الصيادون الفلسطينيون يتقلبون على الجمر رغم برودة بحر غزة
تقرير:هداية شمعون
النيران تعصف بمراكبهم، والبحر يحتضن أحلامهم الصغيرة، الطرادات الإسرائيلية تحاصرهم، والخوف يملأ مستقبلهم، الصيادون الفلسطينيون تدكهم القذائف الإسرائيلية وتلاحقهم في لقمة عيشهم فباتوا بوجعهم وحدهم.
الصياد أيمن الجبور .. لم يكن يملك قوت يومه، ولازال يرجم أوجاعه ويلقيها في البحر الممتد أمامه.. تجاوز الأربعين عام وناكف الاحتلال الإسرائيلي سنوات عمره ولازال.. يقف قبالة الشاطئ عله يحظى بجولة مع أحد الصيادين، غير أن البوارج الإسرائيلية تجعل أحلامه الصغيرة أضغاث أحلام.. وتقف له بالمرصاد.
معاناة يومية
يقول الجبور محدثا عن معاناته التي أخذت تتفاقم يوما بعد يوم قائلا:" بينما كنت في عرض البحر أجاهد لكسب قوت أطفالي، ولم تكن الحسكة قد تجاوزت 2 كم مقابل ميناء الصيادين برفح فوجئت وريس المركب وصياد آخر معنا بإطلاق كثيف للنيران تجاهنا من طراد إسرائيلي، تبعه مباشرة أوامر عبر مكبرات الصوت تأمرنا بالتوقف والاقتراب من الطراد، ولم نكد نصل حتى أمرونا بخلع ثيابنا والقفز نحوهم."
ويضيف ونظرة الانكسار بادية في عينيه:" إنهم يعمدون لإذلالنا، والنيل من روحنا وكرامتنا، ولا يشعر بفداحة الجرم إلا من ذاقه. ولا أنكر أنا شعرنا بالخوف خاصة حين قام عدد من الجنود الإسرائيليون بعصب عيوننا وتقييد أيدينا، حتى وصلنا ميناء إسدود الإسرائيلي حسب اعتقادي وهناك نقلنا الجنود لكرفان وبدأ التحقيق."
ويكمل الجبور:" كنت أشعر بإعياء شديد والبرد يفتك بجسدي، ونحن نقف عراة بالكاد نستر أنفسنا، ونحاول أن نتجلد على الوضع المزري الذي أصابنا. وبقينا في التحقيق حتى الرابعة فجرا تبعها إلقاء -الريس - في البحر قرابة دير البلح فأخذت بالصراخ عليهم قائلا.. لا نعرف العوم، توقفوا.. توقفوا. ولم يلبث الجنود الإسرائيليون أن وضعونا في الحسكة وأمرونا بالعودة، وما كدنا نسير مسافة بسيطة حتى انقطع عنا السولار فبتنا مقطوعين والأمواج تتلقفنا يمينا ويسارا، ونحن نرتجف بردا وخوفا من حلكة الليل، وشعورنا بأنا لا حول ولا قوة لنا في بحر متلاطم."
ويتنفس الجبور الصعداء مضيفا:" كانت تجربة مريرة، عاشها الكثير من الصيادين ولازالوا، إنه انتهاك حقيقي لأبسط حقوقنا كبشر."
الجبور يمثل نموذجا صارخا لانتهاكات قوات الإحتلال الإسرائيلي تجاه الصيادين، إلا أن هناك العشرات بل المئات من الحالات الانسانية الصارخة التي تنتهك حقوقها ليل نهار، إذ تتعدد الانتهاكات التي تطال الصيادين، فوضعهم لم يتحسن منذ ثلاث سنوات، بل إنه إزداد سوءا وتراجعا، فلازال الحصار الإسرائيلي مفروضا على طول ساحل قطاع غزة، وبموجبه لم يتمكن الصيادون من دخول البحر برغم إدعاء قوات الاحتلال الإسرائيلي بانسحابها من قطاع غزة، إلا أن الزوارق الإسرائيلية تستمر بإرعاب الصيادين وكل من يحاول الاقتراب من البحر، وتنتهك أبسط حقوقهم كبشر، فمن إطلاق النيران الكثيف على قواربهم، إلى قتلهم عمدا، إلى اعتقالهم ومحاولة النيل من كرامتهم، والحط من قيمتهم كبشر."
وضع مزري
ويصف نزار عياش رئيس نقابة الصيادين في قطاع غزة الوضع قائلا:" بعد الانسحاب الإسرائيلي أصبح وضع الصيادين مأساويا للغاية، إذ ازداد التشديد والتضييق على الصيادين، وإطلاق النيران عليهم بشكل مباشر ما أدى لاستشهاد العديد منهم وإصابة آخرين. أما الوضع الأكثر صعوبة الذي يواجهه الصيادون فقد تدهور بعد عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط في يوليو2006 إذ تم إغلاق البحر لمدة تزيد عن ستة أشهر بشكل متواصل، ونظرا لأن الوضع المعيشي متدهور لدى عائلات الصيادين فمصدر رزقهم الوحيد قد تلاشى فقد اندفع بعضا منهم ودخلوا البحر رافضين الأوامر الإسرائيلية، ودخلوا مسافات قريبة إلا ان رصاصات الاحتلال كانت لهم بالمرصاد فاستشهد أحدهم وأصيب آخرون."
ويضيف عياش:" رغم الموت أصر الصيادون على الصيد فاضطر الاحتلال للسماح لهم بالتقدم 6 ميل في منطقة غزة، و3 ميل في المنطقة الجنوبية وفي كل الحالات فالخطر محدق بالصيادين لأن الاحتلال لا يلتزم بوعود أو اتفاقات ."
وعن المساحة المتاحة للصيادين بقول عياش:" إن مساحة القطاع بأكملها 45كم مقتطع منها منطقة صفراء شمال وجنوب القطاع ليتبقى 37 كم، المسموح منها 20 ميل فقط كيف يمكن أن تكفي 3000 صياد في قطاع غزة. وإذا أخذنا بالاعتبار الدخلاء على مهنة الصيد نظرا للظروف المعيشية القاسية وأقدرهم بـ600 شخص لا يحملون تصاريح الصيد الرسمية فما الذي نتوقعه من الصيادين ومن انعكاسات هذا التضييق على حياتهم ومستواهم المعيشي إنهم باتوا تحت خط الفقر."
ويجلس عياش في وسط ميناء دير البلح بينما توقفت أكثر من مئة حسكة حول الميناء تشكو حال الصيادين فالمناطق القريبة من البحر- نظفت على حد تعبيره- ولم يعد هنالك سمك فيها.. والبحر بات بعيد المنال وهو في مرمى العين.
وعن عمل النقابة يصف عياش ذلك قائلا:" نحاول بشكل أو بآخر أن نساعد الصيادين وعائلاتهم الفقيرة وقد لجأنا إلى وكالة الغوث وساهمنا بمساعدة 425 صياد التحقوا بدورات مستمرة منها الحراسات، صيانة الشبك والمعدات الخاصة بالصيادين وغير ذلك، كما ساهم الصليب الأحمر بتوزيع شباك على الصيادين لتأهيلهم ومتى تسمح لهم الظروف،كما قام الصليب بتفقد ممتلكات بعض الصيادين غير القادرين على الوصول لممتلكاتهم."
وتمنى عياش على المؤسسات الدولية والمحلية منها أن تنتبه لشريحة الصيادين التي باتت تقع تحت خط الفقر وتعيش حالة مزرية، فمعاناة الصيادين غير مرئية بتفاصيلها المرعبة للعيان لأنها تدور بعيدا عن أعين الصحافة إلا أن الانتهاكات الإسرائيلية تحدث ليل نهار، لذا أتمنى أيضا على الصحافة أن تعطي معاناة الصيادين ما يستحقوه من تغطية إعلامية لمساندته في قضيته العادلة.
انتهاكات مستمرة
هذا وحسب التقارير الميدانية لمركز الميزان فقد فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي طوقا بحريا شاملا على ساحل قطاع غزة في أكتوبر 2000، ومنذ ذلك التاريخ أغلقت قوات الاحتلال البحر ومنعت الصيادين من مزاولة مهنتهم لفترات زمنية متفاوتة، الأمر الذي حرم الصيادين الفلسطينيين من مزاولة عملهم، ويذكر أن قوات الاحتلال لم تسمح للصيادين بتجاوز ما مسافته 10 أميال منذ ذلك التاريخ. وتتجاوز هذه الممارسات كونها انتهاكا لمبادئ القانون الدولي، لتشكل خرقا للاتفاقات الثنائية المبرمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. كما أن تقليص العمق المسموح للصيادين بالوصول إليه أبعد الصيادين عن الأماكن العميقة التي تعتبر أوفر من نظيرتها القريبة من الشواطئ بالأسماك.
بالإضافة إلى أن السماح للصيادين بمزاولة مهنتهم، أو الإغلاق وحرمانهم من مزاولة عملهم يخضع في أحيان كثيرة لمزاج الجنود الذين يتولون مراقبة البحر، حيث يفتحون نيران أسلحتهم الثقيلة والخفيفة تجاه قوارب الصيد الفلسطينية بشكل عشوائي بين الفينة والأخرى دون أن يكون هناك قرارا رسميا معلنا بإغلاق البحر أمام الصيادين.
خسائر فادحة
وفي تقديره لخسائر الصيادين فترة انتفاضة الأقصى قال عياش أنها تجاوزت الـ 16 مليون دولار منها ما هو مباشر وواضح في التخريب والتدمير الذي لحق بممتلكات الصيادين، ومنها ماهو خسارة يومية تعود على الصيادين من جهد وضياع لأرزاقهم، كما أنها خسارة فادحة للدخل القومي تقدر بـ4% وهذا يعني أن جزءا مهما من الاقتصاد قد تأثر سلبا وهذا بدوره ينعكس على المستوى المعيشي.
وفي ذات السياق تكبد قطاع الصيد الفلسطيني خسائر كبيرة خلال انتفاضة الأقصى، جراء الممارسات الإسرائيلية الهادفة إلى ضرب مقومات هذا القطاع، أسوة بممارساتها تجاه القطاعات الاقتصادية المختلفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ تفيد مصادر الإدارة العامة للثروة السمكية أن الخسائر المباشرة التي تلحق بقطاع الثروة السمكية عن كل يوم إغلاق تبلغ حوالي 41 ألف دولار. إضافة على خسائر أخرى تقدر بحوالي 25 ألف دولار يوميا ناتجة عن عدم قدرة الصيادين تسويق أنواع الأسماك الجيدة، ذات الأثمان المرتفعة.
كما ويشير قطاع الثروة السمكية والصيد البحري إلى أن أيام الإغلاق عادة ما تترافق مع قدوم مواسم الصيد حيث هجرة الأسماك، الأمر الذي كبد هذا القطاع خسائر فادحة.
اتفاقية جنيف
وقد أكد مركز الميزان لحقوق الإنسان على استمرار المخالفات والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، سواء بفرض الحصار والإغلاق على قطاع غزة، أو استمرارها في سياسة التضييق الاقتصادي على المدنيين الفلسطينيين، خاصة العاملين في قطاع الصيد البحري، يفضي إلى ظاهرتي الفقر والبطالة في قطاع غزة، ويشل فرص الانتعاش الاقتصادي مستقبلا.
كما وطالب المركز بضرورة أن يسارع المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات الإسرائيلية بحق السكان المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لاسيما الصيادين منهم، والضغط على دولة الاحتلال لرفع الحصار المشدد الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية لاسيما الحصار البحري.
من جهة أخرى يجد المركز لزاما عليه التأكيد على أن تنفيذ قوات الاحتلال لخطة الفصل أحادي الجانب يهدف إلى تضليل المجتمع الدولي، ويتيح لدولة الاحتلال التحلل من التزاماتها القانونية تجاه السكان المدنيين في قطاع غزة، فيما تواصل تلك القوات انتهاكاتها الجسيمة وممارساتها العنصرية بحق السكان الفلسطينيين، وفرض حصارها وأشكال سيطرتها المختلفة على الفلسطينيين، من هنا يطالب مركز الميزان العمل على تطبيق بنود اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 المتعلقة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب، على الأرض والسكان المدنيين في قطاع غزة.
إرسال تعليق Blogger Facebook