0

سمية ونعمة مثال رائع للمثابرة والنجاح..

تعود لمقاعد الدراسة بعد 17 عاما

Image(1354)

رفح:هداية شمعون

رغم انقطاعها عن التعليم لمدة سبعة عشر عاما، إلا أنها عادت لمقاعد الدراسة من جديد، ولم تكن طالبة جامعية فحسب بل طالبة متفوقة تفخر بها جامعتها وأهلها، وقبلهم جميعا هي ذاتها.

تقول بكلمات موزونة.." التعليم هو كل شىء في حياتي الآن، لقد ولدت من جديد، ولم يتبق لي سوى القليل حتى أحقق حلمي بالتخرج.."

سمية العجرمي تلك السيدة التي امتلأت عيناها بالإصرار والأمل، وكلماتها القوية تتدفق بانسياب متناغم.." لقد أنهيت مرحلة الثانوية العامة، وكنت الثالثة على مدرستي في النصفي، وحين تقدمت بأوراقي لمعهد دار المعلمات بغزة رفض خطيبي أن أكمل تعليمي وأجبرني على سحب ملفي، وهكذا تراجع حلم التعليم، وتزوجت وأنجبت تسعة أطفال وذاب الحلم والمستقبل بين مسؤوليات الأولاد والزوج، وكنت أبني للجميع بقلب الأم الحنون رغم أني نسيت نفسي أثناء ذلك"

.. و شاء قدر الله أن تحدث خلافات حادة ترتب عليها ترك سمية لبيتها مدة من الزمن، ومن اليوم الأول الذي عادت فيه إلى أهلها وجدت نفسها مندفعة تفكر من جديد بالالتحاق بالدراسة وسط تشجيع أهلها وإخوتها، وتقدمت بأوراقها وبدأت الدراسة من جديد..

تقول سمية:" كانت البداية صعبة جد جدا بالنسبة لي، فكل حياتي وأيامي كانت طيلة سبعة عشر عاما بين المطبخ وإعداد الطعام، واحتياجات الأطفال ومسؤوليات البيت، كنت سعيدة مع أولادي لكن كنت دوما أبحث عن نفسي وعن كياني."

Image(1351)

تحدي وإصرار

وتضيف:" رغم شغفي لإكمال دراستي وانتقالي للحياة الجامعية إلا أنني واجهت صعوبات كانت قاسية في بداية طريقي، فقد كان جميع زملائي وزميلاتي صغار السن أي في عمر أولادي، وكنت حينها قد تجاوزت الرابعة والثلاثين عاما، عانيت لعدم قدرتي على الانسجام حيث أنني كنت كثيرا ما أسأل نفسي... كنت في بيتي ومرتاحة والحياة الجامعية ليست سهلة لمن هم مثلي، كما أني كنت أواجه بنظرات غير واثقة بقدرتي على النجاح مما كان يزيد من رعبي بالإضافة لصعوبة بعض المواد حقا وفعل النسيان الذي أنهك ذاكرتي."

وتصمت سمية قليلا لتضيف:" كثيرا ما كنت وسط امتحاناتي وأحاول أن أعصر ذهني للتركيز والدراسة لتتقافز صور أطفالي بين صفحات كتبي، أتخيلهم حولي، ضحكاتهم ونداءاتهم لي، واشتياقي الدائم لهم رغم أني الآن أراهم بشكل دائم. حتى تمكنت من أن أجعل منهم دافعي للنجاح والتفوق، كما أني وجدت بعد فترة صديقة من نفس عمري وواجهت ظروفا منعتها من استكمال دراستها فانسجمت وباتت الجامعة الجزء الأهم في حياتي."

وتقول سمية بفرح طفولي:" حصلت على معدل 89% وإن شاء الله سأتخرج بأفضل من ذلك رغم صعوبة بعض المواد بالنسبة لي كالإحصاء والحاسوب، لكني سأذلل الصعاب فأمنيتي أن أتخرج لألتحق بالدراسات العليا، لو توفرت لي الإمكانات المناسبة وسأشق طريقي رغم كل الصعاب، ففي الوقت الذي كنت أتهيأ فيه في أحيان كثيرة للدراسة كانت الدبابات الإسرائيلية تجتاح منطقتنا وقد هدم بيتنا في مرة من المرات وفقدت كتبي ومحاضراتي ورغم كل ذلك فهذا لا يزيدني إلا إصرارا.

وعن ابنتها الكبرى" فلسطين" تقول:" ابنتي البكر في مرحلة التوجيهي الآن وهي من الأوائل، وأدفعها دائما للتفوق لأن العلم هو من يصنع الإنسان وأريد لابنتي مستقبلا أفضل."

وتؤكد نعمة الجزار على مقولة سمية لتحدثنا عن تجربتها الخاصة قائلة:" كان تركي للتعليم نتيجة صدمة تعرضت لها، فقد كنت الثانية على مدرستي في الثاني الثانوي، وكنت أتوقع أفضل من ذلك في التوجيهي إلا أن صاعقة دمرت كل أحلامي وتوقعاتي إذ رسبت في التوجيهي."

ثلاثة عشر عاما بعيدا عن التعليم

وتتلألأ الدموع بعينيها رغما عنها ويرتجف صوتها وهي تكمل:" كنت أتحرق شوقا لأعرف إن كنت الأولى على مدرستي أم الثانية فإذا بي أفاجأ بأن اسمي ليس في سجل الناجحين أصلا."

" ...صدمت وبكيت وانعزلت في البيت واعتزلت الحياة الاجتماعية تماما، حتى شارع مدرستي الثانوية لم أكن أجرؤ على أن أقترب منه واستمر انقطاعي عن التعليم لمدة ثلاثة عشرة عاما.

وتضيف نعمة:" وكلما فكرت في العودة للدراسة كان حاجزا منينا يجعلني أتراجع وأحجم عن محاولة العودة للدراسة، حتى رأيت رؤيا في المنام أن أتقدم لامتحانات التوجيهي واستيقظت من النوم لأقول لزوجي أريد أن أذهب لمدرسة القدس في رفح، وتوجهت فعلا ولم يكن وقتها متبقيا سوى شهرين على الامتحانات."

وحضرت بعض المحاضرات مع قسم الدراسات المنزلية، كانوا يدرسون فلسفة ومنطق وعلم نفس، وفي الحقيقة لم أكن أفهم شيء مما يقولون فثلاثة عشر عاما ليس أمرا هينا، كنت أشعر أني لا أفقه شيء فكل حياتي تركزت في تربيتي لأولادي."

وتكمل: كان الشهر بأكمله بمثابة كابوس ثقيل يمر بي ويجدد ذكرى رسوبي من جديد، كنت أتمالك نفسي أمام زوجي وأولادي، وما أن أصل بيت أهلي حتى تصيبني نوبات بكاء حادة، لكني شعرت أن الله معي رغم كل ذلك."

للنجاح طعم آخر..

وتضيف:" كانت فترة قاسية جدا على نفسي، مشاعر مختلطة أصابتني تدفعني حينا لأكون قوية وأستمر، ومرات أخرى أجد أني أريد التراجع ويصيبني الوهن خاصة أني لم أكن أملك ثمن الكتب التي سأدرس بها حتى تبرعت أختي بشرائها لي فأقوى مرة أخي على كل الصعاب، وكانت النتيجة أني حصلت على 80% كمعدل عام."

ويختلج صوتها بالبهجة وعدم التصديق:" أولادي أخذوا يهتفوا ويصيحوا.. ماما نجحت، ماما من نجحت بتفوق.. بينما أنا أرتجف كعصفور مبلل أبكي حينا وأضحك حينا آخر، ولساني يلهج بحمد الله، فرحة لا توصف وشعور رائع أشعره كلما تذكرت الموقف."

"..وكأنما ألقيت بحمل ثلاثة عشر عاما عن كاهلي سنوات وكأن جبل ضخم تهاوى عني، وتقدمت للجامعة وبحمد الله كان معدلي في السنة الأولى 93% وحصلت على منحة المتفوقين وأرحت أهلي من مصاريفي الجامعية."

وعن قدرتها على ملاءمة دراستها وتدريس أولادها وبناتها تقول:" هذا الفصل اضطررت أن أؤجل ثلاثة امتحانات لي كي أتمكن من تدريس أولادي وبناتي ليكونوا من ضمن المتفوقين، وعن أمنيتها تقول:" أتمنى أن أتخرج بامتياز وأن أتمكن من تعليم أولادي وبناتي."

إرسال تعليق Blogger

 
Top