0

نظرة على واقع الإعلاميات الفلسطينيات في قطاع غزة

 

                                                     200901201003

هداية شمعون نجمة

ستتناول هذه الورقة محورين أساسيين الأول يتعلق بنظرة شاملة للواقع الحالي للإعلاميات الفلسطينيات، أما المحور الثاني فيتعلق بنتائج دراسة بحثية حول موضوع الواقع المهني للإعلاميات الفلسطينيات في قطاع غزة (**) وعلاقة الإعلاميات بنقابة الصحافيين.

إن واقع الإعلامية الفلسطينية هو جزء من واقع المرأة الفلسطينية الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي، وهو واقع لازالت تعاني فيه المرأة الفلسطينية الأمرين نتيجة وجود الاحتلال الإسرائيلي والوضع الداخلي الفلسطيني المتأزم وما يرافقه من عدم استقرار سياسي بل يعتبر بيئة خصبة لأجواء العنف وما يترتب عليه من هضم الحريات الصحفية، وحرية التحرك في الميدان، كل ما سبق من جهة ومن جهة أخرى واقع كونها امرأة وهنا تبرز العادات والتقاليد والنظرة الدونية للمرأة من المجتمع كونه مجتمعا ذكوريا، فالتحفظ على عمل الإعلاميات هو تحفظ المجتمعات الشرقية تجاه المرأة بشكل عام.

ورغم تحسن النظرة لعمل المرأة في مجال الإعلام إلا أنه تحسن طفيف مرهون بالأوضاع الاجتماعية والسياسية التي تحيط بالمجتمع ككل.

وعودة على بدء ففي ظل حالة الفلتان الأمني والحصار المفروض على قطاع غزة تعرضت الإعلاميات للعديد من التهديدات وممارسة التخويف من الأطراف المتواجدة على الساحة الفلسطينية، أو من بعض العائلات ذات النفوذ أو بعض الجماعات حديثة العهد بغزة.

ونتيجة المستجدات المتلاحقة على الساحة الفلسطينية والأوضاع الجديدة في غزة وإغلاق محطات إذاعية ووقف بث التليفزيون الفلسطيني والفضائية بالإضافة لعدد من المطبوعات فقد أدى ذلك لفقدان عدد كبير من الإعلاميات الفلسطينيات لأماكن عملهن، أو الأماكن التي يتدربن فيها لصقل مهاراتهن وتطوير خبراتهن أو بث رسائلهن الإعلامية وهذا الأمر يعد انتكاسة خطيرة غير مسبوقة للإعلاميات والعمل الإعلامي.

أما الإعلاميات اللواتي استمرين في عملهن في الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو مواقع الانترنت فقد تقلص هامش الحريات الصحافية كثيرا بالنسبة لهن، وبات هناك الكثير من المحاذير التي فرضت على الإعلاميات والإعلاميين بالرقابة على ما يتم تناوله والمصطلحات المستخدمة للإشارة للواقع الداخلي الراهن الأمر الذي جعل الإعلاميين منقسمين بحسب انتماءاتهم الحزبية و الذي انعكس بدوره على الإعلاميات ومهنية العمل الإعلامي.

إن الصعوبات التي تواجه الإعلاميات هي صعوبات متعددة ومختلفة بعضها يتعلق بالإعلاميات أنفسهن، وبعضها يتعلق بالأسرة الفلسطينية ونظرتها للعمل الإعلامي، وبعضها يتعلق بمعوقات مجتمعية كمجتمع شرقي ما يسمح ومالا يسمح، كما أن هنالك معوقات تتعلق بالمؤسسات الإعلامية والتمييز الذي تمارسه بحق الإعلاميات، والمظلة التي تعمل بها الإعلاميات في الظروف السياسية وغير المستقرة واستمرارية الحصار الإسرائيلي الأمر الذي شكل ولازال تهديدا حقيقيا على العمل الإعلامي وجعله إعلاما تحريضيا أكثر من كونه إعلاما يمثل سلطة رابعة، أو إعلام قادر على عكس الحقائق وأن يكون مرآة للمجتمع وقضاياه.

كل ما سبق ألقى بظلاله على عمل الإعلاميات فهنالك من هجرن عملهن الإعلامي وتوجهن لعمل ليس له علاقة، وبعضهن باتت الرقابة غير المعنونة سيفا على رقابهن فيما ينشر أو لا ينشر، وهناك من تلقين تهديدات شفاهية أو رسائل مبطنة ليلزمن الصمت، بينما هنالك العدد الأكبر الذي لم تعد لديهن مقدرة على النشر لقضايا ملحة، بالإضافة إلى أن هناك عدد كبير من الإعلاميات بتن في صفوف البطالة نتيجة فقد عملهن الإعلامي، وعدم وجود منابر إعلامية حقيقية للتوجه والعمل بها، فالخيارات محدودة وسقف الحريات محدود كما أن الإعلامية تجد نفسها تقف وحدها إذا تعرضت لأي انتهاك فليس هنالك من يدافع عنهن.

المحور الثاني:

نتائج دراسة بحثية بما يتعلق بالعمل النقابي:

تم إجراء مسح للإعلاميات العاملات في وسائل الإعلام في بداية العام 2006 (الأول من يناير- نهاية فبراير) وتم حصر 132 إعلامية يعملن في وسائل الإعلام المسموعة والمقرؤة والمرئية، تم استثناء من عملن مدة تقل عن عام منذ بداية التحاقهن فأصبح مجتمع الدراسة 100 إعلامية فقط.

و في حصر آخر لنفس الوسائل الإعلامية السابقة ونتيجة الأوضاع التي آلت في قطاع غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي وفقدان بعض الجهات الإعلامية لمصادر تمويلها، بالإضافة لسيطرة حركة حماس على قطاع غزة في الرابع عشر من يونيو 2007 (أي فترة شهر ديسمبر2007) ، أدى ما سبق إلى فقدان العديد من الإعلاميات أعمالهن ومواقعهن الإعلامية وتحديدا في كل من : تليفزيون وفضائية فلسطين، صوت فلسطين البرنامج الثاني، الإذاعات: صوت الشباب، صوت الحرية، المجموعة الفلسطينية للإعلام.

وإذا ما أردنا تحديد عدد من خسرن مواقعهن الإعلامية حتى تاريخ 30 أكتوبر2007 من قائمة الإعلاميات السابقة تفوق من خسرن هذه المواقع النصف. إذ فقدت 53 إعلامية من مجموع 100 إعلامية موقعها الإعلامي، وهذا يعني تراجعا حادا ومخيفا لمسيرة للإعلاميات الفلسطينيات قد يكون له تأثيره الأكبر على تقدمهن المهني ويضيف المزيد من العبىء على الإعلاميات في قطاع غزة.

ومن أهم النتائج التي خرجت بها الدراسة بما يتعلق بعنوان الجلسة:

1- تعمل الإعلاميات دون عقد عمل يحفظ حقوقهن أو يشكل مصدراً للأمان لهن بنسبة 49.2%، وقلة من لديها عقد عمل دائم بنسبة 22%، وبنفس النسبة كانت الإعلاميات اللواتي لديهن عقد عمل مؤقت ولا تتعدى مدته العامين، أما المتطوعات فكانت نسبتهن 6.8%.

2- الإعلاميات اللواتي عبرن عن رضاهن عن عملهن الحالي كن بنسبة 55.9% فقد أشرن إلى أهم الأسباب لديهن لهذا الشعور كالتالي: العائد المادي جيد بالنسبة لهن، إثبات الذات والشخصية بالإضافة لشعورهن بالقيام بدور وطني فاعل ومساحة الحرية المتاحة لهن في عملهن مناسبة، كذلك شعورهن بالحب والانتماء لهذا العمل، واكتساب الخبرة في ظل انعدام فرص عمل حقيقية.

3- أما الإعلاميات اللواتي لا يشعرن بالرضا تجاه عملهن الحالي فكن بنسبة 44.1% ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها حسب ما ذكرن: الشعور بالتمييز بينهن وبين زملائهن الصحافيين، عدم وجود بديل عن هذا العمل أمامهن، لا يجدن دعما من المحيط الاجتماعي، العمل بلا عقود ولا ضمانات، لا يوجد دعم من المسئولين، إمكانيات العمل لا تلبي طموحاتهن، العائد المادي متدني.

4- عملت الإعلاميات في وسائل الإعلام الفلسطينية المختلفة كالتالي: تليفزيون فلسطين بنسبة 26.9%، صوت الشباب 15.4%، صوت الحرية بنسبة 11.55، صوت العمال وكذلك قناة الجزيرة بنسبة 7.7%، وحازت الوسائل الإعلامية التالية بنسبة 3.8% للإعلاميات العاملات فيها كالتالي: صوت فلسطين،قناة العربية، تليفزيون المنار، إذاعة وقناة الكويت، تليفزيون سلطنة عمان، قناة الأقصى، قناة الإخبارية، إذاعة ألوان. مع التأكيد على فقدان الإعلاميات في تليفزيون وصوت فلسطين، وصوت الحرية، صوت الشباب، وصوت العمال عملهن في النصف الثاني من 2007.

5- أكدت 84.7% من الإعلاميات أنه ليس لديهن عضوية في النقابة، بينما من حصلن على عضوية كانت نسبتهن 15.3% من الإعلاميات.

6- الأغلبية التي نسبتها 84.7% من الإعلاميات اللواتي ليس لديهن عضوية في نقابة الصحافيين الفلسطينية كانت أسبابهن كالتالي: غير مهتمات بهذه العضوية بنسبة 46.24%، العضوية مشروطة بخمس سنوات خبرة في مجال الإعلام بنسبة 18.75%، قدمت طلبا ولم يبث فيه بنسبة 13.1%، مهتمة ولكنها لم تقدم طلبا بنسبة 11.25%، حاولت مرارا وفشلت بنسبة 8.75%، قوبلت بالرفض دون ذكر أسباب بنسبة 1.8%.

7- أكدت الإعلاميات الحاصلات على عضوية النقابة ( 15.3%) أن اهتمامهن بالعضوية يرجع إلى: الدفاع عن حقوق الصحافيين/ات، الالتحاق بدورات إعلامية متخصصة، الاستفادة من الخدمات المقدمة للصحافيين، مركز اجتماعي ومعنوي، متابعة أوضاع الصحافيين/ات، الاطلاع على مستجدات الأمور للصحافيين/ات، تحسين ظروف العمل، والبعض أشار أن العضوية بالنسبة لها لا تعني شيئا.

8- ترى الإعلاميات أن النقابة هي جسم غير فاعل بنسبة 27.7%، وترى 22.5% أن النقابة تهتم بمصالح أشخاص من المسئولين منها، بينما رأت 17.9% أنها لا تهتم بمتابعة قضايا الإعلاميين/ات، وأكدت 17.5% أنها لا تقدم شيء مجدي للإعلاميات، ورأت 14.4% أنها كنقابة لا تكترث بهموم الإعلاميات.

9-أكدت %25.4 أن هنالك تفرقة بينهن وبين الإعلاميين على أساس النوع الاجتماعي, بينما من أجابت أنه لا توجد تفرقة كانت بنسبة %57.7 في حين أجابت أحياناً %16.9.

10- ومن أجبن بوجود تفرقة بينهن وبين الإعلاميين أكدن أن مظاهر هذه التفرقة تتمثل في التمييز بينهن والإعلاميين في الحصول على عضوية النقابة بنسبة 36%, ورأت %28 منهن أن مظاهر هذه التفرقة تتمثل في دعوة صحافيين لحضور الاجتماعات الخاصة بالنقابة, تلتها الاهتمام بقضايا ومشاكل الإعلاميين ومن الإعلاميات %20, كما أكدت %20 على أن مظاهر التفرقة تتجلى في الحط من كفاءة وقدرة الإعلاميات لعدم اختيارهن لدورات خاصة في خارج البلاد, ورأت %16 تغليب مصالح شخصية مع الزملاء الصحافيين هي من مظاهر التفرقة يرافقها عدم الاكتراث إلى الصحفيات. كما أكدت %12 منهن أن التكريم والدورات والحفلات تخص الإعلاميين فقط ولا تتم دعوة الإعلاميات رغم اعتراضهن على ذلك.

واستنادا إلى نقابة الصحافيين فعدد الإعلاميات الحاصلات على العضوية الدائمة لنقابة الصحافيين في غزة بلغ 15 إعلامية فقط من مجموع 213 عضو في النقابة حيث بلغ عدد الإعلاميين كأعضاء دائمين 198 إعلامي حتى نهاية العام 2003

11- اعتبرت الإعلاميات أن ثقافة المجتمع ونظرته التقليدية للمرأة الإعلامية هي الصعوبة الأولى. تلتها ثقافة المجتمع ونظرته لمهنة الصحافة. وأكدت الإعلاميات أن المكاتب الصحفية والمؤسسات الإعلامية تقوم باستغلال الإعلاميات خاصة في بداية مشوارهن الإعلامي، حيث أن ظهور الإذاعات الخاصة وإتاحة الفرص للإعلاميات للعمل فيها دون عقود أو أي حقوق تحفظ للإعلامية حقها أدى لمزيد من الاستغلال لقدراتهن بدعوى أنهن لازلن غير معروفات على الساحة الإعلامية.

12- كما اعتقدت الإعلاميات –عينة الدراسة- أن الصعوبات المتعلقة بالاحتلال والقيود التي يفرضها على عملهن وحريتهن الصحافية من أكثر الصعوبات التي تواجههن وجاءت بنسبة %9.44. ورأت %8.79 من الإعلاميات أن نظرة المجتمع التقليدية للفتيات من الصعوبات التي تعيق عملهن الإعلامي، بينما رأت %7.24 أن العمل الصحفي بحد ذاته عمل صعب بالنسبة لهن. وأكدت %6.72 من الإعلاميات أن العادات والتقاليد بالإضافة للصورة النمطية للمرأة التي يقدمها الإعلام تشكل بالنسبة لهن معيق لتطوير عملهن الإعلامي ومواصلته بالشكل المطلوب.

مقترحات وتوصيات:

1- ضرورة أن تأخذ نقابة الصحافيين زمام المبادرة لاحتواء الإعلاميات بما يخدم الحركة الإعلامية، واحتضان كافة الأجسام الإعلامية الخاصة بالإعلاميات أو الإعلاميين وإيجاد السبيل الأمثل لتفعيلها والتشبيك بينها.

2- ضرورة التنسيق بين المؤسسات النسوية والأهلية للعمل من أجل التعاون لدعم الإعلاميات بما يسهل عملهن ويصون حقوقهن في مجال العمل الإعلامي.

3- إشراك الجهات المعنية في النقد الموضوعي للمعوقات التي تواجه المرأة الإعلامية ودعوة هذه الجهات إلى طرح العقبات وإلقاء الضوء عليها من اجل وضع الخطط التي من شأنها أن تساهم في التخفيف منها قدر المستطاع أو تغييرها.

4- الحاجة الماسة لإجراء مزيد من الدراسات والبحوث الإعلامية خاصة دراسات تتعلق بالقائم بالاتصال في فلسطين.

5- العمل على زيادة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار في وسائل الإعلام، ونشر مواد إعلامية تبرز الصورة الإيجابية للمرأة الفلسطينية والقيادات النسوية.

6- ضرورة اهتمام مراكز حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني بتوفير الأجواء الإعلامية المناسبة، ودعم الإعلاميات والإعلاميين نظرا لخطورة بيئة عملهن في قطاع غزة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) منسقة برنامج الأبحاث والتوثيق في مركز شؤون المرأة- غزة، ورئيسة مجلس إدارة ملتقى إعلاميات الجنوب.

(**) الدراسة هي رسالة ماجستير- في معهد الدراسات والبحوث العربية – القاهرة- قسم الدراسات الإعلامية.

إرسال تعليق Blogger

 
Top