0
تمرد ..عصيان..مبادرة جريئة وجنونية في ذات الوقت هذا أقل ما يمكن وصفه لما يحدث الآن على الحاجز الإسرائيلي أبو هولي والفاصل بين جنوب قطاع غزة عن شماله.. عشرات الشبان يعدون بشجاعة نادرة ويخترقون الحاجز الإسرائيلي الذي يجثم على أنفاس الناس ويقطع عليهم سبل عيشهم منذ إقامته في بداية انتفاضة الأقصى.. لا يعبأون بطلقات الرصاص التي باتت تخترق الأرض التي يهرولون فوقها ..رصاصة هنا وأخرى هناك.. مصاب اثنان.. ستة ..والأمر لا يتوقف يمضون بعد أن طال بهم الانتظار على الحاجز الإسرائيلي لأربع ساعات بعضهم عمال والآخرون طلبة .. صوت الرصاص بات كثيفا .. هدوء يسود المكان، تبدد الطلقات النارية حلكة الليل بين الفينة والأخرى .. دفعة أخرى من الشباب تخرج فجأة من بين مئات السيارات المصطفة على الجانب القادم من غزة باتجاه الجنوب .. الكشافات الإسرائيلية تضيء المكان.. القنابل الضوئية تشتعل في السماء..يفقد الجنود الإسرائيليون صوابهم ما الذي يحدث؟؟ ..
الأمر حقا رائع وجنوني بذات الوقت, لا احد يخاف البلوكات الأسمنتية والدبابات التي تلف المكان التفتيش يستمر ساعات .. صوت مكبر الصوت الكل يعود للسيارات. .ساعة أخرى ..
تجولت صحيفة الدار بين الجمهور الذي قضى ما يزيد عن 6 ساعات ..

جرأة لا توصف
يقول السيد محمد عابد 63 عاما من مدينة رفح:" قليلا ما أذهب لغزة لكني كنت متوجه لأمر طارىء، ووصلت الحاجز تقريبا الساعة الرابعة عصرا وكانت برفقتي ابنتي، بقينا 6 ساعات على الحاجز وحين أتينا كانت هنالك دبابة إسرائيلية وسمعنا أنه يوجد تفتيش للسيارات في الاتجاهين، وبقينا في السيارة ثم رأينا مجموعة من الشباب بعد السابعة مساءا أخذت تعدو باتجاه الحاجز كانوا بالعشرات وتعجبنا من جرأتهم وكانوا الجنود الإسرائيليين الذين في( القولبة ) يطلقون النار فأصابوا العديد منهم ورأيت عدد من الشباب يحمل المصابين على أكتافهم ويجرون بهم باتجاه دير البلح لأنه لم تتمكن أي سيارة إسعاف من الدخول فهنالك مئات السيارات التي تصطف خلفنا حتى دير البلح البلد."
ويسعل العجوز مضيفا:" البرد هنا شديد جدا ولا أعرف لماذا يوقفونا كل هذه الساعات، إن لي أقارب في دير البلح لكني عجوز ولا يمكنني أن أسير 2 كيلو ونصف على قدمي الضعيفتين بين مئات السيارات لأتمكن من الوصول لدير البلح في هذا الوقت المتأخر من الشتاء، فلست أحب أن أثقل على أحد بهذه الطريقة "
وهنا تتدخل ابنته نهلة في الحديث قائلة:" لا يمكننا العودة لدير البلح فغدا لدي امتحان في المدرسة، فأنا في التوجيهي هذا العام قسم علمي ولست أدرى متى سأتمكن من الدراسة لامتحان الغد، لست معتادة على الحواجز العسكرية الإسرائيلية فلولا الضرورة ما خرجت أنا ووالدي "
برد ونار
تحلق عشرات الشبان حول نار نجحوا أخيرا في إيقادها بعد حاولوا مرارا فالريح الباردة سرعان ما تطفئها إلا أنها هذه المرة ارتفعت ألسنتها لتجذب المزيد من الشباب الذي تعب من الانتظار..
يقول أحد العمال وهو يفرك كفيه ويمضي قدما نحو الحاجز : " سأدخل رغما عنهم ولو أردوني برصاصاتهم، فقد استيقظت من الثالثة فجرا لأتمكن من الوصول إلى عملي و هأنذا جئت مع غروب الشمس ولم أنل أي قسط من الراحة وأكاد أتضور جوعا فلولا لقمة العيش ما تحملت كل هذا"
ويضيف بسخرية لاذعة:" ثم بعد كل ذلك أنتظر على الحاجز عدة ساعات أخرى لأصل لبيتي في رفح ، لا هذا فوق الاحتمال"
ويهرع مندفعا مع جمع من الشباب المتعب تاركا إيانا لينطلقوا بكل قوتهم نحو الحاجز في خطوة جريئة مرة ثانية لتعلوا الرصاصات وصوت الجندي الإسرائيلي يصرخ عبر مكبر تأمرهم بالتوقف لكنهم يستمرون في العدو عبر الممر الأسفلتي الطويل الذي تحيطه الكتل الأسمنتية من جهة بينما هرعت إليهم دبابة إسرائيلية ظلت تطلق النار لتمنع الآخرين من التفكير بالحذو مثلهم، ولم يملك جنود الاحتلال الإسرائيلي إلا فتح الحاجز بعد أن خافوا من عواقب خطوة الشباب المبادرة في مرات لاحقة.
ويقول أيمن 35 عاما من خانيونس: " لقد سجلت سابقة مع الشبان في الشهر الماضي إذ اتفقنا أن نجري في وقت واحد مع حلول الظلام لنجتاز الحاجز وفعلنا ذلك ولكنا حين اقتربنا من الناحية الثانية التي تعلوها (القولبة) الإسرائيلية قطع علينا إحدى الجيبات الإسرائيلية طريقنا وقام الجنود بإطلاق النار ليجبرونا على الوقوف ثم اقتادونا إلى داخل البلوكات الأسمنتية التي شكلوا منها غرفا وأبقونا لساعتين ثم أطلقوا سراحنا ومشنا حتى اجتزنا الناحية الثانية من الحاجز "
ويضيف: " ليس هنالك ما يخيف الموت واحد والرب واحد، واللي مقدر له شيء بيصير "
شاحنات ومئات البشر
يقول أحد الشبان وهو يبدو معلقا على إحدى قضبان شاحنة ممتلئة بالعشرات من الشبان والرجال :" لم أجد مكانا لي بعد أن امتلأت السيارات بضعف حملها فتمكنت من التشبت بهذه الشاحنة وتمكنت من الدخول بعد خمس ساعات من الانتظار."
ومن الصور التي قليلا ما تتكرر في مثل هذه الظروف الصعبة وجدنا إحدى السيدات التي حاولت الاستفادة من وقتها على الحاجز فقامت بتسويق ما لديها من سجائر رويال قائلة:" لو كنت في ساحة غزة ما تمكنت من بيع ثلاثة علب كبيرة في أقل من ساعة، حيث بات الدخان مطلبا أساسيا للشبان الذين لا يجدون غير الدخان ملاذا لهم في ساعات ضائعة بلا جدوى ينفسون بها عن كبتهم وغضبهم"
وتضحك السيدة الأربعينية وكأنها من عالم آخر:.. لقد بعت كل ما لدي وخرجت بقوت أسبوع، لا أحب الانتظار على الحواجز كالباقين لكنها رزقتي وجاءت حتى عندي"
ويشاركها السيد فستق – كما يحلو للناس تسميته - الذي باع أضعافا مضاعفة من الفستق حيث لم يجد به المواطنون الجياع ما يسدون رمقهم به غير الفستق والبسكويت، ويسأله أحد الشبان هل هو فستق جديد فيحلف السيد فستق الأيمان قائلا : والله لم يمر عليه شهر بعد لدي "
وصدق قول القائل مصائب قوم عند قوم فوائد.

إرسال تعليق Blogger

 
Top