0

dfdsf__3_

 

صوت الأغلبية الصامتة

بقلم: هداية شمعون (*)

إن لإسماع صوت النساء وتوضيح رؤيتهن من خلال الأبحاث والدراسات تساهم بشكل فاعل في فهم حياة النساء ونقل خبراتهن في أي بحث أو دراسة، وحين التعامل مع النساء اللواتي يتعرضن للاضطهاد والعنف بكافة أشكاله يعطي زخما للمعرفة والمعلومات عن أسلوب حياتهن وإدراكهن لوضعهن وعلاقتهن بالمجتمعات المحيطة بهن، كما أن إيصال صوت الأغلبية الصامتة هو أمر جوهري في الدراسات القائمة على المنهج الإجرائي التشاركي، وعلى الباحثة أن تدرك تماما أنها ليست أفضل أو أكثر خبرة من المبحوثات، كما يجب أن يكون واضحا للباحثة أن النساء موضوع البحث لسن مجرد موضوعات للبحث العلمي بل يجب عليها أن تدرك أن للطرفين الحق في الاستفادة والتعلم من علاقتهما. إن هذه الأيديولوجية تؤكد على عنصر الشراكة الذي يتضمن معاملة المبحوثات كبشر دون استغلالهن، ومن أحد الخصائص المميزة للبحث التشاركي والبحث النسوي أن النساء الباحثات يستخدمن مخرجات البحث من أجل بلورة السياسات والتدخلات لصالح قضايا النساء (ستانلي ووايرز) كما أنه من المفترض أن يؤدي إلى تمكين النساء المبحوثات وتساهم في تغيير حياتهن( بيبرس، إيمان)

وكما يقول ستانلي ووايرز(1983) بأن الغرض من البحث بالمشاركة ليس وصف وتفسير الواقع الاجتماعي وحسب وإنما الهدف منه أيضا هو تغييره بشكل جذري، وتغيير الواقع مع المضطهدين وليس من أجلهم، بمعنى أن مشاركتهم هي ذاتها مشاركة الباحثين والقائمين على البحث.

وفي ذات السياق فإن لكل دراسة بحثية تجربتها الخاصة، ومذاقها النوعي خاصة حين الحديث عن الدراسات القائمة على البحث الإجرائي التشاركي ولكل دراسة العديد من الجوانب المشرقة والتي تضيف للباحثات وفريق البحث، وتضفي لمسة نوعية على كافة مصادر المعلومة والمشاركين بالدراسة من أفراد أو مؤسسات.

لقد كانت لنا في برنامج الأبحاث والمعلومات تجربة نوعية في إعداد دراسة معنونة بتحديد أولويات قضايا النساء في قطاع غزة في 2009 والتي ساهمت بقدر كبير من تبادل المعرفة والخبرة مع المبحوثين والمبحوثات حيث استهدفت الدراسة 400 امرأة و400 رجل من خلال استمارة شملت 64 عنوانا في القضايا التي تهم النساء وتمس بحياتهن بالإضافة إلى (38) مجموعة مركزة لنساء ورجال وللمرة الأولى يكون الرجال على اختلاف شرائحهم وفئاتهم العمرية فئة مستهدفة مناصفة كالنساء واستشارتهم في قضايا ومشاكل النساء الفلسطينيات، وهذا الجانب النوعي الذي أثرته الدراسة حيث استغرب نفر قليل من الرجال أن يتم استشارتهم في قضايا تخص النساء – حسب المفهوم الدارج- لكن النسبة الأكبر منهم هي من اعتزت بكون المؤسسات النسوية تستهدفهم وتهتم لسماع أصواتهم وآراءهم في قضايا النساء ( أخواتهم وزوجاتهم وبناتهم وأمهاتهم على حد تعبيرهم) وهذا عزز من إيجابية رد الفعل الممكن أن يستمر ويصبح تراكميا وما يمكن أن يحدثه من تأثيرات على التعامل مع قضايا ومشاكل المرأة من وجهة نظر الرجال، إضافة إلى مطالبة المبحوثين بضرورة توعيتهم وتثقفيهم وإعداد برامج تستهدفهم تماما كما يتم الأمر مع النساء، وفسروا ذلك بأن النساء في محيطهم أصبحن أكثر وعيا وقوة في التعبير عن آراؤهن وتحديد احتياجاتهم، بل تجاوزن حاجز الثقة بالنفس وإدارة الشؤون الأسرية بحنكة ومعرفة أكبر وهذا الأمر بات الرجال يفتقدوه خاصة الشباب ومتوسطى العمر.

لقد كانت النساء المبحوثات حقا قادرات على التعبير عن معاناتهن وقضاياهن، وتحليل نقاط القوة والضعف في المجتمع الفلسطيني وتحليل رؤيتهم للصورة الكاملة لموقعهن في المجتمع، وفهم كافة العوامل الاجتماعية والسياسية والنفسية ومنظومة العادات والتقاليد التي تحيط بهن وقوتها في التأثير على تعزيز قيم العنف تجاه الإناث، وقد كن على قدر من المصداقية والوعي للحديث عن قضايا تعتبر من التابوهات كمواضيع التحرش الجنسي والاغتصاب وسفاح القربى.

إن ناقوس الخطر دق منذ زمن طويل لكنه لا زال يحاول إسماع رنينه المدوي في قضايا سفاح القربى ومحاولات التحرش الجنسي ممن هم أقارب وغيرهم، فقد كشفت الجلسات المركزة مع النساء والرجال عن حجم مخيف من القهر الاجتماعي والظلم الذي تتعرض له النساء، فدائرة العنف الواسعة والتي تتركز في وجود الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العدائية تجاه كل فئات الشعب الفلسطيني رجالا ونساءا تعود وترتد إلى دائرة عنف مجتمعي وأسري وذاتي ويكون ضحية هذا العنف النساء والأطفال وهذا ما كشفت عنه الدراسة لارتفاع معدلات العنف الذي تتعرض له النساء وباعتراف الرجال أن منظومة العادات والتقاليد جائرة على النساء أكثر بكثير من الرجال، وهو أمر له جذوره التاريخية التي لا يمكن التخلص منها بسهولة لكن يمكن التأثير فيها على المدى البعيد.

إن التوجه لكافة مصادر المعلومات وتنوع الأدوات البحثية للدراسات الخاصة بالنساء تساهم في تعزيز مصداقية المعلومات والنتائج التي خلصت لها الدراسة، حيث أن نتائج الدراسة تقدم معلومات قيمة ونتائج يمكن البناء عليها لاستراتيجيات تدخل وهذا ما حاولت الدراسة أن تقدمه لصناع القرار وللمؤسسات الأهلية والحقوقية ليساهم كل بدوره في التخطيط والتدخل من خلال برامج هادفة.

وفي تجربة بحثية لاحقة لدراسة النساء والحرمان من الميراث فإن تجربة العمل مع النساء اللواتي حرمن من ميراثهن كانت الأكثر قوة وتجسيدا لمعاناة النساء والاقتراب من واقعهن من خلال مقابلات أجرت مع 102 امرأة في محافظات قطاع غزة، بينما رفضت 100 امرأة أخرى إجراء المقابلة بفعل الخوف والتهديد والرهبة من القطيعة العائلية والمجتمعية، لقد كانت النساء اللواتي تم مقابلتهن يروين معاناتهن في حالة مختلطة من الخوف والبكاء والحزن والأسف تارة أخرى، حيث كانت لديهن مقاومة غريبة وعجيبة في تحمل الآلام النفسية التي تركت آثارها عليهم نتيجة الشعور بالظلم والقهر والحرمان من اقرب الناس لها، إن قدرة الدراسة البحثية على الوصول لهذه الفئات المهمشة وإسماع أصواتهن هو أمر جوهري وأساسي كما أسلفنا وهو الأسلوب الأمثل للإصغاء لاحتياجات النساء بحسب تقديرهن لحياتهن التي يعشن فيها، وهن الأكثر وعيا بما يحتجنه من المؤسسات والجهات التي تستهدفهن، لذلك فالدراسات والأبحاث هي الخطوة الأولى للتغيير المجتمعي والأخذ بنتائجها وتوصياتها من قبل الجهات المعنية وتحويلها لبرامج وخطط استراتيجية هي الخطوات التي تشكل حلقة متصلة للفعل التنموي والحراك الاجتماعي من أجل التغيير للأفضل وتحسين الواقع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) كاتبة وإعلامية، نشر هذا المقال في مجلة روافد تنموية- معهد دراسات التنمية ربيع 2010

إرسال تعليق Blogger

 
Top