صديقة الطفولة فراشة جميلة تكتب الشعر، وتغازل يداها عيونها وتكلم أصابعها نفسها، لم أرها من عام بأكمله لكن قصتها آلمتني… دون مقدمات أجبرها زوجها على الخروج من بيتها... حنان تبكي الآن بين يدي القمر تصرخ دون شفاه.. كان عنيفا معها في بعض الأحيان لكن هذه اللحظات شعرت بأنها تموت ألما لكنها كانت أخرى، حنان الفراشة الرقيقة ذات الملامح الناعمة والصوت الهادىء الجميل، وعيناها الصغيرتان لازالتا تحملان أحلام الصبا، كانت أشبه بشجرة صلبت على أرض غرفتها في الطابق الثالث، تمسك بإفريز الشباك وصرخاتها تشق عنان السماء وأحدا لا تراه غير يدي زوجها القاسيتين، كانت الحائط باردة جدا على جسدها النحيل، وخصائل شعرها تحاول الهرب عبر النافذة الكبيرة حيث السلام والأمان، كان يحاول حملها بكل قوته وقد فقد صوابه وهي العصفورة المبللة لازالت تحدق في عيون صغارها وتتشبت بالحياة، أحدا لم يحاول انقاذها من بين يديه كانوا ينظرون ببلاهة وقد راقهم المشهد، وراقهم الموت أكثر من الحياة، لم تجد غير قوة إلهية تسعفها وتجعلها كالشجر اليابس وجذوره قد امتدت عشرات السنين في الأرض، صمدت وما عادت تصرخ فكل قواها يجب أن تدخرها للبقاء على قيد الحياة، كان جسدها الذي بات كقطعة سجاد حمراء من شدة الضرب، يهزم قوته الجسدية رغم نحولها، وصمدت ووقفت على قدميها مرة أخرى وصرخت ببلاهته وغبائه وباتت كعيون نسر جامح وهي تصرخ كفى..كفى.. وانتشلت حنان روحها من بين يدي زوجها الكافرتين، وهرولت لحضن صغارها الملتاعين وبكت حين لمست الأيدي الصغيرة وجهها، وتذكرت كم خنجرا ذبحها به زوجها وكم مرة اعتدى عليها بالضرب والصراخ والألفاظ النابية، لكن أن يحاول قتلها وإلقائها من نافذة غرفتهما في الطابق الثالث ويصر على ذلك لولا عناية الله بها
حنان صديقة الطفولة حلمنا كثيرا أن نطير.. كنت أكتب القصة وكانت تكتب الشعر، تبادلنا الكتابات دائما وتخرجنا من المدرسة لم نكن بذات الصف لكنا كنا جيران، ورغم أنها انتقلت للسكن مع أهلها في غزة إلا أنا بقينا على تواصل، وظلت أحلامنا الصغيرة تسبقنا، كانت رقيقة أشبه باليرقة والتقينا مرة أخرى بالجامعة تخصصت صحافة إعلام وهي تخصصت لغة عربية، ورغم أمنيتها أن تكون شاعرة إلا أن قرار الزواج كان كالسيف الذي أعلن انتهاء أيام الطفولة والشباب، وتزوجت وانقطعت عن الجامعة، أصبحت أسأل عنها جدتها فهي لازالت جارتنا، وعلمت أنها أنجبت ثلاثة أطفال، ورأيتها بعد سنوات كثيرة في بيت جدتها في عزاء جدها كانت أخرى لكنها بنفس الرقة والهدوء، كانت تشكو بصمت، ورغم أنها حاولت مرارا أن نبقى على تواصل وتبادلنا أرقام الهواتف إلا أن انشغالي منعني من التواصل معها كالسابق، حتى يوم أمس حيث وصلتني تفاصيل الاعتداء عليها من زوجها ومحاولته قتلها، شعرت بكثير من المرارة والذنب تجاهها.. أتفهم تماما أنها حاولت وبكل قوة الحفاظ على حياتها لكن العنف ضدها وبهذه القسوة جعلها تبحث عن مساحة من الحرية، والأغرب أن الكثيرون يحاولون أن يطمسوا هذا العنف ويدعوا أن لا عنف تجاه النساء كون المجتمع محافظ ويحافظ ويصون المرأة .. إن الشواهد والحالات التي نراها وتعيش بيننا هي أبشع دليل على هذا العنف، رغم أن الإحصاءات والأرقام ليست حكما فاصلا بحجم ظاهرة العنف ضد النساء..
إنها دعوة لهن جميعا ..الصمت ليس الوسيلة الأنجع لحل مشاكل العنف، حنان خرجت عن صمتها وليتها لم تدخل دائرة الصمت منذ البدء، ولكنها رغم ذلك كانت مثالا للشجاعة والدفاع عن نفسها وحياتها فلتحتذي بها باقي النساء المعنفات، وليدركن أنهن وحدهن قادرات على تغيير الصورة.
إرسال تعليق Blogger Facebook