هداية شمعون(*)
الآن هو اليوم الــ 317 وعيناي ترقبان الشريط الإخباري وقلبي يخفق بقوة إذا ما تبادر إلى سمعي كلمة معبر.. معبر. عابر عبور الحدود المصرية .. وقت هذه الكلمات يمزقني مرتين حين أسمع وقع موسيقاها على أذني وهي يسقط السيف الآخر ليحطم قلبي حين أدرك أن آمالي وأحلامي ليست إلا سرابا بفتحه.. لا أطمح إلا بيومين فقط أتنفس فيها لأتمكن من السفر لمناقشة رسالة الماجستير التي من المفترض أنها جاهزة منذ عام كامل، ونتيجة طول انتظاري ومرور الوقت اضطررت لتغيير الجانب النظري بأكمله وتحديثه لما يتلاءم مع الدراسة بل لقد أعدت الجانب العملي للدراسة فباتت دراسة حديثة نوفي- حول الواقع المهني للإعلاميات الفلسطينيات- والآن يقف مصير مناقشتي على فتح المعبر فالأخوة في رام الله لا يعترفون بمناقشة الفيديو كونفرنس والأخوة في غزة ولأول مرة يتفقون علينا نحن الطلبة الغلابة ليقولوا قولهم والعاقل يقول يا عالم افتحوا هالمعبر لأني أريد حقا أن أناقشها كباقي العالم المتحضر ولكن هل سأبقى مكتوفة الأيدي أنتظر وأنتظر سنوات الضياع لتنقضي؟؟!! قلت لصديقة ناقشت رسالتها الأسبوع الماضي مهنأة إياها بالتخرج – رغم أنها كانت الدفعة التي تلتني ولكنها الآن تسكن في الضفة- يبدو أنني في بلد المغضوب عليهم لذا سأبقى محلك سر فلا حق لنا في التعليم واستكمال الدراسات العليا ولا حق لنا بأن نستزيد علما ولا شطارة لأن هذا سيؤذي أطراف كثيرة على مايبدو!!!
سنوات الضياع:
سنوات الضياع مسلسل تركي مدبلج فوجئت بأنه باب الحارة الثاني لدى كل من أعرفهم بغزة فمن السيدة العجوز إلى الشابة إلى العاملة والطالبة تعبت من الاستماع لتفاصيل لم أفهمها ولم أشأ ذلك لكني في أكثر من جلسة ولقاء استمعت وكأني مشاهدة رئيسة.. المسلسل التركي المدبلج لا يصله بواقعنا الفلسطيني إلا اسمه- سنوات الضياع- فقد أصاب الجرح وتركه نازفا هل كثرة المآسي من حولنا جعلنا همنا في لميس و هل نحاول الخروج من المأزق لنتعاطف مع عالم غير العالم الذي لا يمكننا الوصول له؟؟! منذ أربعة أيام بت أتابع سنوات الضياع ونور أيضا رغم انشغالي هل هي شراهة المعرفة لما يتحدثون به أم أنها حالة باتت تأسرنا ولا يمكننا الفكاك منها.!
قلاع عقولنا:
بينما كنت أجلس بجانب صديقة في سيارتها الخاصة وفي طريق عودتنا من غزة إلى رفح وصلنا منطقة المواصي.. كانت الشوارع الإسفلتية جرداء بينما العربة تلتهم ما تبقى من رحيق للطريق، كانت مظاهر الحياة شبه معدمة وحركة المرور لا تذكر فالبلد تئن من قلة السولار وما يسد رمق المركبات وتى البشر كادت الطرق تخلو منهم، وفي أثناء الألم الذي كان يعتصرني من قلة البشر وسوء الحال والشلل الذي أصاب الحياة في غزة تقريبا استوقفني من بعيد ما يقارب من عشرة فتيات صغار وصبايا بزي المدرسة وقد لمحتنا الفتيات من بعيد ليشبكن أيديهن ببعض مغلقات الطريق الإسفلتي ونظرا لمواصلتنا بنفس السرعة السير فقد تفرق متصايحات وبعضهن مهللات بكلمات لم نفهمها بينما أيديهن تتحرك تجاهنا بحركات جنونية رأيتها غريبة كل الغرابة التي أرى فيها بنات بلدي وكأنما رأين مشهدا لم يرينه في حياتهن.. وهكذا طيلة الطريق من يصرخ مهللا صائحا فور رؤيتنا وآخرين أسعدنا الحظ بعدم فهم ما يقولون نحونا.. لأقول وصديقتي بصوت واحد هانحن ندخل قلعة الجنوب..!!
لحظة هاربة
استذكرته اليوم والدمع يملأ عينيه العجوزتين، رأيته من ثلاث سنوات بحي السيدة زينب بالقاهرة، كنت على عجلة من أمي وصديقتي تمسك بي من يدي لتمررني من زحام مصر المخيف، لم أجد متسعا من الوقت لخبرها بأني رأيت عيناه تتلألأن بالدمع مادا يده العجوز المرتجفة بينما يجلس على رصيف أحد الشوارع صرخت بيني وبيني يجب أن أعود له ربما أعنته على يوم واحد وبضع ساعات، ربما كنت ملاكه الذي سخره الله لكني كنت مشدوهة من هول الألم الذي أصابني، و حاولت أن أتحاشى عينيه الهرمتين وجسده النحيف بينما ابتسامة ساخرة خيلت لي قد طبعت على وجهه الحزين، تناقض يوم بأكمله عشته وذلك العكاز يكسر بقية نهاري وعدت مع صديقتي متلهفة وعزائي أني سأجده بنفس المكان ، لكني وقفت خالية الوفاض وقلبي يقفز مني، تنبهت صديقتي لتيبسي في الأرض وأنا أشير بيدي في ذات المكان، لم أدرك أبدا أنه سيبقى يلاحقني حتى اليوم، فاللحظات التي تفر منا ربما لا نقتنصها ثانية أبدا..!!
(*) كاتبة وإعلامية
إرسال تعليق Blogger Facebook