية الفصل بأعلى الدرجات، وهي الآن تشرف على الانتهاء من الفصل النهائي أي التخرج ورغم اكتشاف مرضها وحاجتها لعملية جراحية إلا أن هذا الأمر لم يرحمها من زوجها وعائلته فالاستعباد المنزلي لازال مستمرا، بل والأدهى أن زوجها لا يحفل بمرضها ولا يكترث لذلك، وما قام به لدعمها ومؤازرتها منعها من استكمال الساعات المتبقية لفصلها الدراسي الأخير وحرمانها من العمل في بحث التخرج، وما سمح لها بزيارتي مرة أخرى كي تذهب للطبيب مع أحد أفراد عائلتها، كانت تتحدث بألم وتصمت فجأة ثم تعود وتسهب في شكواها ووجعها، حاولت بشتى الطرق إقناع زوجها ولم يتوان عن ضربها وإيذاءها نفسيا وجسديا، ورغم محاولات أهلها المتكررة لمساعدتها إلا أن العرف الاجتماعي يترك للرجل حرية التصرف بحق زوجته حتى إن كان ظالما ومستبدا، حاولنا مرارا التوصل لأي صيغة لمساعدتها إلا أن خوفها من معرفته أن هناك من يعلم بعنفه معها وحرمانها من التعليم كان تهديدا سبق أن ألقاه على مسامعها، لذا هي لا تحاول أن تسوء أمورها أكثر -حسب قناعتها، فلديها ابنة ولا ترغب في صفة مطلقة أو أن تعيش بعيدا عن ابنتها ويلتاع قلبها لأجل طفلتها، لذلك فهي تصمت وتقبل بدائرة العنف المتواصلة..
سماح ليست الإنسانة الوحيدة التي تعاني وتتألم في صمت وخلف الكواليس والبيوت الموصودة، وليست الوحيدة التي تحاول أن تخرج من شرنقة العنف العائلي لكنها الوحيدة التي تدرك الآن أن مستقبلها وطموحها قاب قوسين أو أدنى.. وأن عليها أن تكون أو لا تكون.!.!
إرسال تعليق Blogger Facebook