0

02

 

 

بقلم: هداية شمعون

.. عيونهم ملىء بالتحفز.. عطشى للمعرفة.. ينبشون ذاكرتهم عمن التقوهم في السنوات الماضية.. يحاولون أن يصلوا لحلول واقعية تعينهم على مساعدة الآخرين.. ينعشون شريط حياتهم العملية يبحثوا عن وجوه اقتربت يوما من وجوههم.. وجوه لمست الحزن بدواخلهم.. وجوه أتتهم ذات يوم وهي مكلومة وكانوا هم المنقذ في عيون المكلومين..

إنهم يعيشون بيننا يذهبون لعملهم أملا في يوم أفضل.. تأتيهم وجوه أنهكها الزمن..يحاولون ويحاولون أن يمدوا يد العون لكل الوجوه الموجوعة.. إنهم يعملون بكد ويثابرون وأحد لا يشعر بهم..

هم أطباء وطبيبات، حكماء وحكيمات، ممرضون وممرضات، معالجون/ات نفسيون/واجتماعيون يعملون في مؤسسات أهلية وحكومية، يتوزعون في المستشفيات والمراكز الأهلية.. يريدون أن يقدموا الأفضل لكن من يهتم باحتياجاتهم..

في شهر فبراير ومارس عملت مع هؤلاء جميعا.. كانوا أكثر من مئة جمعهم تدريب واحد على خمسة مجموعات.. كان عنوان التدريب يحمل اسم" كيفية التعامل مع ضحايا العنف.. تهافتوا ليكونوا في التدريب أملا منهم في مساعدة الوجوه المكلومة التي ذكرت والتي قد تحمل وجه إمرأة، أو طفل أو رجل.. تسارعت كلماتهم نريد أن نعرف المزيد، تأتينا حالات تشعرنا بالعجز.. الدوائر تلفنا وتكبلنا، دائرة الأسرة، ودائرة المجتمع، ودائرة الفوضى والعنف، ودائرة العشوائية، ودائرة تقذف مئة دائرة في وجوهنا.. ودائرة الصمت والألم ...

.. جميعهم يتحدث بوجع كيف نساعد ضحايا العنف وجميعنا ضحايا في المجتمع.. الأسئلة تكبر وتزيد الألم.. عنف الاحتلال.. أم العنف الموجه للمرأة والطفل؟.. أم عنف السلاح والفوضى.. أم عنف القوي ضد الضعيف.. أم أم.. عشرات الأسئلة تدق أعناقنا.. حين تأتينا ضحية تعرضت للعنف الجسدي لا نملك إلا تحويلها ومعالجتها.. هي لا تتحدث وتصمت يرافقها جلاد ما، تخرسها العادات والتقاليد، وتخرسها عيون المرافق، أو تقطيب عيون المرافقة وتكشيرتها.. والشرطة تبتعد وإن أجبرت على الاقتراب تجدها تلجأ للصلح أو للعشيرة والجاهات، وهذا ليس خطأ لكن الخطأ بالعودة لدائرة مغلقة جديدة.. والخطأ أن نبتعد عن القانون، والخطأ بعدم تطبيق القانون.. ليبقى العنف- في نهاية الأمر- حبيس الجدران..

ربما ابتعدت قليلا عما أود قوله بقليل من الإشراق والأمل في تلك العيون التي رأيتها في العدد المئة.. ما الذي يمنع تجميع هذه الفئة المتخصصة؟ وما الذي يمنع من تطوير مهاراتها وصقلها، ما الذي تنتظره المؤسسات الأهلية الحكومية والمعنين بأمر من تكثيف الجهود وتحفيز الطاقات المبدعة الكامنة في موظفيهم ؟ ولماذا نبقى محلك سر؟؟ إن تأهيل هذه الفئة المتخصصة وزيادة مهارتها ودعمها من خلال تجمع قوي هو أمر جدير بتبنيه.. لماذا تهدر مئات المشاريع في العمل مع النساء ضحايا العنف بينما نترك الرجل جانبا؟ ونترك المجتمع يكرس سيطرته على أفراده دونما تدخل؟ هذا ليس حلا سحريا إنما هو مجهودات لابد من بذلها والعمل عليها لنتمكن بعد تراكمات من تحريك الماء الراكد و البدء بالعمل الحقيقي والجوهري وليس نظام المشاريع الذي أنهكتنا به المؤسسات المئة والألف التي باتت أكثر من الجمهور المتردد عليها...

إن ما لمسته في هذه الفئة المتخصصة هو أمر جدير بمراجعة أجندة عملنا كمؤسسات وكأفراد، وعلى الجميع أن يعمل من موقعه.. فهذه الفئة على اختلاف تخصصات أصحابها هي الجهات المباشرة التي قد تسعى لها ضحية العنف. فإذا لم تملك هذه الجهات الخبرة الكافية والقدرة على احتواء ضحايا العنف وطمأنتهم وكسب ثقتهم فهؤلاء الضحايا لن يعودوا مرة أخرى، ولذلك وفي كل مرة يتم فيها الحديث عن العنف لا يمكن ذكر أرقام حقيقية بل تقديرات لا تعبر عن الواقع الذي نعيشه لأن هذه الحالات تتوه في الزحام..

وأختم كلماتي بكلمات لطبيبة روسية كانت من ضمن الوجوه التي لا تنسى: "صادفت في عملي عشرات الحالات المعنفة والتي كانت تعاني وتتألم، ولم أتدخل يوما كي لا أجلب المشاكل على نفسي، لكني ومن بعد مشاركتي مع هذه الفئة المتخصصة، وما أتيح لي من تبادل خبرات معهم، فإنني منذ هذا اليوم سأتدخل بكل قوتي لمساعدة جميع ضحايا العنف، ولن أبقى متفرجة بعد الآن..!!

فلتكن كلمتنا للمجتمع بمؤسساته وأفراده ..لا تبقوا متفرجين بعد الآن..!!

إرسال تعليق Blogger

 
Top