0

مئات المهجرين من بيوتهم يلجأون لمركز للإيواء ترعاه وكالة الأنروا في رفح

الخوف والرعب وعدم الشعور بالأمان المعاناة الأكبر للأطفال والنساء

20090118837

تقرير: هداية شمعون/رفح

..الوجع يمتد من غزة إلى لبنان.. ونهر الدم يسيل لينثر ويلاته من مرجعيون ومروحين إلى مخيم المغازي.. ويفجر آهات آلاف النازحين والمهجرين قهرا من بيوتهم.. يمضي المهجرون رغما عنهم ليلجأوا لمكان آمن في بيروت.. وفي رفح.. فمن المناطق الحدودية هجرت العشرات من العائلات التي أجبرتها القذائف الإسرائيلية ورصاصات الطائرات الحربية على بيوتهم الآمنة من تركها رغما عنهم منذ بداية عملية أمطار الصيف على قطاع غزة.

توجهنا للمهجرين في مركز للإيواء في إحدى المدارس الذي أقامته وكالة الأنروا في منطقة رفح.. كل عائلة تقطن في صف مدرسي تفتش الأرض.. صف مدرسي يتحول في ليلة وضحاها إلى ملاذ وحيد لعائلة فلسطينية بأكملها.. وما أقرب حال الفلسطينيين باللبنانيين هذه الأيام لتكون لوحة سريالية باقية لسجل التاريخ..

...

وضع إنساني صعب

لمحتها قادمة من إحدى زوايا المدرسة تحمل (قلن) ماء كبير. تحمله بكل قوتها رغم الوهن الذي بدا واضحا في محياها.. ترتدي الداير الأسود وتحاول أن تخفي ما تبقى من وجهها النحيف.. اقتربت منها بالاتجاه المعاكس وقادتني وهي تحاول الابتسام إلى احد الصفوف بالدور الأرضي لنجلس على أحد المقاعد الخشبية وقد أغلقت الباب.. كانت الأغطية قد وضعت على الشبابيك كي لا يراهم أحد بالداخل.. تقول السيدة فاطمة سالم أبو عدوان(40) عاما:" كنا في بيتنا آمنين إلا أن اجتياح الدبابات الإسرائيلية لمنطقتنا قلبت حياتنا رأسا على عقب.. لم نكن ننام لعدة أيام من صوت القذائف وهدير الطائرات وأزير رصاصها.. حتى ذلك اليوم الذي لم نستطع أن نبقى خاصة حين انفجرت القذائف المدفعية قرب بيتنا فجرا وهرولنا مع الجيران فارين بطولنا."

وتضيف عدوان:" هذا هو يومنا السادس هنا ولا نستطيع العودة أو حتى معرفة مصير بيوتنا ومصيرنا، انظري إلى ابني بهاء لم يتجاوز العامين.. يخاف ويظل يرتعش خوفا وأنا لا يغمض لي جفن محاولة تهدئته ويستيقظ فزعا وهو يصرخ.. طخوا أبويا.. طخوا اخويا..."

وتضرب كفا بكف..: الوضع على الله طول ؟ ماذا نفعل وماذا ينتظرنا لا أعرف؟؟ ربنا يستر بنا ولا تطول الحال"

وعن وضعهم في المدرسة تقول عدوان:" لم تقصر بنا الأنروا والصدق يقال.. قدموا لنا ما يستطيعون.. الفراش والأغطية والماء النظيف للشرب والطعام المناسب، لكن وضعنا النفسي صعب للغاية ونريد أن نرجع بيوتنا لكن الله غالب على اليهود.."

وعنها وبناتها فالمعاناة أكبر تقول عدوان:" كما ترين مكممين بهذه الثياب طيلة الوقت، محبوسين في هذا المكان، فالرجال يملأون ساحة المدرسة بالخارج ونحن لا مجال لخروجنا، بناتي تعبت نفسيتهن كثيرا نتيجة هذا الوضع وقد بعثتهن لبيت خالتهن حتى المساء.. وأنا باقية لأجل الصغار ولا يمكن أن أفكر في شىء آخر غير عائلتي وبيتي."

وتقول سهير مسامح أبو جزر (28) عاما: " كان القصف شغال في منطقتنا –منطقة أبو حلاوة وهي تابعة للشوكة- لكن بقينا صامدين حتى سقطت قذيفة على بيت جارنا وأصيب بفعل الشظايا الحارقة ونتيجة الخوف وفزع الأولاد وخوفنا على حياتنا هربنا من البيت، الذي أصيب أيضا بخسائر فادحة بعد أن انفجرت قذيفة مدفعية فيه ودمرته تقريبا ولولا رحمة الله بنا حيث كنا قد خرجنا بالنهار بالصغار وعدنا في اليوم التالي صباحا لنجد البيت شبه مدمر، ولم يعد الأمر آمنا فاضطررنا أن نلجأ لهذه المدرسة بدلا من الشارع أو بيوت الأقارب فمن سيتحمل من في هذه الظروف."

معاناة نفسية

وعن الوضع النفسي لأطفالها تقول:" ابني عدي 8 سنوات لا تسمعي منه إلا كلمات.. يما يما الطيارة بتقصفني.. ويصحو مرتعدا بالليل وصارخا.. طخ.. طيارات.. ولا أكاد أحاول أن ارتاح حتى أجلس لأخته الأصغر 3 سنوات والتي تبكي طوال الليل خوفا ورعبا مما رأينا، وتلك الأخرى التي تجاوزت 5 سنوات باتت تبول على نفسها.. وتصمت قليلا وعيناها مغرورتان بالدموع.. أنا أشعر أن المسؤولية كبيرة جدا على.. أشعر بالتعب وبالخوف ولكني لا أجد وقتا لمشاعري ونفسي..... ومن الذي يجد وقتا للتفكير في مثل هذه الظروف الصعبة."

ويقول عادل أبو صهيبان(16)عاما كنا نجري فجرا هربا من الطائرات التي لم ترحمنا وأخذنا نجري من مكان لآخر والرصاص من حولنا، وسمعنا أن إمرأة استشهدت وبقي أخاها في ركن من بيتهم وقد شله الخوف ولم يستطع أن يهرب.. كان إخوتي يصرخون ويبكون ولا نعرف أين نجري أو نذهب.. وتضيف أخته أم حمزة:" كنت في بيت والدي حين أخذوا يضربون بقوة، وحاولت أن أذهب لبيتي في الاتجاه الآخر لكني لم أستطع فالدبابات كانت قريبة للغاية وتطلق رصاصاتها لإرهابنا وتهجيرنا.. وتقول بقيت ثلاثة أيام بعدها لم استطع أن أقف على قدماي من الخوف الذي أصابنا وهو حال طفلاي الصغيران."

.. وتوجهنا مع النساء والأطفال إلى إحدى الغرف التي تضم اجتماعا خاصا بالنساء تواجدت بها بعض الأخصائيات النفسيات واللواتي أشرن إلى أن هذه اللقاءات هامة في هذه المرحلة للأمهات والأطفال لأنهم خضعوا لضغط كبير وعانوا من خوف شديد نتيجة القصف والدمار الذي لحق ببيوتهم، ومن ثم فهنالك برامج خاصة بالتفريغ النفسي للأطفال وتقديم الخدمات النفسية للجماعات وللأفراد كحالات خاصة. كذلك لتسهيل الأمر على الأمهات برعاية أطفالهن وإيجاد الطرق المناسبة لمعاملتهم وتأهيلهم.

ومن هنا يؤكد لنا منسق برنامج الدعم النفسي التابع لوكالة الغوث إياد أبو غالي على أن لدى البرنامج مجموعة مؤهلة من المرشدين الذين نهيئهم للتدخل بالطريقة الصحيحة حيث يوجد لدينا 4 برامج تدريب لتطوير أداءهم. ويصل عدد المرشدين إلى 62 مرشدا موزعين على المدارس والخدمات الصحية ومدارس وكالة الغوث في الجنوب.

ويضيف أبو غالي:" نتعامل مع كل فئات المجتمع، فهنالك جانب وقائي وآخر علاجي وذلك من خلال: التوجيه الجمعي لأعداد كبيرة، والإرشاد الجماعي لمجموعات تعاني من مشكلة معينة، والإرشاد النفسي لدراسة حالة، كما أن هنالك الزيارات المنزلية للحالات التي بحاجة لإرشاد مكثف."

ويقول أبو غالي:" إن الظروف الطارئة التي تعاني منها مدينة رفح حاليا تتطلب تدخلا عاجلا ومكثفا من قبلنا، وما تقوم به طواقمنا هو تخفيف المشاكل النفسية، ونحاول أن نؤقلم الناس على الوضع الحالي، ومن الممكن أن تؤثر عليهم، وذلك من خلال تفريغ نفسي للأفراد من الجو الذي عايشوه، وبعد فترة بسيطة نبدأ بالتعمق بشكل أكبر في المشاكل التي يعاني منها النساء والأطفال والجميع""

عدد المنكوبين قابل للزيادة

وعن الوضع الإنساني في المدرسة يقول مساعد مدير عمليات الوكالة خالد عاشور:" حاليا يوجد في مركز الإيواء التابع للوكالة 561 فردا عددهم مرشح للزيادة بسبب استمرار القوات الإسرائيلية بمزيد من التوغل في المناطق الفلسطينية وتقدمها تجاه المناطق السكنية وإرهابها للسكان، إن عمل الوكالة هو عمل إنساني بحث لا علاقة لنا سوى بالسكان ومن يحتاج إغاثة وأمور صحية سواء كان لاجىء أو مواطن فنحن على استعداد لإعانته. وبالنسبة لوضع رفح فقد ناشدنا محافظ رفح لإغاثة العائلات المنكوبة على المناطق الحدودية من رفح، ومن ثم قمنا بافتتاح مركز الإيواء وقدم لنا 57 أسرة في الأيام الأولى.

ويضيف عاشور:" لدى الوكالة 4 مراكز أخرى مجهزة لإغاثة المنكوبين في الحالات الطارئة، وتقدم لهم خدمات إنسانية تسهل لهم استمرارية حياتهم، كما تقدم لهم خدمات صحية ونفسية، حيث يوجد في هذا المركز طبيب وسيارة إسعاف كما أنه يوجد عدد من المرشدين الاجتماعيين والنفسيين لمساعدة الأفراد رجالا ونساء وأطفالا على تجاوز محنتهم بشكل أو بآخر."

وعن حجم الخسائر يقول عاشور:" بما أن المنطقة لازالت خطرة فلا يمكن لوكالة الغوث السماح لفرق الطوارىء بالذهاب للمنطقة والقيام بعملية الحصر والإحصاء للمناطق الزراعية والبنية التحتية، إلا أن هناك توغل مستمر ومتكرر في المناطق الحدودية في رفح.. مرافقا للقصف المدفعي الإسرائيلي."

إرسال تعليق Blogger

 
Top