(من أرشيفي الصحفي )
بقلم: هداية شمعون
هانحن ذا في فبراير 2007 وفي بداية العام الثاني لتحرير غزة .. فماذا نرى غزة الآن؟.. سؤال مؤلم وصور يندى لها الجبين.. هل زوال الاحتلال عن قطاع غزة هو ما قتلنا..؟؟ إن المحتفلين بالانسحاب وقتها يبكون الآن لما آلت إليه أحوال الأخوة الفلسطينيون.. باتوا أكثر عبوسا وغضبا وحنقا.. بينما زالت مراسم البهجة والاحتفال وحلت مكانها مظاهر الفقر والبؤس فقد تحول الفرح إلى كابوس يكتم على أنفاس المواطنين.. وباتت أحلامهم رمادا منثورا.
ففي العام المنصرم زاد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، واستمر إغلاق المعابر، بل شهد العام الماضي إغلاق المعابر أطول مدة زمنية ومتواصلة منذ بداية انتفاضة الأقصى. كما عاني الناس من نقص شديد في المواد الأساسية( كالسكر، والطحين) كذلك حدث نقص في الغاز والسولار والبنزين، وزادت الأسعار بشكل مضاعف، وقلت فرص العمل وانقطعت الرواتب عن آلاف الموظفين في القطاع الحكومي، وساء حال المزارعين مما أدى لتدهور حاد في الأوضاع الاقتصادية للأسر الفلسطينية وارتفعت نسبة الفقر في المجتمع الفلسطيني لتزيد عن70% ولازال الوضع في تدهور مستمر.. فالفلتان الأمني من جهة بات يشكل مظهرا من مظاهر المجتمع الفلسطيني والذي أودى بحياة الكثيرين ومن بينهم نساء، كما ارتفعت وتيرة العنف على صعيد الفرد الفلسطيني نظرا للضغوط التي يحملها على كاهله، وتراجعت سيادة القانون رغم عدم فاعليتها سابقا لتحل محلها العشائرية والفئوية العصبية.
المرأة الفلسطينية:
وحين نحاول أن نبحث عن المرأة في هذه الدائرة السوداوية المحكمة نجد أن أوضاعها ازدادت سوءا وضاعفت من الأعباء الملقاة على عاتقها والتزامها بضرورة توفير احتياجات الأسرة الأساسية وهذا بدوره زاد من الضغوط النفسية عليها.
إن حصاد انتفاضة الأقصى التي يصادف التاسع والعشرون سبتمبر الماضي يرصد ستة أعوام على اندلاعها- 29سبتمبر 2000- كفيل بأن يشهد على تراجع مخيف في الأوضاع الإنسانية في المجتمع الفلسطيني، وأوضاع المرأة الفلسطينية بشكل خاص، ويمكن أن نشير لذلك من خلال النقاط التالية:
- الاستشهاد:
فقد استشهد العديد من الأطفال والنساء في انتفاضة الأقصى، إذ بلغ عدد الشهيدات في رفح وخانيونس ما يزيد على 67 شهيدة حتى الآن، استشهدت 40 منهن في رفح حتى الآن، و27 في خانيونس حتى منتصف يونيو، أما الشهداء الأطفال الذين سقطوا على أيدي قوات الاحتلال في المحافظتين فقد بلغ: 190 منهم: 108 شهيد/ة في رفح، و82 في خانيونس.
الأسر التي استشهد معيلها:
كذلك تتحمل النساء عبىء الأسر التي استشهد أزواجهن، فحتى نهاية أغسطس 2006 بلغ عدد الشهداء في رفح وحدها 486 شهيد، منهم 153 شهيد متزوجون ولهم أسر، مما يعني أن مسؤولية هذه الأسر ورعاية الأطفال أصبح من مهام الزوجة ليضيف عبأ آخر عليها مع الالتزام بمهامها التي تقوم بها،
وعلى سبيل المثال في منطقة خانيونس بلغ عدد الشهداء حتى منتصف يونيو 348 شهيد منهم 104 متزوجون ولهم اسر مما يعني أن 104 أسرة أصبحت من مسؤولية النساء.
وحين نغوص أكثر في وضع هذه الأسر نجد أن وضعا اجتماعيا متفاقما ينذر بالانفجار في أي وقت فالكثير من العائلات حين يستشهد ابنهم ويكون لديه أطفال فهم يلجأون لتزويج أرملة الشهيد إلى أخ الزوج وهذا يعتبره الناس خروج من المأزق بحيث يحافظون على أبناءهم داخل نفس الأسرة الأمر الذي يلقي بدوره المسؤولية على الأرملة التي تجبر في كثير من الأحيان على القبول بالأمر الواقع والتعامل بشكل طبيعي مع المسألة، فلا أحد يعبأ بمشاعرها على فقد شريك حياتها ومن اقتسمت شقاء الحياة وحلوها معه، ولا أحد بمتطلع لذكرياتها معه بل عليها أن تقبل بكل بساطة للزواج بأخيه وأن تتعامل مع الأمر الواقع فهو زوجها الآن وإذا أنجبت منه فسيقول بعض أولادها له يا بابا، ويقول الآخرون يا عمو..مفارقة لا يكترث بها الكثيرون وعليها أن تلقي بأحزانها وراء ظهرها، وإذا نظرنا للشق الآخر من المسألة فهي إن أرادت الزواج بآخر فهي غالبا ما تجبر على أخذ أبناءها منها لأن الأهل سيرفضون أن يربي أبناؤهم غريب وبكل الأحوال فالعائلة فقدت ركن أساسي وعلى المرأة أن تقودها لبر الأمان مهما كانت التضحيات التي غالبا ما تقدمها هي وأطفالها. وهو الأمر الذي يلقي بمزيد من الظلال والمسؤوليات النفسية الجسيمة على عاتق المرأة.
وفي ذات السياق تتحمل المرأة مسؤولية المعاقين والمصابين في رعايتهم والاهتمام بهم سواء كانوا أزواجا أم أبناء أو أخوة وهذا يضيف مسؤوليات جسيمة على النساء اللواتي يطلب منهن أدوارا مجتمعية وإنجابية وتدبير التزامات البيت بما تسمح به الحالة الاقتصادية
هدم المنازل وتدمير الممتلكات وتشريد العائلات:
فمنذ بداية انتفاضة الأقصى وبسبب الممارسات الإسرائيلية الهمجية على الأطفال والنساء والشيوخ وسياسة الاغتيالات وهدم المنازل وأساليب الترويع المتعددة التي استخدمها الاحتلال فقد شرد ما يزيد على 15921 من النساء، و17247 من الأطفال في منطقة رفح وخانيونس فقط كنموذج، فماذا سيكون الرقم إذا قسنا على باقي مناطق الضفة والقطاع. إن هذه الأرقام تدلل على مدى حجم معاناة النساء والأطفال وتشرد العائلات والأسر.
إن العائلات التي تهدم بيوتها تضطر للبقاء عند الأقارب أو الجيران وهذا يلغي الحيز الخاص لدى النساء حيث يتأثرن أكثر من الانزعاج المتمثل بالعيش في حيز شخصي آخر، وهذا يسبب مزيدا من التوتر لفقدان الأمن والاستقرار، وعدم وضوح الأفق للبقاء في هذا الوضع يزيد الأمر تعقيدا.
وللتعرف على حجم الضرر- بشكل تفصيلي- الذي لحق بالنساء في الجنوب نشير إلى الإحصائيات التي رصدها مركز الميزان لحقوق الإنسان منذ بدء انتفاضة الأقصى وحتىنهاية أغسطس 2006 من هدم بيوت:
فقد هدمت قوات الاحتلال ما مجموعه 3835 بيتا ما بين ضرر كلي وجزئي في كل من رفح وخانيونس، حيث هدمت كليا 1505 بيتا في رفح، و540 كلي في خانيونس، أما جزئيا فقد تضرر 1282 بيتا بشكل جزئي في رفح، أما في خانيونس فقد تضرر 508 جزئيا.
ويزيد ذلك من تأكدنا لحجم معاناة النساء والأطفال الذين شردوا من بيوتهم أو من اضطروا لترك ما تبقى من بيوتهم لعدم إمكانية العيش فيه نتيجة الضرر الذي لحق ببيوتهم، بالإضافة لفقدان النساء والأطفال الأمن والأمان وحياة الاستقرار التي كانوا ينعمون بها في أسرة واحدة، وباتت الأسر مشتتة ومهجرة في ذات المخيم أو المدينة، وهذا بدوره ألقى بظلاله على أوضاعهم النفسية وحياتهم الاجتماعية ومدى تواصلهم في الحياة العامة.
إن ما سبق هو إشارات سريعة ومختصرة للأوضاع التي آل إليها وضع قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي والتأثير المباشر وغير المباشر على أفراد المجتمع الفلسطيني وتحديدا النساء، وعلى نسيج الأسرة الاجتماعي ومدى تماسكه وقدرته على التواصل. إن أهمية الموضوع لا يكفيها مقال أو ورقة بحثية فهنالك حاجة ماسة لإجراء أبحاث تجسد الوضع الفلسطيني الحالي وتأثيراته على النساء وعلى الأسرة بشكل خاص.
إرسال تعليق Blogger Facebook