0

 

قراءة في الموقف الإسرائيلي تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين

14

هداية شمعون *

كلما تقدم الزمن أكثر، ومرت السنوات يلح مبدأ حق العودة على التاريخ ويبرز كحقيقة أبدية أن العودة حقيقة وحق لا يسقط بالتقادم، ورغم مرور اثنان وستون عاما فإن الوجع الفلسطيني والعودة الفلسطينية هي جزء من هوية الذاكرة الفلسطينية ولم تعد جذورا ممتدة في الجسد الفلسطيني فقط، بل باتت هي شريان الدم الذي يبقى هذا الجسد حيا ونابضا بالحياة، ورغم كل التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعصف بالكيان الفلسطيني إلا أن الحقيقة التي لا تواريها شمس أن الفلسطينيين متمسكون بحقهم بالعودة لديارهم التي هجروا منها، ومن هنا جاءت كل الأحلام الصغيرة والكبيرة وامتدت لتكون أسطورة لا تلغيها أي مقترحات بديلة عن هذا الحق، فلم يكن أبدا التعويض أو التوطين بديلا عن حق العودة، لأنه حق مقدس وقانوني ولا يمكن لأحد التنازل عنه.

واقع اللاجئين الفلسطينيين:

يبلغ عدد الفلسطينيين في العالم حوالي 10.9 مليون نسمة، منهم 4.0 مليون نسمة في الأراضي الفلسطينية، 1.4 مليون نسمة في أراضي عام 1948، في نهاية العام 2009

إذ تشرد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلاً عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم رغم بقائهم داخل نطاق الأراضي التي أخضعت لسيطرة إسرائيل، وذلك من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 وذلك في 1,300 قرية ومدينة فلسطينية، وتشير البيانات الموثقة أن الإسرائيليين قد سيطروا خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة، حيث قاموا بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية، كما اقترفت القوات الإسرائيلية أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين وأدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.

كما وتشير المعطيات الإحصائية أن عدد الفلسطينيين عام 1948 قد بلغ 1.4 مليون نسمة، في حين قدر عدد الفلسطينيين نهاية عام 2009 بحوالي 10.9 مليون نسمة، وهذا يعني أن عدد الفلسطينيين في العالم تضاعف بنحو 8 مرات منذ أحداث نكبة 1948.

وتظهر المعطيات الإحصائية أن نسبة اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية تشكل ما نسبته 45.0% من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في الأراضي الفلسطينية نهاية العام 2009، كما بلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث منتصف عام 2009، حوالي 4.7 مليون لاجئ فلسطيني، يشكلون ما نسبته 43.4% من مجمل السكان الفلسطينيين في العالم، يتوزعون بواقع 41.7% في الأردن 9.9% في سوريا، و9.0% في لبنان، وفي الضفة الغربية 16.3%، وقطاع غزة 23.1%، يعيش حوالي 29.4% منهم في 58 مخيماً تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 في سوريا، و12 مخيماً في لبنان، و19 مخيماً في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.([1])

الشتات ونكبة عام 1948

لقد أدت الجرائم والمجازر التي اقترفها اليهود، وما عقب ذلك من استيلائهم على معظم بلاد فلسطين، بمساعدة الدول المناصرة لهم إلى كارثة جلاء نحو مليون عربي من مواطنهم واستيلاء الغاصب على ممتلكاتهم وأراضيهم ومساكنهم، ولجوءهم إلى الأقطار العربية المجاورة، والقسم الذي بقي في فلسطين بيد العرب على حال من البؤس والفقر والشقاء.

إن جهود الاستعمار الصهيوني خلال عشرات السنين، والسياسات التي اتبعتها، وتصريح بلفور، والانتداب البريطاني، وجهود بريطانيا التهويدية، لم تستطع أن تنزع من أراضي العرب إلا 6,5% من مجموعها، ولكن اليهود استولوا بسبب الكارثة على أضعاف هذه المساحة، إذ لم يبق للعرب من فلسطين سوى 5,555,555 دونم في الضفة الغربية للأردن أكثرها جبلية، ونحو 300 ألف دونم في قطاع غزة معظمها رمال، على حين اغتصب اليهود أكثر من عشرين مليون دونم .([2])

وقد تصرف اليهود في هذه الممتلكات العربية تصرف المالكين ، فمنحوا " الكاران كايمت " مليون دونم ، ومنحوا مزارعين مليونا آخر ، وأسكنوا المهاجرين في بيوت العرب وقراهم وسلموهم مزارعهم ، وسنوا قوانين تمنح الحرس اليهودي الذين عينتهم السلطات الحق أن يتصرفوا في الأموال بيعا وشراء واستغلالا وتصفية ، كما أنهم سنوا قانونا يسمى " قانون أنظمة الطوارئ " بشأن أموال الغائبين لسنة 1949 ، يقضي بأن يؤول كل حق الغائب في ماله إلى الحارس آليا.([3])

الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين:

لا يخالطنا شك في أن الاستيطان اليهودي إنما كان يهدف إلى طرد الفلسطينيين والحلول محلهم، مما يجعل إنكار إسرائيل لدورها في طرد الشعب الفلسطيني من أرضه هو محض افتراء، إن طرد الشعب الفلسطيني هو أساس الصراع العربي الإسرائيلي.

إن تسوية فلسطينية إسرائيلية دائمة لا تحل مشكلة اللاجئين من الأساس، ولذلك لن يكون نشوب موجة جديدة من الصراع بين الطرفين سوى مسألة وقت، حيث أن تعطش الفلسطيني إلى حل "عادل" -بحسب تعريفهم لمشكلة اللاجئين- سيبقى عاملا رئيسيا ومحرضا في جدول الأعمال السياسي العربي عامة والفلسطيني خاصة، أما في الجانب الإسرائيلي فإن عدم تسوية هذه المشكلة سيترك رواسب عميقة في قلوب الكثيرين ممن يخشون أن يواصل الفلسطينيون السعي لمحو إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط.

وتتجاهل المؤسسة السياسة الإسرائيلية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ونجد الموقف الإسرائيلي من المباحثات متعددة الأطراف التي تعالج قضية اللاجئين، فبدلا من أن تكون هي الجهة التي تناقش المشكلة وتبحث عن الحلول، وبدلا من طرح الموضوع في المباحثات الفلسطينية بشأن اتفاقي أوسلو والقاهرة، فقد تجنب طرح الموضوع ومناقشته.

ولم تكتف إسرائيل بذلك بل أنها تحاول تقزيم قضية اللاجئين عبر طرح قضية اليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى إسرائيل، وتطالب بأنه يتوجب أولاً حل هذه القضية بزعم أن هؤلاء اليهود " هجروا " من الدول العربية وصودرت أملاكهم من قبل الدول العربية، وهناك في إسرائيل من يزعم أن هؤلاء هم " اللاجئون الحقيقيون "، الذين يتوجب على الدول العربية تقديم مئات المليارات من الدولارات لـ " تعويضهم " عما " سلب " منهم، مع العلم أن هناك شبه إجماع بين الباحثين الذين درسوا تاريخ الهجرات اليهودية من الدول العربية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي على الدور الذي لعبته الحركة الصهيونية في تهجير هؤلاء اليهود.

أما فيما يتعلق بحق " العودة " تحديدا، فإن موقف إسرائيل _ باستثناء فترة قصيرة الأجل عام 1949، عندما أبدى رئيس الحكومة الأسبق ديفيد بن غوريون استعدادا للسماح بعودة 100.000 لاجئ ولم يقصد إلى شيء _ ظل ثابتاً : اتفاق في الرأي داخل السياسة الإسرائيلية على رفض " حق " اللاجئين في العودة للأراضي الإسرائيلية، سواء الحق المبدئي أو الحق العملي.

إن إسرائيل ترفض هذا الحق بالدرجة الأولى على الصعيد المبدئي، إذ ينطوي اعتراف إسرائيل بحق العودة على إقرار بمسئوليتها عن نشوء المشكلة ، وربما حتى بتحمل تبعاتها، وإسرائيل لا تعتبر نفسها مسؤولة عن حرب 1948 بل بالعكس، فهي ترى أن التبعة كلها تقع على عاتق الجانب العربي – الفلسطيني، ولا فارق إطلاقا في هذه الحال، ما إذا كان زعماء عرب هم الذين شجعوا الفلسطينيين على مغادرة ديارهم، أو أن هروبهم ناجم عن أهوال الحرب. إن هذا التحفظ المبدئي يبقى قائما حتى ولو لم تطرح في جدول الأعمال " عودة " فعلية للاجئين للأراضي الإسرائيلية، فكيف إذا كان ثمة إمكان لأن يرغب عدد صغير أو كبير منهم للعودة للأراضي الإسرائيلية، في حين أن الاعتراف بمبدأ " حق العودة " يحرم إسرائيل حق النقض، ويحرمها من التحكم في كمية العائدين.

وبحسب رأي إسرائيل لا يجوز أن يترك القرار بشأن " العودة " في أيدي الفلسطينيين، في الوقت الذي لا تتمتع إسرائيل بالقدرة على التأثير في كمية العائدين.

ولهذا السبب يعارض الكثير من الإسرائيليين الاقتراح الداعي لالتزام إسرائيل باستيعاب عدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين، بناء على معايير لمّ شمل العائلات.

وقد سمحت إسرائيل بعودة عشرات الآلاف من اللاجئين، ولا تزال تفعل ذلك بأعداد محدودة وبلغ عدد الذين سمحت لهم إسرائيل بالعودة منذ حرب " الاستقلال " 70,000 نسمة من بين اللاجئين ( من حزيران / يونيو 1976، حتى حزيران / يونيو 1994 ، سمح لـ22,179 شخصا بدخول إسرائيل ، في إطار لم شمل العائلات، ويشمل هذا الرقم عرب القدس الشرقية أيضا)

ومع ذلك فإن هذه السياسة الإسرائيلية تعتمد على أساس إنساني صرف، وهي من جانب واحد، ولن تسمح إسرائيل للجانب الفلسطيني بأن يكون شريكا في قراراتها.

والحكومة الإسرائيلية ترفض العودة بصفة خاصة على أساس عملي: لا إمكان عمليا لإعادة اللاجئين إلى منازلهم وأراضيهم من دون تقويض نسيج الشعب والمجتمع في إسرائيل كلها، إن قسما كبيرا من المستوطنات القائمة في إسرائيل _ في الاستيطان القروي والمدني على السواء _ مشيّد على أراضي كان يستوطنها عرب فلسطينيون في السابق، ولا توجد طريقة لإعادة هذه الأراضي والأملاك التي كانت قبل 47 عاما.

ترى إسرائيل أن تنفيذ حق العودة يعني عملياً القضاء على إسرائيل بدون حرب، حيث يتمكن الفلسطينيون في حال تسنى حق العودة لو بشكل غير كامل إلى تحقيق أغلبية كاملة للفلسطينيين تسهم في انتقال الحكم إليهم.

إن لب الرفض الإسرائيلي لحق العودة ينبع أساساً من تعريف إسرائيل لنفسها، فحسب ما يعرف بـ " وثيقة الاستقلال " التي تكتسب قيمة دستورية وقانونية فإن إسرائيل دولة يهودية ديموقراطية، أي أن طابعها العام يجب أن يبقى يهودياً، وضمن ذلك الطابع الديموغرافي، أي أنه يتوجب أن يحتفظ اليهود دوماً وبفارق كبير على تفوق ديموغرافي واضح. ولتأمين ذلك سنت إسرائيل عام 1953 قانون " العودة " الذي يعطي الحق لأي يهود في أي مكان في العالم لمجرد أنه يهودي بالهجرة إلى " إسرائيل " والتمتع بحقوق المواطنة فيها.

إن إسرائيل_ حتى من دون عودة اللاجئين _ قلقة من خطر انسلاخ الأقلية العربية الموجودة ضمن حدود الدولة، إن تعداد العرب الفلسطينيين اليوم هو 18% تقريبا من مجموع السكان، في حين أن وزنهم النسبي في منطقتي الجليل والنقب _ المحاذية لأرض عربية فيما وراء الحدود _ مرتفع للغاية.

إن من شأن عودة اللاجئين أن تزيد في حدة خطر الانسلاخ ، وأن تهدد حدود 67 الإسرائيلية.

تعويض مالي للاجئين:

تمثل الموقف التقليدي لحكومات الإسرائيلية _ منذ النصف الثاني من الخمسينات _ بالتحفظ القاطع تجاه أي التزام بدفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين، حتى وإن كانت مشكلة اللاجئين لا تقع على عاتق إسرائيل، فلا مراء في أن إسرائيل استفادت من الممتلكات الواسعة في المدن والقرى التي انتقلت ملكيتها إليها، والتي شكلت البنية التحتية التي ساعدت في استيعاب الهجرة الكبرى التي تلت حرب " الاستقلال "، وجعلت إسرائيل هناك حجة موضوعية لتحفظها تجاه التعويضات: في الأعوام التي شهدت موجات الهجرة الجماعية، استوعبت إسرائيل الأغلبية الساحقة من الشتات اليهودي، الذي اضطر للنزوح من الأراضي العربية ( من العراق وحتى المغرب )، من دون أن يتوفر لهؤلاء اليهود إمكان فعلي للإفادة من الممتلكات الواسعة التي اضطروا إلى تركها، وتأهيل وترسيخ هؤلاء النازحين ( اليهود ) من دون أن تتلقى أي تعويضات عربية، وفي الأوضاع التي نشأت، فإن إسرائيل لا توافق على منح اللاجئين الفلسطينيين تعويضات قبل إجراء حساب دقيق لعدد اللاجئين اليهود الذين تم استيعابهم في إسرائيل، وقيمة الممتلكات التي خلفوها، ولم تجري قط مقارنة حساب صافي قيمة الممتلكات الفلسطينية بقيمة الممتلكات اليهودية، ولكن يبدو من الفحص غير المتعمق أن النتيجة ستكون _ من الناحية الفلسطينية _ متكافئة في أحسن الأحوال، والاحتمال الأقوى أن يبين الحساب الدقيق دينا لمصلحة إسرائيل

والسؤال الذي يجدر فحصه هو: هل ينبغي أن يكون اعتبار تصفية هذا الحساب هو الاعتبار الأساسي أو الوحيد في تحديد موقف إسرائيل؟ - مع التأكيد دوما أنه لا يجوز من ناحية أخلاقية وقانونية وتاريخية المقارنة بين هجرة اليهود إلى أرض فلسطين التي تمت بمبادرة الحركة الصهيونية وتهجير الفلسطينيين الذين جاء لإفساح المجال أمام إقامة الكيان الصهيوني.

لم يكن هذا هو موقف الحكومة الإسرائيلية في الأعوام الأولى التي تلت إنشاء الدولة ، ففي عام 1949، طرحت حكومة الولايات المتحدة اقتراحا يقضي بأن تسمح إسرائيل بعودة ثلث العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين ( كانت التقديرات آنذاك تقول إن الأمر يتعلق بـ200,000 نسمة تقريبا )، على أن تتحمل الولايات المتحدة نفقات إعادة تأهيل باقي اللاجئين ، ورفض دايفد بن غوريون ، رئيس الحكومة حينها الاقتراح الأمريكي الداعي إلى استيعاب كتلة كهذه من اللاجئين في إسرائيل، بينما كان مستعدا لدفع التعويضات، وتحفظ على تصفية الحساب مع كل لاجئ، وكبديل اقترح إنشاء صندوق دولي يعالج هذا الموضوع، وتشترك إسرائيل فيه، إنما من دون أن تتحمل المسئولية.

ومنذ أن اتضح للأمريكيين أن عودة اللاجئين لأراضي الإسرائيلية _ بأعداد كبيرة أمر _ غير واقعي، أخذوا يشجعون على دفع التعويضات، وطلبوا أن تدفع إسرائيل 30 _ 50 مليون دولار، لقاء الممتلكات التي خلفها الفلسطينيون، وكان المبلغ متدن جدا قياسا بالتقدير الحقيقي لقيمة الممتلكات، وقد درست لجنة حكومية في إسرائيل عام 1951 حجم الممتلكات التي استولت إسرائيل عليها، وقدرت بنحو 400 مليون دولار ( توصل تقويم أجري بتكليف من الجامعة العربية إلى تقدير يعادل نحو 3 مليارات دولار).

العودة إلى مناطق السلطة الفلسطينية:

سيتعين على إسرائيل إعطاء رأيها وبلورة موقفها تجاه مسألتين إضافيتين:

الأولى: السماح بعودة " نازحي 1967 " إلى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.

الثانية: سنّ " قانون عودة " فلسطيني ( بعد قيام الكيان المستقل ) يمنح كل عربي فلسطيني الحق في الهجرة والاستيعاب في الدول الجديدة _ إذا رغب في ذلك _ على غرار قانون العودة الإسرائيلي .

فيما يتعلق بالمسألة الأولى ، علينا أن نميز بين نوعين من النازحين ، الأول يتألف من فلسطينيين _ سكان دائمون ولاجئون _ من الضفة الغربية ( ومن قطاع غزة )، منعهم الحكم الإسرائيلي من العودة إلى منازلهم منذ حزيران / يونيو 1976، والنوع الآخر يتألف من لاجئي 1948، الذين كانت أغلبيتهم تقيم في مخيمات اللاجئين الواقعة في منطقة أريحا، وكانت أقلية منهم تسكن مخيمات أخرى في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، إن عودة هؤلاء لمناطق الحكم الذاتي، أو الدولة الفلسطينية يستوجب عودتهم إلى مخيمات لاجئين ( ناهيك بأن هذه المخيمات دمرت على مرّ السنين).

عدد النازحين وقت نشوء المشكلة في سنتي 1967 _ 1968 أكثر من 300,000 نسمة، وإذا أخذنا الزيادة الطبيعة لهؤلاء السكان في الحسبان، فسيكون من الواقعي أن نفترض أن العدد الإجمالي لهذين النوعين من النازحين _ الذي يدور الحديث عنه اليوم _ يتراوح بين 550,000 و600,000 نسمة ، وذلك بعد أن تمّ السماح بعودة نحو 88,000 نسمة للضفة والقطاع منذ سنة 1968. ( حتى حزيران 1994 ، تمت الموافقة على 56,375 طلبا، وتم فعلا عودة 66,099 نسمة للضفة الغربية 18,671 نسمة للقطاع، كما سمح للإقامة الدائمة لأكثر من 3000 امرأة دخلن للمناطق كزائرات ، ورفضن مغادرتها بعد أن تزوجن فيها).

أمر طبيعي بأن يكون الرأي السائد في إسرائيل معارضا لعودة النازحين الذين ينتمون للفئة الثانية، إذا تقدم الجانب الفلسطيني وأعلن أن عودة هؤلاء اللاجئين _ النازحين خلال أعوام الاتفاق المرحلي الخمسة _ ستقترن باستيعابهم وإعادة تأهيلهم بصورة كاملة في مناطق الضفة الغربية، فمن المعقول أن تزول معارضة إسرائيل المبدئية، وأن يكون في الإمكان البحث في جوهر هذا الاقتراح، بل إن أكثرية الإسرائيليين ستنظر إلى خطوة كهذه بصورة إيجابية.

لم يثر إطلاقا موضوع استيعاب لاجئي 1948 في مباحثات أوسلو والقاهرة، لا في أثناء البلورة للمبادئ، ولا خلال البحث في تفصيلات تطبيق اتفاق ( غزة و أريحا )، وكان ينبغي على إسرائيل مطالبة الفلسطينيين بالعمل مع خروج إسرائيل من القطاع وإقامة السلطة الفلسطينية على تصفية مشكلة اللاجئين المقيمين داخل القطاع: إلغاء المكانة القانونية الرسمية الخاصة باللاجئ، السعي لخروج الأونروا من مناطق القطاع، ووقف دعم الوكالة وتوزيع الحصص الغذائية من قبلها، وبدء مشروع تفكيك المخيمات من خلال إقامة أحياء ومواقع سكنية دائمة لسكانها، ومن الصعب فهم الدوافع التي جعلت إسرائيل تمتنع عن طرح هذه المطالبة.

فيما يتعلق بالفئة الأولى _ باستثناء من شكل خطرا أمنيا على إسرائيل _ فلا يوجد لديها سبب يمنع الراغبين إلى منازلهم من العودة، ومما لا شك فيه أن القاعدة الأساسية للمعارضة الإسرائيلية ستأتي من جهة معارضي البرنامج السياسي للحكومة الحالية، ومن جهة نظرهم أن عودة مئات الآلاف من النازحين ستخل بالميزان الديمغرافي فيما بين اليهود والعرب بصورة مهمة. ( بينما يشكل اليوم المستوطنون اليهود في يهودا والسامرة نحو 12% _ 13% من مجموع سكان الضفة الغربية ، سيتدنى عددهم إلى 8% _ 9% إذا عاد جميع النازحين).

ومن الممكن أن تنشأ مشكلة إضافية، فمن المرجح أن يطالب قسم من هؤلاء النازحين العائدين بإعادة أملاكهم في يهودا والسامرة إليهم، أي الأملاك التي احتفظ بها منذ مغادرتهم الضفة حارس أملاك الغائبين الإسرائيلي، والتي ربما تم تسليمها إلى هذه المستوطنة الإسرائيلية أو تلك بهدف ترسيخها، وبوصفها مصنفة كـ" أراضي دولة ".

وبما أن الحدود الدائمة بين فلسطين والكيان الإسرائيلي ومستقبل المستوطنات، ستكون من جملة المسائل التي سيتعين الاتفاق عليها. وثمة جانب آخر لهذه المسألة هو قضية العبء الذي على كاهل الجزء الفلسطيني المتمتع بالحكم الذاتي في الضفة الغربية، إن إغراق المنطقة دفعة واحدة بمئات الآلاف من العائدين، من دون أن يكون الاقتصاد الفلسطيني المحلي التوسعي القومي جاهزا لاستيعابهم.

في أساس الأمر، يجب أن لا نتوقع عودة ضخمة وغير مضبوطة لنازحي 1967، ومن الحرج أن تعطى الأفضلية لدخول أولئك الذين سيعودون إلى منازلهم، ومن ثمّ سيكون القياس القدرة الاقتصادية التشغيلية للاقتصاد المحلي الفلسطيني، والدراسة الحذرة لتوزيع العائدين في المنطقة، لكيلا يشكلوا مشكلة توسعية _ أمنية.

أما المسألة الأخرى، وهي الموقف الإسرائيلي من سن " قانون عودة " الفلسطينيين إلى مناطق الكيان الفلسطيني الذي سينشأ، على افتراض أنه سيبقى البحث في هذه المسألة اتفاق فلسطيني _ إسرائيلي على المسائل الأساسية، فمن الممكن أن تكون المقاربة الإسرائيلية حول " قانون عودة " أكثر مرونة. لن يكون في استطاعة إسرائيل في إطار الحل الدائم أن ترفض بصورة قاطعة استيعاب عدد من اللاجئين الفلسطينيين في أراضيها، وفي الوقت نفسه أن تمنع الدولة الفلسطينية من العمل على حل المشكلة في أراضيها ذاتها.

وفي حال إقامة دولة فلسطينية فسيكون من الصعب أن نفترض أن إسرائيل ستتدخل أو ستكون في موقع يسمح لها بالتدخل في الصلاحيات التشريعية السيادية لدولة كهذه، ولن يكون في وسع إسرائيل منع الجانب العربي من التدخل والاعتراض على " قانون العودة " الإسرائيلي بحجة وقوعه في نطاق القرار السيادي الإسرائيلي، ولذلك على الطرفين أن يتباحثا في الموضوع وأن يتوصلا لاتفاق بشأن حصص العائدين في إطار " قانون العودة " الفلسطيني، بحيث لا يخلق هؤلاء معسكرا توسعيا وبؤر توتر وخطرا أمنيا.([4])

موقف اليهود من اللاجئين:

يكشف استعراض موقف اليهود من قضية اللاجئين، التي هي قضية " العودة " تحديدا الحدود العالمية بما يقارب التطابق في مواقف اليهود، رسميين وغير رسميين ، يمنيين ويساريين، وعبر خمسة عقود من الزمن، وهي مواقف لم تتغير، وقد يكون أحد أسباب عدم تغيرها هو التغير في مواقف عرب رسميين أيضا جريا على القاعدة الصهيونية المعروفة " أن العرب لا يغيرون مواقفهم من إسرائيل إلا بمزيد من القوة والضرب الإسرائيلي لهم ".

رأي أمنون كابليوك:

يرى أمنون كابليوك أن إجلاء اللاجئين الفلسطينيين كان أمرا معدا بشكل مسبق فيقول: " وأخيرا، فإن مصير اللاجئين الفلسطينيين لم يحرك مشاعر الذنب أو الندم بين الإسرائيليين وإنما العكس تماما، فقد كتب " المعتدل " موشيه شاريت في 15 يونيو عام 1948 " إن رحيل العرب كان ظاهرة عظيمة في تاريخ البلاد (فلسطين)، ومن وجهة نظر معينة فإنها كانت حتى أكثر روعة من قيام دولة إسرائيلية، إنها تفتح الحل وبطريقة دائمة راديكالية، إن أصعب المشاكل التي واجهنها دولة إسرائيل هي ( المشكلة الديمغرافية أو السكانية).

وقد روى كاتب سيرة بن غوريون المؤرخ ميخائيل بارزوهر ، في الذكرى المائة لمولد بن غوريون كيف أن الزعيم اليهودي كان يرقب رحيل العرب من حيفا، ويعلق بالكلمات التالية: " ما أجمل هذا المشهد "، وعندما ذهب إلى الناصرة، بعد أن تمّ احتلالها استفسر بصورة غامضة من القائد العسكري البريغادير جنرال حاييم لاسكوف:" ماذا يفعل هؤلاء هنا "، أي السكان، وحسب مصادر معينة كان هناك أمر ضمني بإجبار السكان المحليين على المغادرة ولكن القائد لم يقم بتنفيذ الأمر.

رأي شمعون شامير:

وهو أستاذ جامعي من حزب العمل الإسرائيلي :" ليس بإمكان اللاجئين العودة إلى دولة إسرائيل، هذا غير ممكن، فممتلكاتهم لم تعد موجودة البلد تغيرت، هذا ليس حلا، هناك إمكانية أن تكون هناك عودة جزئية ورمزية كجزء فقط من الحل، ثم اعتراف إسرائيل بالمسئولية الجزئية عن المشكلة، ولكن اليوم ليس هو الوقت المناسب لرئيس الوزراء الاعتذار، فقط في إطار حل شامل، يمكن أن يكون هناك اعتراف إسرائيلي واعتذار عن المعاناة التي تعرض لها اللاجئون.

الحل يجب أن يبنى على ضمان حق عودة اللاجئين إلى دولة أو كيان فلسطيني مستقل، فيجب أن تكون هناك سلطة تحدد أعداد الناس الذين سيسمح لهم بالعودة للضفة، من وجهة نظري إن التعويضات الفردية غير مجزية ، التعويض يجب أن يكون مسؤولية السلطة الفلسطينية، دعهم يكسرون رؤوس بعضهم حول هذا الأمر، أموال التعويضات يجب جمعها من العالم، إسرائيل لوحدها ليس بإمكانها أن تقوم بإعادة تأهيل اللاجئين".([5])

موقف إسرائيل من حق العودة:

عندما لم تلاقي ادعاءات إسرائيل صدى وتجاوبا، هرعت إلى حجة جديدة استقتها من الشروط التي ينص عليها القرار 194، وهو يتحدث عن عودة اللاجئين، ويقرر إعادة من يرغب في أقرب وقت والعيش بسلام مع جيرانه، فادعت أن هذا الشرط يفترض بوضوح قيام حالة من السلام تقضي على احتمال العودة للقتال، وأن حل مشكلة اللاجئين تكمن في إعادة السلام للمنطقة، وأن الفقرة المتعلقة بالسلام مع الجيران موجهة لأفراد والدول العربية، وأن ممارسة حق العودة مرهون بإبرام معاهدات صلح مع العرب.([6])

الموقف الفلسطيني من وجهة النظر الإسرائيلية:

حتى منتصف السبعينات على الأقل، اعتبر الموقف الفلسطيني الأساسي فكرة " العودة " على أهميتها جزءا من فكرة تحرير فلسطين بكاملها، في حين استند حل مشكلة اللاجئين _ بحسب النظرة التي كانت رائجة لدى الأكثرية العظمى من الفلسطينيين _ إلى إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب، وذلك من خلال إزالة إسرائيل وإنشاء دولة فلسطينية، وكان من شأن تحرير فلسطين بكاملها _ في حال إنجازه _ أن يفسح المجال تلقائيا أمام عودة جميع اللاجئين وقد تم التعبير عن نمط التفكير في هذا الميثاق الفلسطيني المعدل لسنة 1968، فقد نص في البند 9 على أن العودة " تشكل هدفا للكفاح المسلح. أهداف هذا الكفاح هي تحرير الوطن، العودة إليه، تقرير المصير، والسيادة في فلسطين ".

ابتداء من مرحلة معينة اتضح للفلسطينيين أن حل مشكلة اللاجئين على أساس العودة لمنازلهم وأراضيهم الموجودة في إسرائيل يشكل لها الحافز الأساسي، الذي يغذي استمرار الكفاح الفلسطيني، والكفاح العربي الشامل ضد صميم وجود إسرائيل، وبمرور الأعوام ومع تزايد وعي أن " العودة " باتت أقل واقعية أصبح ثمة حاجة أيضا لتصحيح البرنامج الفلسطيني في يونيو 1974، البرنامج السياسي المؤقت " ذو النقاط العشرة الذي نص صراحة على أن حق العودة _ ويبدو أن المجلس المؤقت استخدم هذا التعبير لأول مرة _ يأتي في طليعة الحقوق الفلسطينية ، غير أن تأكيد " حق العودة " ووضعه في مقدمة المطالب والتطلعات الفلسطينية ترافقا مع تخلي منظمة التحرير والمجلس الوطني عن فكرة تحرير فلسطين بكاملها وبداية نظرة مبهمة أيضا تجاه عودة لا تشمل بالضرورة المنازل والأراضي الأصلية .

يقلص بعض الناطقين الفلسطينيين المطلعين المشكلة الكبرى بنحو ثلاثة ملايين فلسطيني يقيمون في " الشتات " ( جميع المقيمين خارج حدود أرض إسرائيل الانتدابية ، يطالبون _ نظريا على الأقل _ بحق العودة إلى منازلهم وأراضيهم ) إلى مشكلة ملحة وفعلية تتعلق بنحو 350,000 نسمة فقط ، أي بتجمع اللاجئين المقيمين في لبنان ، الذين يعيشون كلهم تقريبا في أوضاع متردية ، ويرفض لبنان لاعتباراته الخاصة وجودهم واستيعابهم كمواطنين لبنانيين بمعنى الكلمة.

إن الوضع في التجمعين الكبيرين خارج حدود( سوريا والأردن ) مختلف وأقل إلحاحا وحدة فيما يتعلق بسوريا، فإن عدد اللاجئين بالنسبة إلى مجمل السكان ضئيل(2,4% تقريبا) ومعظمهم يعمل بصورة منتظمة، وليس لدى الاقتصاد والمجتمع السوري صعوبة في استيعابهم كمواطنين سوريين عاديين نظريا وعمليا، أما الصعوبة فهي سياسية، لأنه إذا لم يتوصل لاتفاق إسرائيلي _ سوري ثنائي فإن موافقة دمشق التنازل حيال هذه المسألة غير واردة.

منظمة التحرير تخرج عن طورها في تأييد المبادرة العربية للسلام التي قدمها ملك السعودية الملك عبد الله عام 2002 والتي تتحدث بشكل واضح عن حل " متفق عليه " لقضية اللاجئين، أي العرب وبموافقة المنظمة تقبل بضرورة الحصول على موافقة إسرائيل في أي صيغة لحل قضية اللاجئين.

علينا أن نشير إلى عدد نهائي من المقابلات التلفزيونية التي أجراها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً والتي تحدث فيها عن فكرة " الحل المتفق عليه " لقضية اللاجئين، بينما ذهب رئيس وزرائه سلام فياض بعيداً عندما تحدث في مقابلته الأخيرة مع صحيفة " هارتس " عن عودة اللاجئين للدولة الفلسطينية.

وأما بالنسبة للأردن فالمشكلة مزدوجة، من جهة يقيم في أراضيه تجمع من سكان المخيمات يبلغ تعداده نحو ربع مليون نسمة، ومن جهة أخرى هناك نسبة غير قليلة من باقي السكان الفلسطينيين _ الذين يبلغ عددهم ثلاثة أرباع المليون نسمة تقريبا _ تعيش في أوضاع متردية أيضا، غير أن المشكلة الرئيسية تكمن في إحجام الحكم الهاشمي عن استيعاب مئات الآلاف من الفلسطينيين في أراضيه استيعابا دائما، ويسعى الأردن _ لو استطاع إلى ذلك سبيلا _ للتخلص من هذا العبء الديمغرافي، وتحسين التوازن الداخلي الدقيق لسكان المملكة.

ولا ننسى اللاجئين المقيمين اليوم داخل غزة والضفة الغربية، وبناءا على معطيات الأوتروا فإن عددهم _ بمن فيهم سكان القدس الشرقية _ يصل إلى ما يزيد عن مليون نسمة، وإذا أغلق أمام هؤلاء اللاجئين إمكان العودة للأراضي الإسرائيلية بصورة قاطعة، فلا بد من أن يعطى الكيان الفلسطيني إعادة تأهيلهم في أراضيه مكان الأولوية، وكل ما سيتطلبه حل مشكلتهم هو حملة بناء كبرى بهدف إخراجهم من مخيمات اللاجئين.

أما الحال في قطاع غزة فمختلف، لأنه سيتطلب عملية استثمار ضخمة لدعم الاقتصاد المحلي وأيضا حينما يسمح بحرية الحركة بين الضفة والقطاع ، فستتحكم قوانين السوق ( العرض والطلب ) في كل ما يتعلق بحركة العمال بين هذين الجزئين.

إن الفلسطينيين على المستوى القيادي، والمستويات الشعبية ليسوا على استعداد اليوم للتحدث عن إعادة توطين اللاجئين داخل حدود الدول العربية المجاورة، ولكن يمكن بعد إقامة الدولة الفلسطينية لكل فلسطيني أن يتمتع بجنسية وجواز سفر فلسطيني.([7])

آراء أمريكية بشأن مسألة اللاجئين:

على افتراض قيام الولايات المتحدة في المستقبل بلعب دور رئيسي في قيادة عملة السلام والمبادرة لإجراء الاتصالات والتوسط النشيط، وطرح أفكار بناءة لدفع الاتفاق إلى الأمام، فإن الموقف الأمريكي من مسألة لاجئي 1948 يتمتع أيضا بأهمية شديدة، لقد كانت الولايات المتحدة في عداد الدول التي أيدت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948، ولم تتخذ منذ ذلك الوقت حتى الآن أي قرار رسمي وعلني يلغي تأييدها هذا، غير أنه من الواضح أن مقاومة واشنطن الفعلية -منذ ذلك الحين- تتسم بدرجة أكبر من الواقعية، ففي هذه المسألة كما في مسائل عديدة أخرى هناك موقف أمريكي مبدئي، إن ما تتفق الأطراف عليه يكون مقبولا أيضا من جانب الإدارة الأمريكية، غير أن هناك كذلك ما هو أبعد من ذلك يعد صدور أهم تعبير عن النظرة الأمريكية إلى الموضوع، قبل ما يزيد عن عشرين سنة عندما قام الرئيس نيكلسون عام 1971، بتوجيه رسالة سريعة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية _ السابقة _ غولدا مائير أكد فيها أن ( الولايات المتحدة ) لن تضغط على إسرائيل كي تصل لحل لمشكلة اللاجئين يغير الطابع اليهودي لدولة إسرائيل من الأساس، ويهدد أمنها.

ولم تبلور الولايات المتحدة موقفا رسميا لحل المشكلة، وهذا الموضوع غير مطروح في جدول الأعمال السياسي الفعلي.

لا أحد في الإدارة الأمريكية يتوهم أن إسرائيل ستوافق _ بل ولا يتوقع منها أن توافق _ على " حق العودة " الفلسطيني، وستطالب إسرائيل كما يبدو بالاستمرار في الموافقة على لم شمل العائلات مقيمة في أراضيها على نطاق ضيق.

وفي محادثات أجراها الأمريكيون مع عرفات، طالب عرفات بالعودة لحدود " الخط الأخضر" من دون أن يقترن ذلك بتوقيعات من الإسرائيليين، ومطالبتها بتقديم تنازلات إضافية، وفي تعليله لهم لهذه المسألة أوضح لهم قائلا:"إن الدولة الفلسطينية بحاجة لأكبر مساحة ممكنة من الأرض، فهذا هو الشرط الذي سيمكننا من استيعاب وتوطين وإعادة تأهيل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين في مجال المنطقة السيادية التي ستخضع لسلطتنا ، "وفي إطار الاتفاق المستقبلي، فهناك حاجة إلى إعلان مبادئ مشترك إسرائيلي فلسطيني، ويقرر إلغاء مكانة اللاجئ، إلى جانب تسليم الفلسطينيين بعدم إمكانية عودة اللاجئين إلى أراض فلسطينية، في الوقت نفسه يجب على إسرائيل إبداء تفهم للحساسية الفلسطينية الهائلة تجاه الـ " غبن" الذي لحق بهم، والبحث عن بدائل ممكنة للمطالبة الفلسطينية بالاعتراف بـ"حق العودة" ، وعلى إسرائيل الموافقة، على أن يتضمن هذا الإعلان ديباجة تعترف فيها بالغبن التاريخي والمعاناة الكبيرين اللذين لحقا بالفلسطينيين عامة واللاجئين خاصة منذ عام 1948، وربما تصريح يعترف بحق الفلسطينيين في تعويض ملائم عن الممتلكات والثروات التي اضطروا لتركها قبل نحو 50 عاما.

ومع بلورة الحدود المعترف بها بين إسرائيل والكيان السياسي الفلسطيني،([8]) لن يكون للفلسطينيين الحق في أن يقرروا ما إذا كان من واجب إسرائيل استيعاب لاجئين فلسطينيين داخل حدودها، غير أنه وبالمقياس نفسه لن يكون لإسرائيل الصلاحية أو الحق في أن تقرر ما إذا كان يحق أو لا يحق للكيان الفلسطيني أن يسن قانون عودة فلسطيني خاص به، وبحسب أبعد ما يعلم أولئك الأمريكيون به فالأكثرية الساحقة من الفلسطينيين في الداخل أو الشتات تدرك بل وتسلم بهذه الحقيقة.

وفي اللجنة متعددة الأطراف لشئون اللاجئين حرصت الولايات المتحدة على وضع تعريف " واسع " للاجئ وبمقتضى هذا التعريف فإن اللاجئ: هو كل من اقتلع من مكانه نتيجة لنزاع والهدف من ذلك هو إدراج يهود الدول العربية في هذا التعريف.

وهناك فكرة غير مألوفة _لاسيما صدروها من مصدر أمريكي تحديدا_ فقد تحدث عن إمكانية أن يكون لإسرائيل مصلحة في الموافقة على استيعاب حصة محددة من اللاجئين وتحديدا داخل حدودها بالذات بناء على معايير يتم الاتفاق عليها بين الطرفين، إذ يمكن لمقاربة كهذا أن تخدم إسرائيل لغرض طرح مطالب مضاد بإبقاء عدد معين من المستوطنات، المستوطنين داخل الكيان الفلسطيني.

قضية اللاجئين والتسوية:

إن حق العودة هو حجر الزاوية في أي حل للقضية الفلسطينية، والمقصود هنا هو عودة جميع الفلسطينيين إلى ديارهم أو ديار آباءهم وأجدادهم، أي الانتقال النهائي من الشتات الداخلي أو الخارجي إلى أرض الوطن، والعودة هي النقيض المباشر لأكبر خطرين يتهددان الشتات الفلسطيني اليوم: التهجير والتوطين.([9])

بعد النكبة التي حلت بالفلسطينيين عام 1948 والتي أدت إلى هجرة 940 ألف لاجئ فلسطيني توزعوا على الدول المجاورة مما تترتب عليه إحداث مجموعة من المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية في هذه الأقطار وتحركت الدول العربية في المحافل الدولية عارضة قضية فلسطين شارحة وجهة نظرها التي لا تدعمها القوة، مستجدية أي يحفظ ماء الوجه ولو كان يحقق تغييرا جزئيا في الإشكاليات، التي خلفتها قضية فلسطين وحرب 48 وبالأخص مشكلة اللاجئين.

ولعل أول من لفت النظر إلى قضية اللاجئين هو (الكونت برنادوت)، الوسيط الدولي الذي أصر على ضرورة منح اللاجئين الفلسطينيين حق العودة إلى ديارهم، وقدم (برنادوت) تقريرا إلى الأمم المتحدة يؤيد وبشدة حق اللاجئين العرب بالعودة إلى بيوتهم في أقرب وقت ممكن، وأكد أنه لن تكون هناك تسوية عادلة وكاملة ما لم تحل مشكلة اللاجئين ويتم الاعتراف بحقهم في العودة.

وترتب على هذا التقرير الذي دفع (برنادوت) ثمنه بروحه، تصويت الأمم المتحدة على القرار (194) في 11 ديسمبر 1948 والذي نص ضمن فقراته (فقرة 11) على ما يلي "تقرر أن اللاجئين الذين يرغبون في العودة إلى منازلهم، وفي أن يعيشوا بسلام مع جيرانهم ، يجب أن يسمح لهم بذلك في أقرب فرصة ممكنة، ويجب أن يُدفع التعويض لأولئك الذين لا يختارون العودة، كما يجب أن يعوض عن الخسائر والأضرار والممتلكات؛ وفقا لمبادئ القانون الدولي أو العدالة من قبل السلطات أو الحكومات المعنية". ([10])

القانون الدولي يعتبر هذه الأعمال جرائم حرب وهي لا تسقط بالتقادم، ويتحمل مسئوليتها كل من اقترفها، ولذلك يقع تحت طائلة العقاب: الأفراد، عصابات شتيرن، والأرغون، ومنظمة الهاجانا، وجيش الدفاع الإسرائيلي، والحكومة الإسرائيلية المؤقتة عام 1948، وحكومة إسرائيل، والصندوق القومي لليهود، والوكالة اليهودية، والمنظمات الصهيونية في الخارج .([11])

ولعل أفضل من صور المشهد في فلسطين عام 1949، هي (آن ماكورميك) مراسلة النيويورك تايمز، حين قالت: "إن أحدا هنا لم يعترف بأي مسؤولية عن مأساة اللاجئين، ولم يظهر أي تعاطف معهم بل إن وزير الخارجية الإسرائيلي (موشيه شاريت) يؤكد على أن إسرائيل بريئة من تشريدهم، وكانت الحكومة الإسرائيلية -ولا زالت- تعلن رفضها القاطع لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم، وأنها غير مسؤولة عن مأساتهم، زيادة على ذلك عملت على هدم أحياء بأكملها في يافا وحيفا بهدف إعمارها لاستيعاب اليهود القادمين من أوروبا"، -سياسة إحلال اليهود محل الفلسطينيين-.([12])

وباستثناء الموقف الذي اتخذه (بن غوريون) بالموافقة على عودة (100) ألف لاجئ فلسطيني في عام 1948، والذي كان يسعى من ورائه إلى الحصول على الاعتراف الدولي بإسرائيل -حيث ربطت الأمم المتحدة الاعتراف بإسرائيل بعودة اللاجئين-، وبعد حصول إسرائيل على الاعتراف الدولي، وعدم إجراء الحكومة الإسرائيلية لأي نقاش حول " حق العودة للفلسطينيين".([13])

وهذا الموقف الإسرائيلي لم يتغير ؛ لأنه نابع من استراتيجية استعمارية استيطانية ثابتة، وزعماء إسرائيل لا يتذرعون بالتبجح بالادعاءات الكاذبة، فرئيس وزرائها لسابق (شيمون بيريز) نشر في العام 1993 كتابه: "زمن السلام " نفى فيه تهمة الترحيل عن إسرائيل، وزعم أن (بن غوريون) لم يأمر بطرد أحد، وان الجيش الإسرائيلي لم يملك أبدا إستراتيجية لترحيل السكان، وتحدث عن حق العودة ، ووضع العبارة بين مزدوجتين، وردّ يوما على أسئلة المعارضة؛ فحثها على أن تجعل من حق العودة خطا أحمر.([14])

إن النظرة الإسرائيلية، والأمريكية، والغربية عموما، لقضية اللاجئين تنحصر في زاوية اقتصادية، وترى حلها في إطار مشروع الشرق أوسطية الاقتصادية؛ الذي تسعى لتحقيقه من خلال عملية التسوية السياسية الجارية على أساس توطين اللاجئين في البلدان العربية المجاورة، وإدماجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيها، وهي بذلك تتجاهل ارتباط قضية عودة اللاجئين بشرعية حقوق الإنسان والقانون الدولي، وبالتالي فان الحل القائم على الشرق أوسطية الاقتصادية والتوطين، لن تكتب له الديمومة مستقبلا، حتى لو تم تنفيذه قسرا في الوقت الراهن.([15])

ومشكلة اللاجئين تعتبر من أكثر الموضوعات المطروحة للتفاوض حساسية؛ لذلك حاولت الولايات المتحدة تأجيلها ، وهذا يعني في نظر الفلسطينيين، الحكم على أربعة ملايين فلسطيني بالغربة الدائمة، بينما يرى الإسرائيليون أن عودة هؤلاء الملايين الأربعة يعني تدمير دولة إسرائيل بالقنبلة الفلسطينية الديموغرافية؛ لذلك تطرح مبادلة يهود الدول العربية القادمين إليها قبل 1967، بعودة الملايين الأربعة من اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى التعويضات.([16])

يتحدد الموقف الإسرائيلي تجاه قضية اللاجئين على النقيض تماما مما ورد في الوثيقة الفلسطينية فهو يرفض – أصلاً- الاعتراف بتحمل أية مسؤولية قانونية أو أخلاقية عن نشوء مشكلة اللاجئين ، ولا يعترف بحق العودة كحق سياسي للاجئين -جماعة وأفراد- يرتكز إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وما يترتب عليهما من اعتراف بجانب أساسي من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وبالحقوق الإنسانية للاجئين من أبناء هذا الشعب، وعلى هذه القاعدة، فهو يطالب بإلغاء القرار رقم "194"، وباستئصاله من سجلات الأمم المتحدة.

إن إسرائيل تعتبر -بعد أن تُقدِمَ على ما تسميه تنازلات إقليمية في الضفة والقطاع في إطار الحل الدائم، "ومقابل هذه التنازلات"- أن على الجانب الفلسطيني يجب أن يتخلى عن فكرة مطالبتها باستيعاب اللاجئين على المساحة التي ستبقى بيدها -أي 77 % من فلسطين الانتدابية "إضافة إلى" مناطق الضم والاقتطاع في الضفة والقطاع- فهي لا تستطيع الموافقة على تهديد طابعها وهويتها "كدولة يهودية ديمقراطية"، تواجه -بعد الانسحاب من الضفة وغزة، وإذا ما طلب منها استقبال عدد إضافي من الفلسطيني- اللاجئين في أماكن إقامتهم الحالية، وخارج إسرائيل في كل الأحوال، وتأهيل أوضاعهم على هذا الأساس، مما يقتضي إنشاء "هيئة دولية" تتولى أمور توطين اللاجئين وتعويضهم .([17])

ولم تشغل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قادة الدولة الجديدة أكثر من اللازم، فقد عارض (بن غوريون) أي تورط إسرائيلي في الجهود لحل هذه المشكلة المؤلمة، فقد كان مقتنعا مع (موشيه شاريد) وقادة إسرائيليين آخرين، بأن المشكلة سوف تختفي مع الوقت .([18])

أن أهم وصفة إسرائيلية لتصفية قضية اللاجئين والتي يبدو أن عدداً من الدول بات يقبل في التواطؤ معها فيها، هو اشتراط إسرائيل على الجانب الفلسطيني الاعتراف مسبقاً بـ " يهودية الدولة "، حيث أن الاعتراف بـ " يهودية " الدولة يعني عملياً ليس فقط الموافقة على الطابع اليهودي للدولة، بل التسليم بكل إجراء تقدم عليه إسرائيل من أجل ضمان تكريس هذا الطابع، وضمن ذلك:

1- رفض حق العودة للاجئين، على اعتبار أنه يمس بالطابع اليهودي للدولة.

2-إعطاء إسرائيل الحق بتفكيك مشكلة فلسطينيي الـ 48، إما عبر تهجيرهم من خلال فكرة " تبادل الأراضي " بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل، أو عبر تجريدهم من الحقوق السياسية.

( نشر في مجلة تسامح )


[1] علا عوض، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني

[2] أكرم زعيتر ، مرجع سابق ، ص 257.

[3] المرجع السابق ، ص 22.

[4] شلومو غازيت ، قضية اللاجئين الفلسطينيين :الحل الدائم من منظور إسرائيلي ، ص86-93.

[5] عادل سمارة ، اللاجئون واستدخال الهزيمة: قراءة في تخليع حق العودة ، ص 46-50-66.

[6] محمد المجذوب ، الفلسطينيون وحق العودة ، ص 43-45.

[7] شلومو غازيت ، مرجع سابق ، ص 82-85.

[8] شلومو غازيت ، مرجع سابق ، ص 93-95.

[9] محمد المجذوب ، مرجع سابق ، ص 13.

[10] حسين أبو شنب ، الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي ، ط1 (القاهرة ، مكتبة مدبولي ،11995) ص 129.

[11] سلمان أبو ستة ، حق العودة (القاهرة : مطبعة منصور ، 1999 )ص 20-21.

[12] محمد فرح ، اللاجئون وحق العودة ، صحيفة الدستور ، الأحد 2 يونيو 1996 ، تأست عام 1961 ، ص 12.

[13] فاطمة شعبان ، اللاجئون في المشاريع الإسرائيلية بعد العام 1967 ، حامد الاقتصادي ، العدد 106 ، السنة الثانية عشر ، 1996 ، ص 199.

[14] محمد الكجذوب ، مرجع سابق ، ص 45ز

[15] عبد الله الحوراني ، قضية ومواقف ، ط1 (غزة ، الكركز القومي للدراسات والتوثيق ، 2001) ص 31.

[16] حسين أبو شنب ، مرجع سابق ، ص128.

[17] رمزي رباح وآخرون ، اللاجئون وحق العودة ، ط1 (دمشق : دار الشجرة للنشر والتوزيع ، 200)ص 12-13.

[18] عادل سمارة ، مرجع سابق ، ص 31.

إرسال تعليق Blogger

 
Top