0

أهداف سويف

 

هداية شمعون

في عام 2000 طلبت جريدة الجارديان من الروائية أهداف سويف أن تذهب في رحلة إلى فلسطين لتسجل بقلمها أوضاع الانتفاضة على الطبيعة، فجاء هذا الكتاب الذي يتناول بتوثيق رائع واسلوب شديد النصاعة، مشاهدات الكاتبة في رحلتها، بالإضافة إلى عدد من المقالات التي نشرتها الكاتبة في عدد من أهم الجرائد والمجلات الإنجليزية من عام 2000 إلى عام 2004، وتتناول فيها ذلك الصراع الذي سيطر على العالم منذ بداية هذا القرن، والذي يصور مرة على أنه صراع بين الإسلام والغرب، وأخرى على أنه صراع بين الإرهاب وقوى الحضارة.

لكن الكاتبة هنا تقدم ذلك الصراع بمعناه الحقيقي كصراع سياسي اقتصادي تتلون فيه اتجاهات استعمارية قديمة بألوان جديدة، دون علاقة بدين أو بأمة، الصراع القائم بين قلة تريد السيطرة والهيمنة وكثرة تريد – فقط- العيش الكريم.

 

اهداف سويف

وفي افتتاحية كتابها تسرد سويف قائلة: " دعتني صحيفة الجارديان أن أذهب إلى فلسطين، وأكتب ما أراه عن الأوضاع هناك بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، اتخذت القرار أن أذهب إلى الضفة وإلى القدس، وأرغمت نفسي على التغلب على الـ" التابو" الكبير في قلبي ووجداني، وهذا لسبب واحد- أننا وباعتراف الجميع- في أمس الحاجة إلى مساندة الرأي العام في الغرب، والتفت إلى الكتابة المباشرة في الأمور السياسية والثقافية، وفي هذا الكتاب بعض إنتاج نابع تماما من ظروف كاتبته التاريخية والجغرافية والشخصية- حيث وجدت نفسي مصرية عربية تعيش في الغرب، وتكتب باللغة الإنجليزية، في زمن يحتدم فيه صراع يصور تارة على أنه بين الشر والخير، وتارة على أنه بين الإسلام والغرب، وتارة على أنه بين الإرهاب وقوى الحضارة، وتارة على أنه بين التطرف والاعتدال- وهو حقيقة الأمر صراع سياسي اقتصادي تتلون فيه اتجاهات استعمارية قديمة بألوان جديدة، والصراع الحقيقي، فيما أرى لا علاقة له بدين أو حتى بأمة، بل هو صراع في النهاية بين القلة التي تريد أن تسيطر والهيمنة على أقوات وأفكار وحيوات الناس، والكثرة التي تريد العيش الآمن الكريم"

الإعلام الغربي

وتضيف:" حين قررت الذهاب، قررته صراحة كي أستغل وجود منبر غربي أنقل منه صوت الشارع الفلسطيني للقارئ وللرأي العام الغربي، وقد طلبت الجريدة مني عدد 3 آلاف كلمة وقررت أن أكتب الموضوع في شكل مذكرات شخصية، وبدأت منذ أول ليلة أسجل في المساء كل ما رأيته وما سمعته أثناء النهار، ووصلت إلى الثانية صباحا ولم انته، وتكرر ذلك كل يوم من الأيام الستة التي قضيتها في فلسطين، عدت إلى لندن وقد كتبت 14 ألف كلمة، ولم أسجل كل ما رأيت، وبدأت أحاول إعداد المقال فتعذر على اختصار ما كتبت، كنت أريد أن أنقل للقارئ بالضبط ماذا تعني الحياة تحت الاحتلال ؟! وكنت أريد أن أنقل أصوات ومشاعر من قابلت من الفلسطينيين، وذلك يحتاج إلى تفاصيل وإلى عدد كبير من الكلمات، وبعد أيام من محاولات الاختصار واجهت المحرر المسؤول بالمشكلة فطلب قراءة ما كتبت، وحين قرأه رأى بالفعل استحالة اختصاره، وعاد إلى رئيس التحرير، وقررت الجريدة نشر المقال على حلقتين على أن تنشر في الحلقة الأولى 6 آلاف كلمة، والثانية 4 آلاف"

وتكمل الكاتبة: " أخذوا القرار ثم أصابهم الذعر، قالوا هذا صوت لم يسمع في الإعلام الغربي، قلت إن هذا هو لب المشكلة، وقالوا- لم تلتق بالمثقفين من الإسرائيليين، المقال مليء بالأصوات العربية القوية وليس هناك صوت قوي واحد يضع وجهة النظر الإسرائيلية الليبرالية"

وتقول سويف حول شعورها الطاغي بالمسؤولية والرسالة الملقاة على عاتقها: " لا أعتقد أنه بوسعي الهروب من المسؤولية التي تلقيها الظروف على عاتقي، ذهبت، وكتبت، لا أعتقد أني فتحت عكا، ولا أني أتيت بالديب من ديله، يقولون لي: الآن سيضعون عينهم عليك، سوف يحاربونك، وسوف يلطخونك، ربما، لكن هناك حكايات يجب أن تحكى، لم أحك في هذه المرة عن أنواع الذخيرة الحية التي يضربون بها الشباب، لم أحك عن شجر الزيتون واقتلاعه، لم أحك عن الضرائب وتراخيص البناء وهدم البيوت، وغيرها، وغيرها من حكايات يجب أن تحكى، ويسمعها العالم كله."

وتسرد سويف في إحدى مقالات كتابها: " بعد ساعة ونصف ومسافة لا تتعدى عشرين كيلو مترا نجلس في غرفة مكتب السيدة ريما طرزي، نستمع لها ولصديقتها السيدة فاطمة جبريل، الأولى مسيحية والثانية مسلمة، عملتا معا في تأسيس الاتحاد الوطني للمرأة الفلسطينية وأنشأتا- جمعية إنعاش الاسرة- في رام الله حيث يتعلم الأطفال الموسيقى ويشجعون على الرسم، أغلق الإسرائيليون الجمعية منذ 18 شهرا باعتبار أنها تحرض على التمرد، وتعلق فاطمة كنا نحاول مساعدة الأمهات على توفير طفولة طبيعية لأطفالهم، تعرفين ماذا يغني الأطفال؟ يغنون " بابا جاب لي هدية- رشاش وبندقية، كنا نحاول أن نعلمهم أغاني الأطفال العادية ولم ننجح لأن الأغاني العادية ليس لها علاقة بحياتهم."

وتكمل سويف:" أقول:الإعلام في بريطانيا يتساءل: لماذا تسمح الأمهات للأطفال بالخروج وقذف الجنود بالحجارة؟ فتجيب ريما طرزي- تسمح الأمهات؟ آه لو رأيت كمية الفاليوم التي نصرفها لنساء المخيمات لمجرد أن يستطعن مجابهة حياتهن اليومية، حين يخرج الأطفال للعب يلعبون تحت مدافع الجيش الإسرائيلي المتمركزة فوقهم، هؤلاء الناس يعيشون في حالة طوارىء منذ 33 سنة وبعضهم من عام 48، هم لا يذهبون للبحث عن الجيش، بل الجيش هو معسكر على بابهم، وتقول فاطمة جبريل: ليس هناك طفل واحد ليس له أب أو أخ مبعد أو سجين أو شهيد، حين يأتي الجنود ويضربون الأب- الأطفال بيشوفوا- هم كلهم في غرفة واحدة- بيشوفوا أباهم بينضرب- كيف بيكون شعورهم؟ يسألونا دائما إذا كان الناس بالدنيا كلها عايشين هيك؟ شو بدنا نقول إلهم؟"

نساء فلسطين

وتقول سويف: " منذ نوفمبر عام 2000 اضطرت 51 سيدة فلسطينية إلى الولادة على الحواجز الإسرائيلية، مما تسبب في وفاة 29 من أولئك المواليد، النساء الفلسطينيات مستمرات في الحمل والولادة، هل هذا خيار سياسي؟ الأطفال هم المحور الرئيسي لحياة معظم النساء.. سهى طالبة التمريض، تنهار وتبكي في بيتها في مخيم عايدة حين يندفع صاروخ ليدخل شباك المطبخ حيث تجلس الأسرة للعشاء وينفجر خلال الحائط المواجه في غرفة النوم التي كانت بحمد الله خالية، وتنهرها أمها لكي تسيطر على مشاعرها ولا تخيف الأطفال، ولا يفوتنا أن أول امرأة فلسطينية اتخذت قرارا سياسيا بالقيام بعملية استشهادية كانت ممرضة تعنى يوميا بالأطفال المصابين بالرصاص الإسرائيلي، وبين هذين الطرفين المتناقضين، منح الحياة والتخلي عن الحياة، هناك مئات الآلاف من النساء الفلسطينيات يتعاملن مع ظروف حياتهن اليومية بأفضل ما يستطعن."

وتضيف سويف في ذات السياق: " تشكل النساء عدد كبيرا من العاملين بالثقافة في الضفة الغربية وغزة، تدير مارينا برهان مسرحا للأطفال في بيت جالا رغم تكرار تدمير الاستديو الذي تعمل منه، تحافظ كارول ميخائيل وزملاؤها على استمرار النشاط في مركز دار الندوة في بيت لحم بالرغم من حظر التجوال، تقوم سعاد العامري بمشروع ترميم البيوت في مدينة الخليل القديمة وتقاضي الجيش الإسرائيلي فيما يحاول هدم ما قامت به، وتستخدم فيرا تمارى السيارات التي دمرها الجيش الإسرائيلي في تكوين تشكيلات فنية تسجلها وتعرضها بالفيديو، بينما تجمع تانيا ناصر نماذج من التطريز الفلسطيني وتنشرها في كتاب، وتقيم عادلة العايدي الحفلات الموسيقية والمسابقات الفنية في رام الله بالرغم من تدمير الجيش الإسرائيلي لآلات الكمبيوتر الخاصة بها وتلويث جدران الغرف في المركز الذي تشرف عليه وهو مركز خليل سكاكيني الثقافي، وتقول – نحن نرد على الاحتلال ونصوره من خلال الفنون المختلفة وبهذا نخرج من إطار الضحايا، نخضع الاحتلال لإرادتنا- وتنتهز فيزا وتانيا فرصة رفع حظر التجول للذهاب إلى الكوافير تقولان – من هذه الانتصارات الصغيرة نستمد القوة- أما كرمة الشريف، وهي تصغر صديقتنا البغدادية بنحو 60 عاما لا تخرج لتمشي في شوارع رام الله، بل تجلس في بيتها وتجمع موقعا على الإنترنت أسمته " Hearpalestine " تسجل فيه كل ما أمكن من حالات هدم البيوت اليومي، ومن سرقة الأراضي ومن الاحتجازات وعمليات القتل، إن حماية الأطفال، وحماية التراث، وحماية الثقافة، والحفاظ على التاريخ، ورواية ما يحدث على أرضنا، هذا هو لب مشغولية نسائنا اليوم."

وتختم سويف : " كتب بيتر هانسم في صحيفة الجارديان يوم الأربعاء الماضي عن المجاعة التي تخيم على غزة فقال – إن الذي أنقذ الأراضي المحتلة من الانهيار التام هو نظام العائلة الفلسطينية الممتدة والتآزر الاجتماعي، والنساء هنا يمثلن العمود الفقري لهذه الأسر ولهذه الشبكات الاجتماعية"

****

ولدت أهداف سويف في مصر ودرست الأدب في جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم درست اللغويات في جامعة لانكستر بإنجلترا، عملت بتدريس الأدب الإنجليزي والأمريكي في جامعتي القاهرة والرياض، نشرت لها مقالات في كبريات الصحف والمجلات العالمية وصدرت لها بالإنجليزية "عايشة"1983، " في عين شمس" 1993، "سائد بايير" 1996، "خارطة الحب" 1999، بالإضافة إلى هذا الكتاب والذي يضم مجموعة مقالات تروي رحلاتها لفلسطين عام 2000، وصدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب عن دار الشروق في 2010 ، فيما كانت الطبعة العربية الأولى صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة في العام 2004

إرسال تعليق Blogger

 
Top