0

20090118936تقرير: هداية شمعون

واحد وستون عاما مضت والكف يناطح المخرز، ورغم ذلك بقين وصمدن خلف أبواب خشبية، وأسطح كرميدية، تحيط بهن جدران حجرية تكاد لا تحمي برد الشتاء ولا لهيب الصيف، ورغم ذلك ناضلن..

واحد وستون عاما يدفئن أحلام المخيم الممتلىء بالوجع والقهر، يسكبن الحب وذكريات أمهاتهن.. يتناقلن الحكايا الموجعة حد الموت ليرسمن لصغارهن صورة أكثر وضوحا وإشراقا لقرى آباءهن وأجدادهن..

ماض قريب/بعيد ملىء بالأسرار وقصص البلاد وجنة فلسطين التي اغتصبها الصهاينة.. يرافقه حاضر محاصر برا وبحرا وجوا، فهل بقى متسع لأحلامهن وآمالهن بالعودة لبلادهن وبلاد الأجداد..؟!

أسئلة وأوجاع تخبو وتعود نابضة كأنها حدثت الآن.. تساؤلات مغربلة بالدماء ورائحة المجازر وبقايا الأطفال الذين رحلوا وسكنوا المخيمات.. والنساء الفلسطينيات لازلن باقيات على عهدهن مع الوطن رغم حالة التشاؤم والإحباط القاسية التي تعصف بهن في ذكرى النكبة، فما هو الوضع الذي تعيشه المرأة اللاجئة في الذكرى الواحد والستون لنكبة فلسطين؟ وما هو تصورها لحل قضية اللاجئين في المستقبل وكيف من الممكن أن يكون الحل.!. ..

أسئلة حملناها للنساء اللاجئات وما أن نلقى بالسؤال تأتينا مشاعرهن ولوعتهن لحكايا البلاد.. "إنسان" التقت هؤلاء النساء لتسمع صوتهن لمن لا يسمع.!!

قلب لازال خافقا بالحلم

ملامح وجهها العتيق تحفر تاريخا كنعانيا خالدا، تسبر عيناها المرهقتان مهدهدة حفيدتها في سريرها الحديدي المهترىء، بينما شقوق دار المخيم ترسم خريطة أخرى لقريتها التي سلبت حين كانت في ريعان الصبا الحاجة أم محمود الحجار التي تقطن مخيم الشابورا في رفح تفترش حصيرة ذابلة وتجلس قرب باب بيتها تقول:" هجرت وطفلي على يدي هرولنا من القتل والدمار والرعب الذي انتشر آنذاك، وظننا أنها عدة أيام، لكن هاأنا ذا أتجاوز الثمانين عاما ولي أربع وثلاثون حفيدا وأبنائي التسعة بات بعضهم جدا ولا يسمعون مني إلا حكايا البلاد، والأرض الواسعة، وراحة البال وبساطة العيش، صباح مساءا أذكرهم بأرضنا وأن هذا المخيم زائل مهما طالت الأيام، ومهما بعدت بنا المسافات."

وتكمل وقد بدأت ببكاء مكتوم:" ودعت والدهم قبل عدة أيام ورغم أن لأولادي بناية حديثة بدأنا نسكنها مؤخرا إلا أنه أصر أن يقضي أيامه الأخيرة في بيت المخيم على ضيقه ورداءة الحال به، لأنه يذكره بأن له أرض ومفتاحه مزروع في قلبه، مات وهو يحلم بقريته – تل الترمس قضاء غزة- وكثيرا ما حدث أولادنا وهاأنذا أواصل تذكيرهم وسأظل حتى أموت."

وتشير الحاجة أم محمود لجدران البيت المتصدع قائلة في ساحة هذا البيت ربيتهم وأرضعتهم الجرح الفلسطيني، وصمدنا كلنا، وسنبقى صامدات وسنعود لبلادنا يوما ما، ثم أشارت لحفيدتها قائلة:" أتمنى أن ترى القرية التي ولد فيها أجدادها وتعود إليها فبيوتنا لازالت بانتظار أصحابها مهما طال الزمن."

إلى أين سأعود

السيدة نسرين محمود 27 عاما موظفة وأم لطفلين تقول بواقعية مطلقة:"

منذ أن وعينا على هذه الدنيا ونحن نسمع كلمة لاجئين ويروي لنا أجدادنا كيف تم تشريدهم من منازلهم وإرغامهم على ترك ممتلكاتهم وحياة الرفاهية التي كانوا يعيشونها, وكثيراً ما نسمع منهم بأن هذه الأيام هي أسوأ بكثير من الأيام التي عاشوها في السابق مما يعطينا مؤشر بأن الوضع يزداد سوءا بدلا من أن يتحسن, أنا كلاجئة لا أفكر الآن بحق العودة وإلى أين أعود؟ إذا كنا هنا في قطاع غزة وبعيدا عن اليهود نواجه تهديداتهم وقصف الطيران وحصارهم للقطاع فأي أمل في العودة هذا الذي نريد أن نفكر به؟؟

وتضيف:" من الأجدى أن نفكر كيف يمكننا تحقيق مستقبل مشرق لأولادنا ونحاول حمايتهم قدر المستطاع من مخاطر الحياة حتى لو اقتضى الأمر ترك القطاع والهجرة لأي بلدٍ عربي آخر لحين أن تتحسن الأوضاع.

أما بالنسبة للحل المناسب الذي يمكن تحقيقه مستقبلاً برأي الشخصي أن طالما هنالك تفكك بين الفصائل وتعدد الأحزاب والانتماءات داخل بلدنا فلن يكن هنالك حل جذري للمشكلة لكن إن توحدت هذه الفصائل وكان لديهم عزيمة وإصرار صادق على حماية هذا الشعب والحفاظ على أمنه واستقراره, فوحدتهم هذه تلعب دور هام في إنجاز ولو جزء من حل القضية الفلسطينية، وقضية اللاجئين".

وتستدرك قائلة:" حق العودة هو حق مقدس لا يمكن التنازل عنه من أحد، لكنا نعيش أصعب الظروف في الوقت الحالي."

الهروب من المخيم

وترى السيدة ردينة كلاب ( 30 عاما) ربة بيت وأم لطفلين أن الوضع في غزة سيء للغاية ولا يصلح للعيش الآدمي من كل النواحي، وقضية اللاجئين هي من أصعب القضايا وأكثرها تعقيدا، ولا يمكن تصور لحل لهذه القضية إلا في ظل وجود سلطة شرعية تتولى هذا الأمر وتعطيه حق الأولوية دوليا وعالميا."

وتضيف كلاب:" رؤيتي للمستقبل القريب مزيدا من السوء على أوضاعنا المعيشية والحياتية بكل جوانبها، ولا أخفيك أن زوجي يسعى في الفترة الحالية للسفر من خلال منحة دراسية لإكمال دراسة الماجستير وإذا تمكنا من الحصول على عمل فالأرجح بقاؤنا عدة سنوات في الخارج، لنتمكن من تربية أطفالنا في ظروف أفضل."

وتؤكد السيدة كلاب أن حق العودة للاجئين أمر لا مناص عنه ولكنه بعيد المنال في الوقت الحالي، خاصة مع حرب الإبادة والحرب النفسية التي تمارسها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين."

إبر بنج وليس حلا

أما السيدة إيمان عرندس الباحثة والتي تبلغ من العمر 38 عاما فتقول: " عندما نفكر بقضية اللاجئين التي هي جزء أساسي في وعينا الذي تشكل منذ نعومة أظافرنا فهو الرجوع للأرض الحقيقية، أرض الآباء والأجداد، فقد ولدنا في بلاد هي مسقط رأسنا، ورغم ذلك نبقى إلى الآن غرباء عن وطننا رغم أنا فيه، بمعنى أن والدي ولد في القبيبة وأنا ولدت في مخيم الشابورة، وولدت أبنائي أيضا في المخيم أي أني وأولادي لا نعرف عن بلدنا الأصلية إلا ما نسمعه من والدي وأمي لكن قدمي لم تطأها رغم أني أقارب الأربعين من العمر، ففي أي عرف وحق يستمر هذا الظلم."

وتستطرد قائلة:" لا حل إلا بالرجوع لهذه الأرض الأصلية لأن أي حل في ظل احتلال هو عبارة عن إبر بنج وليس حل للقضية."

وتؤكد عرندس أن الوضع في غزة لا يمكن وصفه بكلمات ورغم عدم إمكانية تحقيق أي حلول لقضية اللاجئين الفلسطينيين في الوضع الراهن إلا أن هذا لا يعني نسيانه أبدا فطالما هنالك نفس فلسطيني في المخيمات فعودة اللاجئين لأراضيهم هو أمر حتمي ولابد من تحقيقه، وإذا لم يشهده هذا الجيل أو الذي يليه فبالتأكيد ستكون للأجيال القادمة فرصة وأمل ربما أكبر في حل قضيتهم، لأن الحق لا يسقط بالتقادم.

بداية الوجع

وتعود جذور مشكلة اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1850 عندما بدأ التفكير البريطاني بإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين مروراً بالمؤتمر الصهيوني الأول في بازل سنة 1897 والمتمثل بتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين لإنشاء دولتهم هناك وإنشاء الجمعيات اليهودية التي تعمل على ذلك، ومن ثم كان وعد بلفور عام 1917 المتمثل بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وصدور قرار التقسيم 181 عام 1947 عن هيئة الأمم المتحدة، وما تلا تلك السنة من أعمال العصابات الصهيونية المتمثل بالقتل والتخريب ومعاناة الشعب الفلسطيني من مأساة بعدها حيث كان على أثر ذلك رحيل مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين عن بلادهم وديارهم وما تلا ذلك أيضاً من المعاناة القاسية التي وجدها هؤلاء المواطنين الفلسطينيين بعد هجرتهم وما زالوا يعانون منها حتى وقتنا الحاضر.

لقد خرج الفلسطينيون في ذلك الوقت من ديارهم وبلادهم تحت وطأة الضغط والخوف والإرهاب نتيجة للمجازر الرهيبة التي قام بها اليهود في كافة أنحاء بلادهم، حيث تعتبر تلك النكبة التي أصابت الشعب الفلسطيني في ذلك الوقت من أكبر النكبات التي حلت به منذ ذلك الحين وحتى الوقت الحاضر حيث تم اقتلاع حوالي مليون مواطن فلسطيني من مختلف الفئات والأعمار وتمت مصادرة أراضيهم وإقامة دولة غريبة عليها " إسرائيل " (1 ).

أعداد اللاجئات

كما ويقدر مجموع النساء الفلسطينيات اللاجئات بمليونين ونصف امرأة، ويشكل هذا العدد نصف عدد اللاجئين الفلسطينيين تقريبا؛ الذين يقيمون في 59 مخيما في داخل الوطن وخارجه، بالإضافة إلى الفلسطينيات اللاجئات في وطنهن التاريخي في فلسطين المحتلة عام 1948؛ من اللواتي أجبرن على الهجرة قسرا مع عائلاتهن من قراهن المدمرة البالغ عددها 418 قرية في إطار المشروع الصهيوني القائم على طرد السكان واحتلال الأرض، وهن بالتالي مهجرات من ديارهن على الرغم من وجودهن في وطنهن على مقربة منها، وهن يشكلن مع مثيلاتهن من اللاجئات في مخيمات الضفة والقطاع وفي مخيمات سوريا 49% من أعداد اللاجئين، أما في لبنان فيشكلن 58% من أعداد اللاجئين الفلسطينيين؛ ويعود الخلل في التوازن إلى هجرة دائمة وعلى مراحل للذكور؛ وإلى أعداد الشهداء في الحروب الإسرائيلية وإلى الحروب الأهلية والطائفية التي شهدها لبنان. أما في الأردن فيشكل عدد اللاجئات 48% من إجمالي أعداد اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الأردن حصرا؛ حيث يشكل اللاجئون الذين يعيشون خارج المخيمات في الأردن حوالي 60% من مجموع لاجئي الأردن.(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد المجيد علاونة: دور المرأة في التنمية عند اللاجئين الفلسطينيين منذ سنة 1948 وحتى السكن والاستقرار في المخيم

(2) ريما كتانه نزال: مقال منشور بعنوان: ضوء على معاناة المرأة الفلسطينية اللاجئة http://www.deyaralnagab.com/

إرسال تعليق Blogger

 
Top